فضائح حرب غزة في ويكيليكس
سطوع الوثائق وعتمة الطنين
عدلي صادق
ما أن أعلنت منظمة ويكيليكس الدولية غير الربحية (تسريبات الويكي) عن عزمها نشر وثائق تتعلق بمناطق النزاعات، ومن بينها منطقتنا، حتى تهللت أسارير الماكثين في فسطاط الطنين. فقد استبشر الدجالون من مشبوهي النوايا، خيراً، لأن الأدلة الدامغة، من واقع المراسلات الورادة الى وزارة الخارجية الأميركية، سوف تسمي الأشياء بأسمائها، ولن تدع زيادة لمستزيد، وستحسم أمر الحقيقة، مرة والى الأبد، لكي يصبح واضحاً بأن عزيزتنا العمة «أم جرير» حارسة الرأي والرأي الآخر، لم تتجن على أحد، وهي تبث من قطر إشارات تخوين الحركة الوطنية الفلسطينية، التي جعلتها مقودة للجنرال الأميركي كيث دايتون، ومتآمرة، وأنها كانت في لحظات العدوان الإجرامي على غزة، تحث العدو على إغراق جزء من وطننا بالنيران، وتحث على قتل المقاومين من أبنائنا دون رأفة، وتضغط، لكي يستمر الهجوم على بلدنا، تماماً مثلما كانت الشقيقة المجاهدة قطر تحث الأميركيين على إحراق العراق!من جهتي، وبسبب تفاؤل الفسطاط بأن الوثائق الدامغة آتية لا محالة؛ تخوفت من أن يفضحنا واحد أو اثنان أو ثلاثة، من جماعتنا، يكونون قالوا للأميركيين كلاماً خيانياً. وفي الحقيقة، أضمرت وما زلت أضمر المطالبة بمحاكمة علنية، لكل من يتضح أنه خرج عن قيم العمل الوطني والتزاماته وأخلاقياته، فكتب أو قال للأميركيين شيئاً مخالفاً لقواعد السياسة الفلسطينية، وإن لم يُحاكم سأتقدم باستقالة مسببّة، لأن التخوين سيكون، عندئذٍ، بجريرة خائنين!
* * *
في الوثيقة ذات الرقم المرجعي والترميز 09 TELAVIV1177 وهي المرسلة الى الخارجية الأميركية، من سفارة الولايات المتحدة في تل أبيب، جاء أن الجنرال إيهود بارك عندما اجتمع مع وفد أميركي برئاسة غاري أكيرمان، وقد تحدث وزير الجيش الإسرائيلي للوفد الأميركي قائلاً إنه حاول استشارة فتح ومصر، قبل بدء العدوان الذي سمّوه عملية «الرصاص المصبوب» لكي يعرفوا ما إذا كانت فتح، مستعدة لاستئناف سيطرتها على غزة، فور إلحاق الهزيمة بحماس فيها، وكان رد الطرفين، مصر وحركة فتح، سلبياً. وبالطبع لم يكن باراك معنياً بشرح خلفيات الموقف الوطني الفلسطيني، الذي أسهم فعلياً في وقف الحرب وإبقاء حماس في مخابئها. فالخلفيات معروفة، وهي تتعلق كلها باستفظاع سفك الدم الفلسطيني والاعتداء على أهلنا. فلا كرامة لسيطرة تؤول للسلطة الفلسطينية فوق أشلاء الضحايا وركام التدمير الاحتلالي. إن سيطرة كهذه، بعد كارثة يُعاد تسميتها بـ «الفرقان» الذي يتجاوز الانتصار العادي، تليق بالانقلابيين مثيري الفتن، الذين تغمرهم السعادة، كلما أحيل عدد أكبر من الوطنيين الفلسطينيين الى مربع الخونة. إن منتهى سعادة هؤلاء، ستنعقد لو أن وثائق «تسريب ويكي» كشفت أن نصف مليوني فلسطيني خائنون. فهؤلاء، الذين أدمنوا التكفير والتخوين، هم المارقون الكافرون عملياً. فكلما نجحوا في تخوين مجاميع من الناس، فإنهم يجعلون من إسرائيل شبيهة برب العالمين والعياذ بالله لأن الخالق، هو وحده سبحانه الذي يقضي بإشقاء البشر، ثم يتعين على الذين أشقاهم أن يعبدوه حباً وطمعاً!
*****
في الوثيقة ذاتها، وفي غيرها، هناك تكرار للإشارة الى مهمة الجنرال كيث دايتون، الذي يزعم التخوينيون وتتبنى «أم جرير» مزاعمهم، أنه يقود قوات الأمن الفلسطينية في هجومها على «المجاهدين». فالجنرال الأميركي مكلف بالإشراف على برامج تدريبية مهنية، ولا علاقة له بالسياسات ولا بالعمليات الأمنية. وهناك في الوثائق، تقليل واضح من تأثير البرامج التدريبية التي يشرف عليها دايتون، على معنويات السلطة الوطنية الفلسطينية حسب الوثيقة المذكورة. فالأمر واضح في كلام باراك للوفد الأميركي: السلطة الفلسطينية تفتقر الى الثقة بالنفس، والى استكمال عملية تعزيز القانون وتشديد الأمن، والى تقوية الدور الوظيفي للجهاز القضائي. بل إن بارك يتذرع بفقدان الفلسطينيين لوحدة أراضي السلطة، لكي يتهرب من استحقاقات العملية السلمية ومن وقف كلي للاستيطان!ختاماً، كنت بعد أن أكدت حماس بنفسها، على أنها في حاجة الى مصالحة مع 280 ألف أسرة فلسطينية، سأقترح وقف الاتصالات مع حماس، وإعطائها مهلة لكي توقع على الورقة المصرية، لأن هذه الحركة المستبدة الفاسدة في غزة، باتت تفتقر الى أمرين حاسمين يؤهلانها لأن تكون طرفاً في حوار وطني: ثقة وتأييد الناس الذين جربوا حكمها، والعلاقة الطبيعية بأي شكل من أشكال المقاومة. فهي تقمع المقاومين وتعذبهم، حسب تقارير صحفية شرقية وغربية وفلسطينية!الآن، وفي ضوء الوثائق، ينبغي إبلاغ حماس، أن أية إشارة من ناطق حمساوي مسؤول، عبر وسائل الإعلام، الى انقياد مزعوم، للجنرال كيث دايتون، ستكون سبباً إضافياً للإعلان عن حماس كطرف غير ذي صلة بموضوع المصير الوطني الفلسطيني. فلا يصح أن يمر مرور الكرام، الاستمرار في الرغي التخويني الذي هو عدة النصب، ولا يتوجب السكوت على الاستمرار في الفساد والاستبداد. ويتوجب إن توقف الرغي، الاعتذار عن التخوين أثناء العدوان على غزة. ثم ما أدرانا، فربما تأتي وثائق الويكيليكس بمراسلات غير متوقعة، لن تنجح «أم جرير» في التعتيم عليها
quods2020s@gmail.com
منبر القدس