ياسمينة صالح قاصة وروائية جزائرية حاصلة على دبلوم في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، اشتغلت في بدايتها في التدريس لكنها انسحبت لتشتغل في الصحافة المكتوبة منها جريدة المجاهد. كما أشرفت سنة 2000 على القسم الثقافي في مجلة نسائية جزائرية، وحتى الآن مازالت تزاول مهنة الصحافة. بدأت مشوارها الأدبي بالقصة القصيرة ثم تحولت إلى فن النفس الطويل/الرواية حيث حصلت روايتها الأولى "بحر الصمت" على جائزة مالك حداد الأدبية لعام 2001م، وقد صدرت عن دار الآداب ببيروت، ومنشورات الاختلاف في الجزائر ، أيضا صدرت في طبعة جديدة ثانية في القاهرة شهر جويلية 2009. كما صدرت لها 3 مجموعات قصصية هي: "حين نلتقي غرباء"، "قليل من الشمس تكفي"، "وطن الكلام" حازت بفضلهم على عدة جوائز أدبية عربية وجزائرية، "ناستالجيا" وهي عبارة عن ترجمة أدبية لقصص غربية. أما في الرواية فصدرت لها بعد "بحر الصمت"، "وطن من زجاج" عن الدار العربية للعلوم ببيروت عام 2006 والتي حازت على جائزة القراءة في تونس. و"لخضر" عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت أوائل 2010. ترجمت أعمالها إلى الفرنسية والإسبانية. في هذا الحوار تتحدث الروائية عن روايتها الأخيرة "لخضر" وعن تجربتها السردية والكتابة التي ترى أنها الناطق الرسمي الوحيد باسم الكاتب وعن الروايات الإيروتيكية التي تقول أنها خالية من أي إضافة وعن استثمارها في الثورة وسنوات المحنة.
. روايتك الأخيرة "لخضر" جاءت هكذا تحمل اسما وكفى، يعني لم يكن العنوان مركبا أو موحيا مثل عناوين أعمالك السابقة، واقتصرت على مجرد اسم، وهو اسم البطل، كيف لم تستثمري عنوانا آخر؟
· ياسمينة صالح: "لخضر" لم يكن اسما وكفى، إنه في النهاية كل الرواية بأبعادها التاريخية والجغرافية والسياسية. العناوين لا تحتاج مني إلى "الاستثمار" فيها لجلب القارئ على حساب النص، ناهيك أنني أختار عنوانا لا يخون النص الذي أكتبه، هذا كل ما في الأمر، على اعتبار أنني لا أتاجر في الرواية، ولا أضع عنوانا "تجاريا" من باب ضمان تسويق الرواية على حساب مستواها الأدبي. المسألة عندي مبنية على شرف الكتابة، بكل ما تعنيه من احترام لذائقة القارئ الذي يقرأ لي.
· في كتاباتك السردية مثلما استثمرت في الثورة استثمرت أيضا في سنوات الإرهاب وحتى روايتك الأخيرة استثمرت في أزمة ومحنة العشرية السوداء، برأيك هل سنوات المحنة استثمرت أدبيا كما يجب أم كانت عبارة عن تسجيل حضور وكفى؟
· ياسمينة صالح: من الصعب الحديث عن الجزائر دونما التطرق إلى البدايات، وإلى النهايات، الثورة والعنف السياسي الذي يسميه البعض "الإرهاب"! تذكري أن العنف السياسي وجد بُعيد الإستقلال بفترة، وأن الشعب الجزائري خرج للصراخ "سبع سنين بركات"! لهذا أجدني أمارس قراءة تاريخية في إطار روائي يعتمد في الأول والأخير على المخيلة، على اعتبار أنني من مواليد الإستقلال، وعلى اعتبار أنني عايشت العنف السياسي في التسعينات، وآذاني نفسيا مثلما آذى كل الشعب الجزائري، ومثلما آذى صورة البلد وسمعتها على الصعيد العالمي. أما عن "استثمار" هذه المرحلة إبداعيا، فهذا من حق الكاتب أن يصوّر رؤيته للمرحلة كما يشاء، ومن حقه أن يقول كلمته أيضا، ويترك شهادة أدبية على عصره!.
