لبنان: المعارضة أنهت الدوحة 1: لا لسعد ولا لتأخير الاستشارات
«فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان المحترم، دولة رئيس مجلس الوزراء السيد سعد الدين الحريري المحترم، بعد عرقلة عمل الحكومة بإيعاز متعمّد من رئيسها ووزرائه، وبعد مساع عديدة لم تلق آذاناً مصغية لصون الوحدة الوطنية وحماية الاستقرار، ولتحريك عجلة البلاد وتحقيق مطالب المواطنين وتأمين حاجاتهم، نتقدم من حضرتكم باستقالتنا من الحكومة»... هذا هو النص الذي وُقّعت عشر نسخ منه بأسماء وزراء المعارضة العشرة الذين أسقطوا أمس، مع الوزير عدنان السيد حسين، حكومة الوحدة الوطنية، متجرّعين ومعهم كل اللبنانيين الكأس المرة التي تُدخل البلاد في متاهة جديدة لا سين ــ سين تخفف من وطأتها وتداعياتها ولا دوحة 2 تنقذها
اجتمع نواب الأكثريّة السابقة بعد إستقالة وزراء المعارضة (مروان بو حيدر)
ابتداءً من الخامسة من بعد ظهر أمس، دخلت البلاد مرحلة جديدة، بدا أن الجميع سار في اتجاهها عن قصد أو عن غير قصد، ومن دون أي محاولة لتلافيها: فوزراء «المعارضة اللبنانية» التي استعادت اسمها السابق، استقالوا عشرة أولاً ثم تبعهم الوزير الوديعة عدنان السيد حسين، مسقطين بذلك حكومة الوحدة الوطنية. رئيس الجمهورية ميشال سليمان لم يعلن، طيلة الليلة ما قبل الماضية ونهار أمس، ما يوحي بمحاولة لتدارك الأمر قبل انتهاء المهلة التي حددتها المعارضة. رئيس الحكومة المغترب، سعد الحريري، أظهر لامبالاة تجاه التطورات الداخلية، وأصرّ على الانتقال من نيويورك إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، مع أنه كان في إمكانه قطع زيارته للولايات المتحدة والعودة إلى بيروت لمواكبة التطورات، وخصوصاً أنه سبق له أن التقى وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قبل أيام.
منذ صباح أمس، ظهر أن التعاطي مع تهديد المعارضة: إما جلسة لمجلس الوزراء وإما الاستقالة، كأنه مجرد تهديد لا أكثر. فرئيس الحكومة تصرّف كأنه الوحيد الذي يملك مفتاح مجلس الوزراء. ورئيس الجمهورية لم يستخدم حقّه الدستوري الذي أكدّه الوزير بطرس حرب بعد زيارته بعبدا أمس، في «عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء بعد التوافق مع رئيس الحكومة»، مفضّلاً بحسب حرب عدم التفرّد في هذا القرار وانتظار عودة الحريري. وبدلاً من ذلك، تابع ـــــ كما ذكر مكتبه الإعلامي ـــــ «أجواء الاتصالات والمشاورات الجارية منذ مساء (أول من) أمس بهدف معالجة الأزمة القائمة، وتلقى اتصالاً من أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني جرى في خلاله التشاور في الوضع المستجد».
ومع مضي ساعات النهار، شعرت قيادات المعارضة، حسبما أكد أكثر من مصدر فيها، أن سليمان يريد أن يلعب لعبة عدم فعل أي شيء قبل عودة الحريري إلى بيروت، فتداعى إلى الرابية الوزراء: جبران باسيل، فادي عبود، محمد جواد خليفة، علي الشامي، محمد فنيش، يوسف سعاده، إبراهيم دده يان، شربل نحاس، حسين الحاج حسن وعلي عبد الله، الذي انضم إلى المجتمعين فور عودته من السفر، النائب سليمان فرنجية، المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، الأمين العام لحزب الطاشناق هوفيك مختاريان، ثم انضم إليهم الوزير السابق ميشال سماحة والنائب السابق حسن يعقوب.
