اخي جبريل نظرا لاهمية وجمال ما بحت به
احببت ان ارد عليك بهذا المقال من وحي ما سطرت
اشكرك جزيل الشكر
بقلم: أ: محمد صلاح
لعلك وقفت مدهوشاً وأنت تقرأ أسماء بعض المحلات المكتوبة باللغة الأجنبية مثل البلوكات أو seven and eleven أو بيفرلي هيلز ولعلك تعجبت عندما سمعت أماً تنادي طفلها بشيري أو أركاديا ولعلك امتلأت غيظاً وأنت تري شاباً أو فتاة وقد انغمس في سماع أغنية أجنبية أو قطعة موسيقية من موسيقي الجاز.
ولعلك أصابك القرف عندما وقعت عيناك على شاب يلبس بنطالاً ممزقاً من عند الركبة, أو شهدت فتاة قد ارتدت تي شيرت مكتوباً عليه I love you .
لعلك اندهشت أو تعجبت أو اغتظت من كل هذا, ولعلك أيضاً قلت في نفسك: إنه التقليد الأعمى أو بالأحرى فقدان الهوية.
فمن أبرز المشاكل المجتمعية التي لا تكاد تخطئها العين هي حالة عدم الانتماء وفقدان الهوية عند الغالبية العظمي من شباب الأمة الإسلامية والمؤسف أن هذه الحالة لا تختص بقطر دون قطر أو شريحة دون أخري بل نكاد نجزم أنها ظاهرة عامة ما عداها هو استثناء. ولقد قصدنا بتوصيف الحالة بكلمة فقدان؛ لأننا نري أننا لم ننتقل من هوية إلي أخري أو من انتماء إلي آخر ولكننا انتقلنا من هويتنا الإسلامية إلي لا شيء.
وقد يري البعض أن الحديث عن مسألة الهوية أو الانتماء هو من الترف الفكري ولكننا نري أن الانتماء والهوية هو أساس المجتمع وبها يقوم.
إن الشخص الذي لا هوية ولا انتماء له منقطع عن أصله ميتة جذوره؛ فكيف تطلب منه أن يكون أداة إصلاح أو أن يدافع عن قضية يبذل لها وقته وجهده وماله فضلا عن روحه.
إن أمثال هؤلاء ممن لا هوية لهم معاول هدم, وإن قيام الحضارات ونهضة المجتمعات لا تقوم إلا على أفراد يحملون هوية حضارتهم وينتمون لها, فيدفعهم انتماؤهم إلي حمل قضيتهم يدافعون عنها ويدعون لها يستعذبون في سبيلها العذاب ويستمرئون في سبيلها المر, قضيتهم أولي عندهم من أرواحهم وانتماؤهم مقدم على نفوسهم. ولقد ضرب الجيل الأول أروع المثل في الانتماء وظهور الهوية فأصبحوا مشاعل نور عرفوا بأفعالهم قبل مقالهم؛ فغيروا وتغيروا وأثروا في عالم وبنو حضارة في وقت قياسي. إن عودة الأمة الإسلامية وحضارتها مرهونة على وجود مثل هؤلاء ممن ينتمون إلي الإسلام بحق.. دينهم أحب إليهم من أنفسهم, وهويتهم تري في أفعالهم قبل مقالهم إن جيلاً لا هوية له ولا انتماء تائه بين الشرق والغرب لن يكون يوما أداة تغيير بل إنه أصبح سوساً ينخر في الجسد.
لأجل ذلك لا بد أن نبحث عن أسباب غياب الهوية فمعرفة الأسباب أول خطوة نحو عودة أمتنا الإسلامية لهويتها وليعود لهذا الجيل انتماؤه.
أسباب غياب الهوية:
ولعل أبرز هذه الأسباب هي:-
أولاً:- حالة التشتت والتمزق:
ولعل هذا أول ما يلحظه المرء حيث إن كثيراً من مسلمي اليوم لا يعرف أصلاً لماذا ينتمي, ولا عن ماذا يدافع, حيث تتجاذبه دعاوي متفرقة. فهذه دعوة للقومية وهذه دعوة قطرية لأي بلد ينتمي له, وهذه دعوة قبلية, وهذه دعوة عرقية. إن هذه الحالة من التشتت والتعدد لا تخلق إلا شيئا واحداً وهو عدم الانتماء لشيء والتخلي عن كل شيء أو أن ينتمي لشيء من هذه الأشياء ويصارع لأجله فتصبح الأمة الكبيرة أشلاءً ممزقة, يصارع بعضها بعضاً؛ فتضعف أواصر المحبة والأخوة, وتضعف القوة, وتذهب الهيبة, من هنا نري أن الإسلام هو القوة الوحيدة التي تلغي مادة العصبية وتخمد نيران الفرقة حيث إنه يربط المسلم بربه فلا يوالي إلا فيه ولا يعادي إلا فيه, أخوه من يطيع الله وإن كان عدواً مجافياً, وعدوه من يعصي الله وإن كان خلاً مصافياً هكذا صنع الإسلام بالجيل الأول إنه لم ينف مجرد خلافات لفظية أو معارك كلامية لكنه وضع دماء الجاهلية ووضع رباها وآخي بين الأوس والخزرج بعد حروب طاحنة.