· هناك من وصف الرواية بالملحمة الإنسانية، هل أضاف هذا الوصف شيئا لنفسك؟ ما الذي يحدثه وصف كهذا في ذاتك ككاتبة؟
· ياسمينة صالح: بل ما الذي تحدثه رواية جديدة في ذات كاتبها، هذا هو السؤال الذي يهمني، فالرواية عملية إبداعية يحرص كاتبها على أن يتجدد عبرها، ويجدد أدواته الإبداعية أيضا، وهذا هو الهاجس الأهم، كوني لا أريد أن أكرر ما أكتبه وأحمد الله أنني نجحت في ذلك من خلال رواية "لخضر" التي كانت مختلفة تماما عما صدر لي من قبل. هذا الذي يشغلني ككاتبة، مع اعتزازي بالنقد كيفما كان، لأنه دون نقد من الصعب أن يجتهد المبدع..
· ما جدوى الكتابة بالنسبة إليك، ما جدوى الرواية؟
ياسمينة صالح: الكتابة هي كل الجدوى.. إنها الناطق الرسمي الوحيد باسم الكاتب، حيث لا يمكن لشخص أو لشيء أن ينطق عنه أكثر مما تفعله الكتابة نفسها.. أما الرواية فهي الشكل الذي أجدني أمارسه بحرية أجمل، وبرغبة أكبر.
· غيابك عن الجزائر هل أثر على متابعتك للمشهد الأدبي الجزائري، أم وسائط التكنولوجيا وفرت لك المتابعة رغم الغياب المكاني؟
· ياسمينة صالح: لا أحد يغيب عن وطنه في النهاية، لأن الوطن يظل يحتلنا حتى الموت. ربما عندما نغادر، نصبح أكثر إلتصاقا به، بطقوسه الأبسط، وبجنونه، وبتفاصيله التي كانت تبدو لنا عادية أو مملة وصارت مهمة وضرورية. من يعيش داخل الوطن يحلم بالرحيل، ومن رحل عنه يحلم بعودة مؤجلة! لا شك أنني أتابع بما يتاح لي من فرص المشهد الأدبي الجزائري، ويسعدني كلما قرأت عن إصدارات جديدة روائية أو شعرية أو ثقافية تصدر من الداخل لتتحدى كل الرتابة والقتل العمدي المُمارس ضد النخبة المثقفة الأصيلة والشريفة وما أكثرها.
· بحر الصمت" كانت منعرجا مهما في مسارك خاصة بعد تتويجها بجائزة مالك حداد وهي التي قدمتك بشكل أفضل للقاريء الجزائري والعربي، كيف هي علاقتك الآن بهذه الرواية، كيف تنظرين إليها؟
· ياسمينة صالح: بحر الصمت هي روايتي الأولى، وتجربتي الأولى، ولا شك أن فوز الرواية بجائزة مالك حداد كان مسارا مهما في حياتي كلّها، كوني مدينة لهذه الجائزة ـ بعد الله ـ بأنها فتحت لي بابا جميلا للكتابة. بحر الصمت بمثابة ابني البكر، الذي ما زلت أعتبره الأجمل، والأقرب إلى قلبي..
· في كتاباتك تتكئين على الواقع بالكثير من حيثياته وتفاصيله أكثر من الخيال، هل لأن الواقع يفوق الخيال صدمة وصدامية؟ وهنا أذكر قولك: "لا يعتبر النص الروائي تاريخا ولا محاكمة تاريخية لظرف ما، بل هو صورة، ''كليشيه'' لواقع لا أكثر ولا أقل!"
· ياسمينة صالح: بين الخيال والواقع شعرة معاوية.. من الصعب أن تكون "خياليا" بالمطلق داخل نص روائي يتناول واقع بلد ما، ولهذا تجدين الخيط الرفيع بين الحقيقة الصادمة وبين الخيال الصادم أيضا، حيث لا يمكن أن تفصلي بينهما. الثورة والعنف السياسي واليأس والفراغ، والخسائر المعنوية والبشرية، والخيبات.. كلها وقائع نتلمسها في يومياتنا، ولهذا "استثمارها" داخل النص الروائي يكون مرادفا لماهية الخيال الذي من خلاله تتحول الأشياء إلى قصة، وأبطال وأسماء ومراحل و و و و ... فلا أحد سيحاكم كاتبا يتخيل الفجائع الواقعية في رواية!