وخلال الاجتماع، الذي كان معروفاً أنه ستعلن في نتيجته الاستقالة الجماعية من الحكومة، بل إن بيان الاستقالة كان جاهزاً، برز رأيان: الأول يرى أن هذه فرصة لإعلان موقف سياسي واضح يكون بمثابة برنامج للحكومة المقبلة عنوانه: بناء الدولة القوية والقادرة، وحفظ السيادة والمقاومة في مواجهة المراهنات على الخارج. والثاني يرى ضرورة حصر الموضوع في أن إفشال المسعى السوري ـــــ السعودي هو الذي دفع إلى الاستقالة، وبالتالي يجب عدم الذهاب إلى رفع السقف، وترك الباب مفتوحاً لتأليف حكومة جديدة.
وخلص المجتمعون إلى تبنّي البيان الجاهز، الذي تلاه الوزير جبران باسيل، وفيه يشكر وزراء المعارضة العشرة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد، على «الجهود التي بذلاها لمساعدة لبنان على تخطّي الأزمة الناتجة من عمل المحكمة الدولية، ويأسفون لتفويت الفرص التي أتيحت لإنجاح هذه الجهود وتجنيب لبنان أيّ مسّ باستقراره وحمايته من الفتنة التي تُعدّ له». وعزوا توقف هذه الجهود إلى «رضوخ الفريق الآخر للضغوط الخارجية، ولا سيما الأميركية منها، متجاهلاً نصائح الطرفين السعودي والسوري وتمنياتهما».
وبعد الإشارة إلى محاولة المعارضة الأخيرة «لاستدراك الأمر من خلال طلب انعقاد جلسة لمجلس الوزراء بغية معالجة الأوضاع داخلياً، وإصرار الفريق الآخر على الاستمرار بالنهج نفسه الذي مارسه برفض الاحتكام إلى مجلس الوزراء لحل الأزمة»، أعلنوا استقالتهم من الحكومة «إفساحاً في المجال أمام قيام حكومة جديدة وفق ما ينص عليه الدستور، تكون قادرة على تحمّل مسؤولية المرحلة وتستطيع القيام بالواجبات المطلوبة منها لحفظ الاستقرار ودرء المخاطر وحماية مصالح الناس وتسهيل أمورهم وتأمين العدالة الحقيقية». وأملوا من رئيس الجمهورية «الإسراع في اتخاذ الإجراءات المطلوبة لقيام حكومة جديدة».
ورداً على سؤال، قال باسيل: «نحن خيارنا العودة والاحتكام إلى المؤسسات، وطلبنا انعقاد مجلس الوزراء كي نعود دائماً إلى شعارنا حرية وسيادة واستقلال، وهنا يظهر من هو متمسّك بسيادة بلده ومن يفعل عكس ذلك. ونحن نريد المحافظة على استقلال الوطن وقراره». وأكد أن المعارضة، بخطوتها هذه، تلجأ إلى عمل دستوري ديموقراطي، ولا تريد أن تلجأ إلا إلى المؤسسات. «المشكلة أن القرار خرج من المؤسسات. فقد منعنا كوزراء من ممارسة الحق الدستوري في التصويت، أما الحكومة فأصبحت عاجزة بفعل قرار فريق منها. نحن نفتح المجال لحكومة ثانية لتستطيع القيام بعملها الدستوري».
وبما أن استقالة العشرة لا تؤدي إلى سقوط الحكومة، اتجهت الأنظار إلى الوزير عدنان السيد حسين. وعلم أن رئيس الجمهورية سعى لدى قيادات المعارضة إلى تأجيل استقالته أقلّه لمدة يوم، فجاء الجواب بعد حوالى 10 أو 15 دقيقة من إعلان بيان الرابية، بإصدار السيد حسين بيان استقالته «انسجاماً مع سياسة التوافق»، و«تمكيناً للمؤسسات الدستورية من تأليف حكومة جديدة تلبّي طموحات اللبنانيين في الوحدة الوطنية والاستقرار الشامل».