فكان الإسلام هو القوة الوحيدة التي ألفت بينهم (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم) ثم ظل العلاج الدائم كلما أطلت دعاوي العصبية فيأتي التوجيه النبوي (أبدعوي الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم)(ودعوها إنها منتنة).
لعل الداعين إلي انتماءات قومية يتوارون وقد فشلت كل دعاوي الاتحاد قديماً وحديثاً ولم يبق سوي الإسلام مظلة كبري تظل هذه الشعوب المسلمة تعيد لها روح الانتماء وتدفعها إلي الإصلاح, تساوي بين غنيها وفقيرها وعظيمها وحقيرها, فلا ظلم ولا غبن ولكن مساواة تشعر الكل بقيمته.
ثانياً:- الانهزامية:
تعد حالة الانهزامية أبرز الأسباب التي أضاعت الهوية وقتلت الانتماء في نفوس الكثير من أبناء الأمة؛ ذلك أن النظرة الدونية إلي ما عندنا جعلت كثيراً من أبناء الإسلام يتخلون عما لديهم من أفكار ومفاهيم, ولعل أكثر هؤلاء قد يكونون حسني النية, حيث إنهم يرون هذا التخلي قد يجمل صورة الإسلام ويقربه إلي أعدائه, والبعض الآخر يفعل ذلك تزلفا للغرب لأنهم يعتبرون الغرب هو النموذج المحتذي والمثال المقتدي فما وافق الغرب عليه من ديننا فهو الصحيح, وما خالف الغرب عندهم يحتاج إلي نظر إما بتأويل أو بنسخ أو طعن في صحة. ونحن نقف هنا لنصحح تلك الفكرة فديننا وقرآننا هو النموذج وما عداه فهو قابل للنظر فإن وافق ديننا فهو حق وإن خالف ديننا فهو رد. وهنا لا يفوتنا الحديث عن طرفي نقيض أفرزهما هذا الواقع وكل منهما يدعي أنه على الجادة: أحدهما يري التغيير في كل شيء ولا يري بأسا في التخلي عن بعض الحق وهو في ذلك يري أنه يخدم الدين والجانب الأخر يتخاصم مع الواقع بل يتصارع معه, كل جديد عنده بدعة, وكل تغيير عنده تخريف وتبديل, وكل تجميل عنده مداهنة وركون. والحق وسط بين ذلك, ثبات بلا جمود ومرونة بلا ميوعة, ثبات في الأصول ومرونة في الفروع. ثبات في الغايات مرونة في الوسائل, هذا هو الفهم الذي يجعل المسلم يتصالح مع الواقع ويخلق لديه روح الانتماء.
ثالثاً:- الجهل:
لعل أبرز ما صنعه هذا الجهل هو الانبهار بالحضارة الحديثة والربط السخيف بين بعدها عن الدين وتدنيها الأخلاقي من ناحية وتقدمها العلمي والتكنولوجي من ناحية أخري, فيتخلي الكثير عن انتمائه للإسلام, بل إنه يقلد الغرب في أسوأ ما لديه من بعد عن الدين وتهاوي أخلاقي, ويخلط هؤلاء بين مفهومي العلم والثقافة فيري أن الثقافة الغربية هي العلم, وأن ثقافتنا وحضارتنا هي الجهل, ويجهل هؤلاء أن ديننا قد دعا إلي العلم ومدح أهله, بل إن أمتنا حققت الإنجازات العلمية والاقتصادية والاجتماعية في وقت كانت أقرب ما يكون إلي ربها, ويكفي أن يعرف المسلم أن المنهج التجريبي الذي قامت عليه الحضارة الغربية مأخوذ عن علماء مسلمين. هذه مجموعة أسباب ليست الوحيدة ولكنها الأبرز التي أنتجت جيلاً لا انتماء له ولا هوية, لعل تبصيرنا بقيمة منهجنا وتوحيد دعوتنا وبث روح التفاؤل والأمل والإطلال على ماضينا المشرق يكون شعاعاً في نفق مظلم لعودة أمتنا لسابق عزها وتعيد مجدها "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" .
منقووووووووول من موقع الجماعة الاسلامية