· بعد تألقك في الرواية ألا تحنين إلى فن القصة خاصة وأن بداياتك كانت في القصة وكنت غزيرة الإنتاج فيها، أم أن الرواية حسمت موقفها معك ضد القصة القصيرة؟
· ياسمينة صالح: الرواية تعطيني متسعا من الوقت ومن المساحة ومن الحرية ومن البهجة. ولهذا لم أفكر في العودة إلى القصة القصيرة.
· قلتِ:"أعتبر الكتابات الروائية التى تتعاطى بسوقية مع الجنس بأنها تعبر عن عقد نفسية يعانى منها أصحابها أكثر مما تعانى منها مجتمعاتهم"، في حين هناك من يرى بأن هذه السوقية هي التي تصنع جمالية الرواية،وبأنها ضرورية،وأكثر من ينادي بهذا رشيد بوجدرة، ما رأيك؟
· ياسمينة صالح: أنا قلت أن تسويق الإنحطاط داخل العمل على حساب العمل نفسه هو الذي يرفضه كل كاتب يحترم القارئ، وإن أحضرتِ العدد المهول من الروايات الأيروتيكية لوجدتها بذيئة خالية من أي إضافة إبداعية، بحيث أنها روايات مرحلية لا أكثر ولن تتحول إلى روايات عظيمة أو خالدة. قلت أن التاريخ لن يتذكر البذاءة، بل سوف يتذكر الإبداع، مثلما تذكر من قبل إبداعات عالمية ما تزال تنبض حرارة وإنسانية وجمالا.. قلت أن الجنس ليس خارطة اخترعها الكاتب العربي المكبوت، وأن التعاطي البذيء معه يسقط العمل الأدبي في أيروتيكية إباحية مقرفة لا أكثر ولا أقل.. قلت جعل الجنس سببا في تسويق الكتاب على حساب الجوانب الإبداعية جريمة قتل ضد الأدب، لا أكثر ولا أقل..
· الرواية تغامر في محاولة الدخول إلى المناطق المحظورة أدبيا، أو إعلاميا، ألا وهي السياسة بمعناها المطلق" هذا ما قلته، هل هذا لأن وظيفة الرواية أو الكتابة عموما هي المغامرة ودخول وطرق المناطق المحظورة؟
· ياسمينة صالح: المسألة مليئة بالفخاخ يا عزيزتي، كلما أردنا محاكاة الراهن انغمسنا أكثر في السياسة، بكل ما تعنيه من تناقضات أيضا. من الصعب تفادي هذه الحقول الملغومة عند الحديث عن الإنسان، عن حريته وحقوقه وخبزه، وحقه الأبسط في الحياة، قبالة كل هذا التداخل الذي يحدثه الإلغاء سواء كان قمعا أو اعتقالا أو نفي، أو اغتيال.. الكاتب الجزائري محكوم بهذه التفاصيل الصعبة والقاسية في ذات الوقت، في الوقت الذي تطالبه السلطة ألا يتجاوز المحظورات بمعناها السياسي لا أكثر، بحيث أن السلطة هي الحكم في النهاية، وهذا إسقاط استسهالي تمارسه السلطة على نفسها، على اعتبار أن سلطة الكاتب تكمن في كونه يكتب، وأنه لا توجد سلطة يمكنها أن تمنعه من ذلك الحق.. أنا من المؤمنات أن ثورة الإنسان يجب أن تقوم لأجل التغيير، لأجل العلم والعمل والمعرفة، لأجل البناء، لأجل أن يكون لكل تلميذ مدرسته الجميلة الخالية من الإكتظاظ، ومن جدران منخورة، تلميذ لا يصل إلى مدرسته جائعا وحافيا لأن والدته لم تجد له شيئا تدسه في حقيبته الصغيرة، في الوقت الذي يرمي فيه الغيلان بقايا حفلاتهم الماجنة في مزبلة المدينة!.
هل من كلمة أخيرة وهو من عمل جديد قيد الاشتغال أو قيد الطبع؟
ياسمينة صالح: شكرا بحجم الدهشة التي طالما نابت عني في الرد على أسئلة أجدني أمامها موجوعة وغير قادرة على الرد.. شكرا بحجم الأمل.. وقد يكون هذا عنوان روايتي القادمة..
-- عن موقع الأمة العربية