وعلم أن المعارضة أبلغت رئيس الجمهورية أمرين:
ـــــ لا عودة للحريري إلى رئاسة الحكومة بأي شكل من الأشكال، لكونه غير أهل لتحمّل المسؤولية، حسبما أثبتت التجربة.
ـــــ الآن الآن يجب صدور مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة والدعوة إلى الاستشارات الملزمة، سواء عاد الحريري إلى بيروت أو لم يعد، لكون رئيس الجمهورية معنياً بالاستقرار وبإعادة تفعيل المؤسسات، وليس من حقه أن يكون في أي موقع آخر. وعن خطوات ما بعد الاستقالة، تكشف مصادر المعارضة أنه يجري الآن على نطاق ضيّق تحديد الخيارات في شأن شكل الحكومة المقبلة ونوعيّتها واسم رئيسها، مع استبعاد فكرة أن تكون حكومة أقطاب، لوجود احتمال ألا تكون هناك نية لدى الفريق الآخر للمشاركة في حكومة وحدة وطنية يرأسها رئيس غير سعد الحريري. واتُّفق سلفاً على أن أي حكومة مقبلة يجب أن يكون على رأس جدول أعمالها تنفيذ البنود الأساسية لتفاهم السين ـــــ سين.
وتلفت المصادر إلى الدور المحتمل للنائب وليد جنبلاط في المرحلة المقبلة، مشيرة إلى أن زعيم المختارة أبلغ القيادة السورية أنه ملتزم بكل ما ستطلبه منه. إلا أن أطرافاً في المعارضة لا تزال تشعر بالريبة تجاه «مناورات» جنبلاط ورغبته في إيجاد مخارج تعفيه من اتخاذ موقف.
ولفتت، قبل الاستقالة، مقاطعة نواب كتلة المستقبل ومعظم قوى 14 آذار للقاء الأربعاء النيابي مع الرئيس نبيه بري، الذي حضره 11 نائباً من المعارضة، إضافة إلى النائبين إيلي عون وعماد الحوت، والنائب أنطوان زهرا الذي كان أول الواصلين وأول المغادرين. وقد أكد بري أمام النواب أن التسوية السورية ـــــ السعودية كانت لمصلحة جميع اللبنانيين، وأن ركناً أساسياً منها كان استكمال تطبيق الطائف. وقال إنه متأكد من إرادة الملك السعودي والرئيس السوري «الصادقة للوصول إلى تسوية للأزمة القائمة، لكن يبدو أن لعبة الدول الكبرى كانت أكبر».
دخل رئيساً وخرج مستقيلاً
وفيما كان وزراء المعارضة يعلنون استقالتهم، كان الحريري يدخل إلى البيت الأبيض رئيساً لحكومة قائمة، حيث التقى الرئيس الأميركي في حضور عدد من مستشاري الاثنين. وذكر بيان للبيت الأبيض أن أوباما شدّد على أهمية عمل المحكمة الدولية «كوسيلة لوضع حدّ لحقبة الاغتيالات السياسية والفلتان من العقاب»، وأنه والحريري تطرّقا خلال مناقشاتهما إلى «الجهود الموحدة» التي تبذلها فرنسا والسعودية وغيرهما من الأطراف الإقليمية والدولية الأساسية «للحفاظ على الهدوء في لبنان وضمان استمرار عمل المحكمة من دون أن تعرقلها أطراف أخرى». ورأى الرئيس الأميركي أن ما سمّاه جهود التحالف الذي يقوده حزب الله لإسقاط الحكومة «يظهر خوفهم وعزمهم على عرقلة الحكومة عن تنفيذ أعمالها والتقدم لتحقيق طموحات كل الشعب اللبناني».
