بدأت عادة إرسال الصرة إلى الحرمين الشريفين في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله (908-932م). وتشير الوثائق إلى أن الفاطميين والمماليك كانوا يرسلون صرة إلى الحجاز أيضا. وقد درج السلاطين العثمانيون على إرسال الصرة منذ بداية تأسيس الدولة العثمانية، إلا أن أول صرة تم العثور على وثيقتها في الأرشيف العثماني تعود إلى تاريخ 1389م، وهو عهد السلطان «بيازيد الأول»، وتنص الوثيقة قائلة: «لقد صدر الأمر السلطاني بإرسال صرة بمقدار 80 ألف قطعة ذهبية تنفق في مرافق الحرمين الشريفين، وتوزع على فقرائها وأشرافها وساداتها وعلمائها. وحسب ما يذكره أديب إبراهيم الدباغ كتبه عند تعريفه بكتاب طرق الإرشاد في الفكر والحياة» أن السلطان «مراد الثاني» فكان قد أمر بصرف ألف قطعة ذهبية إلى السادة الأشراف المقربين إليه في إستانبول، كما وقف موارد منطقة «باليق هصار» الواقعة قرب مدينة أنقرة على أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف، إضافة إلى إرساله صرة تحتوي على 35000 قطعة ذهبية كل عام. وفي وصيته العائدة لسنة 1446 ميلادي أمر بوقف ثلث أملاكه الموجودة في «مانيصا» لخدمة الحرمين الشريفين، وذلك يعني عشرة آلاف قطعة ذهبية كل عام. وقد أمر السلطان «محمد الفاتح» بإرسال تسعة آلاف قطعة ذهبية مع مرسوم سلطاني إلى الحجاز قام شريف مكة بقراءته على الجماهير أمام الكعبة المعظمة، وأرسل له ماء زمزم وعدداً من حمائم الكعبة رداً على معروفه. وحدد السلطان بعد ذلك كمية تزيد على 200 ألف قطعة ذهبية لخدمة الحرمين الشريفين كل سنة. ولما أصبحت الحجاز ضمن حدود الأراضي العثمانية عام 1517م على يد السلطان «سليم الأول» أمر بتخصيص 200 ألف قطعة ذهبية كل عام للحرمين الشريفين مع هدايا ثمينة ومواد غذائية متنوعة، أما أكثر السلاطين إرسالاً للصرة بين «آل عثمان» فهو السلطان «سليمان القانوني. ومن اللافت للنظر أنه قد أُنشئت مؤسسة جديدة في هذا العهد باسم «وراثة الصرة» حيث يرث الشخص حصة مورثه من الصرة. وإذا مات صاحب الحق ولم يكن له وارث وزعت حصته على الفقراء والمساكين. والجدير بالذكر أن تركيا لم تتخلَّ عن إرسال الصرة السلطانية حتى في أصعب أيامها اقتصادياً وسياسياً. أثناء الحرب العالمية الأولى في عام 1915 تم إرسال 107 حقائب تحتوي على 24 ألف ليرة و847 قرشاً إلى أهل مكة، إلى جانب 197 حقيبة تشتمل على 32 ألف ليرة و882 قرشاً مع حقيبة أخرى إلى أهل المدينة المنورة. وكانت آخر صرة في عام 1917 حيث أرسلت عبر الشام في أثناء الحرب العالمية الأولى، ولكن عندما انتهت الحرب عادت القافلة أدراجها إلى إستانبول، ومن ثم كانت نهاية قوافل المحمل الشريف أو ما عرف بمواكب الصرة. |