صحيفة الشروق الجديد المصريه الاثنين 16 ذو الحجة 1431 – 22 نوفمبر 2010
حلال الانتخابات وحرامها – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2010/11/blog-post_23.html
صباح أمس (الأحد 21/11) نشر الأهرام الخبر التالى:
فى تحديها الصارخ لقرارات اللجنة العليا للانتخابات زارت (السيدة) جميلة إسماعيل المرشحة المستقلة بدائرة قصر النيل كنيسة المرعشلى بالزمالك (كما زارت) أحد المساجد بنفس المنطقة، فى إطار جولاتها الانتخابية،
وحرر لها محضر لمخالفتها القرارات، واستغلال دور العبادة فى الدعاية الانتخابية.
فى نفس اليوم نشرت صحيفة «الشروق» أن السيد عبدالسلام المحجوب مرشح الحزب الوطنى فى دائرة الرمل بالإسكندرية زار كنيسة مارميان، وعقد فيها مؤتمرا انتخابيا، أعلن خلاله الوكيل البابوى بالإسكندرية تأييد الكنيسة له.
وحين سئل رئيس اللجنة العليا للانتخابات القاضى عبدالعزيز عمر عن الموضوع رد قائلا:
حين تقدم لنا شكوى ضد المحجوب بشأن الزيارة سنبحثها من الناحية القانونية لتقدير مدى مخالفة الواقعة لتعاليم اللجنة، وسيتم اتخاذ الإجراء القانونى اللازم.
وحين قيل له إن الأمر لا يحتاج إلى شكاوى، وأن ندوة المحجوب وزيارته الانتخابية إلى كنيسة مارمينا موثقة بالصور التى نشرتها وسائل الإعلام فإنه اكتفى بالقول إنه لا يمكن التحقيق فى الأمر إلا بعد تقديم شكوى وفى هذه الحالة سيتم اتخاذ اللازم ضده. لو ثبتت مخالفته، إذ من الطبيعى أن تحال الشكوى إلى النيابة للتحقيق فيها لتحديد حجم وطبيعة المخالفة التى تمت.
المقارنة بين صياغة الخبرين تكشف مؤشرات النزاهة والحياد فى التغطية الإعلامية. فمحرر الأهرام أدان زيارة جميلة إسماعيل للكنيسة واعتبر تصرفها «تحديا صارخا» لقرارات لجنة الانتخابات. منوها إلى أنه تم تحرير محضر لها لوقوعها فى محظور استغلال دور العبادة فى الدعاية الانتخابية. ومن ثم اعتبر نفسه خصما لها فحاكمها وأدانها فى السطر الأول من الخبر.
فى حالة السيد عبدالسلام المحجوب فإن الأمر مختلف لأنه مرشح الحزب الوطنى، ذلك أن زيارته للكنيسة لم تعتبر تحديا صارخا للتعليمات، ولم يحرر محضر بالواقعة بخلاف ما حدث مع السيدة جميلة إسماعيل، وإنما ارتأى رئيس لجنة الانتخابات أنه يجب على المتضرر أن يقدم شكوى، تحال إلى النيابة للتحقيق فيها، ثم ينظر بعد ذلك ما إذا كانت هناك مخالفة أم لا.
علما بأن زيارة المحجوب للكنيسة لها حساسية خاصة، لأن منافسه فى الدائرة ذاتها من أعضاء جماعة الإخوان.
وفى تأييد الوكيل البابوى للوزير فى مواجهة مرشح الإخوان له مغزاه الذى يصب فى مجرى الفتنة الطائفية من أكثر من باب.
لا مفاجأة فى ذلك لأن الجميع عليهم أن يفهموا من البداية أن استخدام دور العبادة فى الدعاية الانتخابية محظور حقا وصدقا، لكن القرار سقطت منه سهوا عبارة تشير إلى أن ذلك ينطبق على غير أعضاء الحزب الوطنى.
ولذلك لم يعترض أحد على قيام السيد سيد مشعل وزير الإنتاج الحربى ومرشح الحزب الوطنى فى دائرة حلوان بإمامة المصلين فى أحد المساجد، وقد نشرت له الصحف صورة كبيرة وهو يتطلع إلى الكاميرا مبتسما بعدما ختم الصلاة، ولم يحرر محضر بذلك ولا اعتبر تصرفه مخالفا للتعليمات.
تماما كما ان التعليمات تقضى بحظر استخدام الشعارات الدينية وتضرب بيد من حديد على الذين يستخدمون لافتة الإسلام هو الحل،
ولا تقصر الداخلية فى أن تحتجز العشرات فى أقسام الشرطة كل يوم لأنهم تظاهروا تأييدا لمرشح من الإخوان،
لكن حينما تنظم مظاهرة داخل كنيسة، ويعلن وكيل البابا تأييد مرشح الحزب الوطنى، فإن ذلك لا يعد بدوره مخالفة للتعليمات، لأن ما هو حرام على المستقلين وغير المرضى عنهم. حلال على مرشحى الحكومة والحزب الوطنى.
الحاصل فى الشارع حاضر بقوة على شاشات التليفزيون. ذلك أن قواعد «النزاهة» الإعلامية اقتضت أن يكون الحزب الوطنى (صاحب المحل) وحده الحاضر على تلك الشاشات، والبرامج الحوارية إذا انتقدته فسيف الإنذار والحـظر وسحب الرخص مسلط فوق رقاب الجميع. ولذلك تم تخفيض سقف الحوارات المسائية، بعد إطلاق رسائل ترهيب مقدمى البرامج وأصحاب القنوات الفضائية.
وإذا كان لابد من الحوار فليكن إما مع الحكومة ودعاية للحزب الوطنى، أو يدور خارج السياسة مع الفنانين ولاعبى كرة القدم.
أيضا لا يفاجئنا كل ذلك، فمنذ عقود ونحن نشاهد نفس الفيلم، الذى يقوم فيه أشخاص معروفون بدور البطولة، فى حين يؤدى المجتمع كله دور الكومبارس.
لذلك فإننى مازلت عند رأيى فى أن الانتخابات كلها بصورتها الراهنة لا لزوم لها فى مصر، وأن ما يهدر لأجلها من وقت ومال لو أنفق فى شىء مفيد للبلد لكان أفضل بكثير.
كما أننى مازلت عند دهشتى إزاء اشتراك الأحزاب وإدمانها دور الكومبارس فى الفيلم الذى أصبح استمرار عرضه دون أى تغيير فى وقائعه أو أبطاله أمرا مهينا، ليس فقط لفريق الكومبارس التقليدى، ولكن للجمهور أيضا الذى ملَّ القصة ولم يعد يحتمل تكرار وقائعها أو مشاهدة أبطالها