وأضاف البيان أن أوباما والحريري أكدا العمل من أجل تعزيز سيادة لبنان واستقلاله وتنفيذ كل قرارات مجلس الأمن والشراكة البعيدة المدى بين لبنان والولايات المتحدة، واتفقا على العمل من أجل «تحقيق العدالة والاستقرار في لبنان خلال هذه الفترة الدقيقة من التقلّب الحكومي»، ودعَوا «جميع الأطراف إلى تفادي القيام بأي تهديدات أو أعمال قد تؤدي إلى عدم الاستقرار». وأثنى أوباما على «القيادة الصلبة» التي يظهرها الحريري، وعلى الجهود التي يبذلها من أجل تحقيق السلام والاستقرار والتوافق في لبنان، في ظل ظروف صعبة.
وكرئيس لحكومة مستقيلة، غادر الحريري البيت الأبيض بعد اللقاء من دون الإدلاء بأي تصريح، وتوجه إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي التقاه في نيويورك منذ يومين، الأمر الذي رأت مصادر المعارضة أنه دليل ارتباك ومحاولة لكسب الوقت لتكوين صورة عمّا يجب فعله. ولم تستبعد أن يزور أيضاً الرياض أو غيرها، إذا تطلب الأمر بقاءه في الخارج.
وأفادت معلومات لـ«الأخبار»، في واشنطن، بأن اجتماع أوباما والحريري رُتّب على عجل، عقب مكالمة هاتفية أجراها الرئيس الأميركي في وقت متأخر من يوم الثلاثاء مع الملك السعودي. وأفاد بيان للبيت الأبيض بأن أوباما قال للملك السعودي إنه في ضوء التزامهما المشترك بتحقيق الرفاه للبنان ودعم الحريري، فإنه يتطلع إلى مواصلة العمل مع السعودية وغيرها من الشركاء لدعم سيادة لبنان واستقلاله واستقراره.
وأعلنت الرئاسة الفرنسية، في بيان أمس، أن ساركوزي تشاور مع نظيره السوري في «التطورات التي حصلت داخل الحكومة اللبنانية»، و«جدد دعمه للسلطات والمؤسسات اللبنانية»، و«أمل أن يؤدي التشاور الدولي إلى مساعدة اللبنانيين على تجاوز هذه المرحلة الحساسة في إطار الاحترام الكامل للمؤسسات الديموقراطية اللبنانية واستقلال لبنان والتزاماته الدولية».
ومن الدوحة، اتهمت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، حزب الله وحلفاءه و«مصالح من الخارج» بالسعي إلى «نسف العدالة» و«تقويض الاستقرار». وقالت إن «محاولة إسقاط الحكومة لتقويض عمل المحكمة الدولية تخلّ عن المسؤوليات، لكنها أيضاً لن تجدي»، مضيفة أن هذه المحكمة «أوجدتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتدعمها حكومات عدة، بينها حكومتي، وعملها سيستمر».
من جهته، أكد رئيس الوزراء القطري أنه لن يكون هناك اتفاق دوحة 2 لحل الأزمة في لبنان، «ولا نفكر في دوحة 2»، مضيفاً «نفكر في الطائف وفي الدوحة 1، وفي كيفية تفعيلهما وجعلهما يعملان بنحو منظّم». وأبدى ثقته بأن الملك السعودي سيواصل مسعاه لإيجاد حل «يجنّب لبنان أي منزلق جديد»، و«نحن كلنا سنقدّم المساعدة».
واكتفى الأمين العام للأمم المتحدة بإصدار بيان مقتضب عن لبنان، مؤكداً متابعة الوضع عن كثب. ووصف الأحداث الأخيرة بأنها «سريعة التطور»، وشدد على أهمية الحفاظ على الهدوء، داعياً إلى مواصلة الحوار بين الأطراف كلها و«احترام دستور لبنان وقوانينه». وختم بإعلان دعمه التام «للعمل المستقل» للمحكمة.
ومن أنقرة، حذر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل من أن استقالة وزراء المعارضة ستؤدي إلى انقسام، وتمثّل تهديداً للشرق الأوسط.
وكعادتها في الدخول على خط أيّ تطوّر، ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن تل أبيب نقلت رسالة إلى لبنان، بواسطة الولايات المتحدة، تؤكد فيها عدم رغبتها في التدخل في ما يجري داخل البلد، لكنها أكدت من جهة أخرى أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا حاول حزب الله نقل نشاطاته السياسية إلى الصعيد العسكري والعمل ضد إسرائيل.
الأكثريون: متمهّلون حتى يوم القيامة
الأكثرية،رغم الارتباك الذي يصيبها نتيجة تسارع الأحداث، مرتاحة، وأعادت جمع أشلائها، وتجد أنّ ما حصل يصبّ كاملاً في مصلحتها. ويقول أركانها: لم ندفع الغرب لإعادة احتضاننا، حزب الله ارتكب أخطاءه فعدنا إلى حضن الشرعية الدولية
لم يكن فريق الأكثرية يدرك أنّ الخصم سيذهب حتى «الآخر» في موضوع الاستقالة والتخلّي عن الحكم. رأى الأكثريون، قبل ساعات من اجتماع المعارضة، أنّ كل العملية هي فقط «أخذ وردّ»، كما قال رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية. لكن قبل الساعة الرابعة من بعد ظهر أمس، كانت الماكينات السياسية والإعلامية في 14 آذار تتحرّك نحو أجواء الأقلية، إلى أن تقاطعت كل المعلومات بأنّ 8 آذار ستنسحب من الحكومة. كانت تفاصيل اجتماع وزراء المعارضة تصل تباعاً إلى مكاتب الأكثريين، وخصوصاً بين فترة قرار المجتمعين في الرابية الاستقالة، وفترة انتظار وصول الوزير علي عبد الله إلى مطار رفيق الحريري. عندها تداعت شخصيات الأكثرية وانضمّت إلى كتلة المستقبل التي كانت تعقد اجتماعاً استثنائياً في مكتب النائب فؤاد السنيورة.
لم يكن في حسبان الأكثريين أنّ هذه الخطوة ستسجّل اليوم، باعتبار أنّ المعلومات التي وصلت من قصر بعبدا كانت تفيد بأنّ الرئيس ميشال سليمان يصبّ جهده لناحية استمهال المعارضين إلى حين عودة الرئيس سعد الحريري.
أمام سرعة الأحداث واللقاءات، لم يستطع المجتمعون في«السادات تاور» إلا المحافظة على مواقفهم السابقة والراسخة في عقولهم وعقول جمهورهم: الثوابت، أي اتفاق الطائف ومقررات الحوار وبيانات الحكومة والشرعية الدولية. فلم يناقشوا خطة العمل المفترض التقيّد بها في المرحلة المقبلة، واكتفوا بالإشارة إلى أن الأزمة الحكومية تعالج بالأطر الدستورية، وأنّ أبواب الحوار مفتوحة شرط ألا يتطرّق إلى ملفات المحكمة والقرار الاتهامي، بل إلى كيفية معالجة القرار وتداعياته. وبلغة الوزير بطرس حرب الذي تلا بيان اجتماع 14 آذار: لا مساومة على مبدأ العدالة والمطالبة بمعرفة مصير من ارتكب الجرائم السياسية، ولا مساومة على المحكمة، إلا أننا في الوقت عينه نعلن أننا منفتحون على حوارات يمكن أن توجد حلاً لهذه القضية من دون أن تكون على حساب المبادئ العامة.
بين الأكثريين من يؤكد أنّ «فريقنا ليس مضطراً إلى الاستعجال. فريق سوريا وإيران هو من في أزمة». هذا الاستمهال الذي تحاول قوى 14 آذار أن توجده يمكن ترجمته في الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس سعد الحريري لفرنسا، بعد ختامه جولة نيويورك. لم يكن أحد في تيار المستقبل أو حلفائه يعلم أنّ باريس ستكون المحطة التالية على جدول زيارات الحريري، وخصوصاً أنّ الرئيس ميشال سليمان عاود أمس اتصالاته المكثّفة بالحريري لعلّه ينجح في خطوة تقريب موعد عودته.
ضمن منطق الاستمهال أيضاً، لم تتأخر إحدى شخصيات الأكثرية أمس في طرح إمكان أن يقوم الحريري باستراحة في سردينيا، حيث يمضي عادة الرئيس إجازته. جاء هذا الطرح من باب «المسخرة» أو من باب الجد، فهو يشير إلى أمر وحيد: الأكثرية، رغم الارتباك الذي يصيبها نتيجة تسارع الأحداث، مرتاحة، وقد أعادت جمع أشلائها. وهذا الفريق يجد أنّ ما حصل يصبّ كاملاً في مصلحته السياسية والشعبية والدولية، وخصوصاً أنّ اجتماع 14 آذار في«السادات تاور» لم يطلب عودة المستقيلين، ولم يشر حتى إلى كون منطق الاستقالة مرفوضاً وتجاوزاً لاتفاق الدوحة، وتعدّياً على ما اتُّفق عليه قبل تأليف الحكومة، وما جاء في البيان الوزاري. بدا ذلك جلياً في ما قاله سمير جعجع: «لن نأسف لاستقالتهم من الحكومة، لأننا رأينا في آخر 4 أو 5 أشهر كيف أصبح الوضع في الحكومة، وفي أسرع الأحوال كانت الأمور تسير بسرعة البطة. استقالة وزراء الفريق الآخر حقهم، لكن عليهم أن يبقوا متمسكين بأصول اللعبة السياسية في لبنان، وهذا لا مشكلة لدينا فيه».
في هذا الإطار أيضاً، تلقّى الأكثريون مساء أمس جرعات منشّطة جديدة من غير عاصمة غربيّة، إذ جرى التداول في المجالس الأكثرية بأنّ الخارجية الفرنسية بعثت برسائل واضحة إلى دمشق، تفيد بأنّ أي «أمر يطرأ على الوضع الميداني في لبنان سينعكس سلباً على سوريا». لذا، فإنّ الاستقرار بأمان، ووفق منطق الأكثريين، جرت عملية استعادة الدعم الدولي وتمسّك «الشرعية الدولية» بفريق 14 آذار. ويعلّقون: «لم نقدم على دفع الغرب إلى إعادة احتضاننا، حزب الله ارتكب أخطاءه فعدنا إلى حضن الشرعية الدولية». وهم ينتظرون في الساعات المقبلة «استنفاراً دولياً وعربياً داعماً للحريري وفريقه»، في خطوة تعيد الأكثرية سنوات إلى الوراء، ويرون أنها تحرج سوريا ومن وراءها في الداخل.
التمهّل الأكثري في معالجة الأزمة يدفع الأكثريين إلى وضع معادلة واضحة: لا يمكن تأليف حكومة لا يرأسها سعد الحريري. قبلنا مبدأ الحوار (ولو منقوصاً لجهة ما يمكن مناقشته)، والكرة اليوم في ملعب رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان. وعن المقرر فعله لمواجهة استقالة المعارضين، لا يتردد الأكثريون في تأكيد ضرورة انتظار عودة الرئيس سعد الحريري. بمعنى آخر: متمهّلون حتى صدور القرار الاتهامي.
الأخبار اللبنانية
العدد ١٣١٣ الخميس ١٣ كانون الثاني ٢٠١١