ثورة العرب تبهر العالم

مقال الاثنين

ثورة العرب تبهر العالم

العالم منبهر, ليس فقط لأنه كان قد صنف العرب في عداد الموتى بل لأنه بكل ما لديه من وسائل جبارة لم يستطع أن يتكهن بثورة عربية وشيكة, وأكثر من ذلك غير مسبوقة لا في التاريخ ولا في الجغرافيا, حتى نحن الكهول والشيوخ العرب اندهشنا ورحنا نبارك وندعم بكل ما أوتينا من قوة مدفوعين بخليط من المشاعر منها تلك التي كانت لدينا عن طبيعة شبابنا اللاهي الذاهل المستغرق في الملذات أو المشاكل اللامبالي الباحث عن المسرات أو المصدوم بمحيطه المليء بالمثبطات والمصاعب والمآسي, وبالتالي المستسلم السلبي المحبط الذي لا ينتظر منه أي حراك فما بالك بالثورة وما أدراك ما الثورة, وأي ثورة؟ إنها الثورة الشاملة من المحيط إلى الخليج وهي نوع مبتكر من الثورات لم يشهد لها العالم ولا البشر مثيلا, إنهم هكذا يقولون الغربيون أنفسهم مفكروهم وساستهم الذين كانوا لا يحسبون لنا حسابا ولا يعدوننا من بين الموجودين أصلا, إنهم هذه الأيام بفضل ثورة شعبنا العربي بقيادتها الشبابية مندهشين مذعورين مرعوبين على مصالحهم وحاميتها المدللة في فلسطين المحتلة, الكيان الصهيوني الذي نسي كل هواجسه السابقة لا حماس ولا حزب الله ولا إيران, بل إنه قد أصبح يهلوس بالثورة العربية دون غيرها, الثورة التي وضعت الكيان العنصري المجرم في عين الإعصار, وجعلت نهايته الحتمية مرتسمة أمام عينيه كما لم يقع أبدا من قبل, رغم رعبه الذي كان من المقاومة وإيران, تصوروا أن عبقرية شباب العرب نقلت الثورة إلى ما كنا نظنه المعقل الوحيد للديمقراطية في العالم العربي, إلى لبنان, حيث تداعى شبابه عبر الفيس بوك, نعم التكنولوجيا الرقمية كما لم يستطع أهلها أنفسهم استثمارها, تداعى هذه الليلة وخرج إلى الشوارع والساحات يعلن ثورته على الحكم الطائفي, يا للروعة ويا للإبداع التاريخي والاستراتيجي, نعم يا شباب لبنان الراقي, الحكم الطائفي ذلك هو سبب أدواء لبنان الرائع, لو استطعتم وأنتم أهل لذلك بإذن الله, أن تقتلعوا تلك الجرثومة الخبيثة من لبنان لحلق فورا في السماوات العلا بما له من استعداد حضاري متميز وشباب راق هو أنتم ليخوض مباشرة في المراكز الأولى لحضارة العصر, ويكون بكل جدارة في طليعة النهضة العربية الزاحفة من كل بلاد العرب مع الثورة الكاسحة لكل الأدواء والمثبطات والحواجز المصطنعة المحلية والخارجية لتعطيل انطلاق المارد العربي القادر على قيادة العالم أو على الأقل أن تكون له مكانته البارزة في تلك القيادة, الأمر الذي يعني الكثير والكثير جدا بالنسبة لنادي قيادة العالم الصهيوأمريكية غربية الراهنة, إنهم في حالة رعب حقيقية كون ناديهم القيادي أصبح محل نزاع جدي وليس لهم أن يفعلوا شيئا غير الرضوخ للأمر الواقع, لقد حاولوا المماطلة دائما متظاهرين كذبا ونفاقا بوقوفهم مع الثورات الشعبية بينما هم كانوا يلحون على الطغاة الذين سقطوا والذين ينتظرون دورهم في السقوط أن يصمدوا وإنهم على استعداد لإنقاذهم إن كان الأمر ممكنا, وفي النهاية يحاولون الالتفاف على الثورة كما يفعلون الآن في مصر خاصة للأسباب المعروفة وللوضع المصري الخاص, وقد فعلوا نفس الشيء في تونس لكنهم فشلوا الفشل الذريع بسقوط آخر قلاعهم اليوم, محمد الغنوشي رئيس حكومة الطاغية النائم في مزبلة التريخ, وهكذا تكون تونس الخضراء رائدة دائما وإنها على وشك التخلص من محاولات الاحتواء معلنة بدء المسيرة الخالدة نحو قمة المجد متبوعة بليبيا لا مراء في ذلك لأن الثورة الليبية الدامية هي أيضا على وشك الانتهاء من التخلص من الاثنين نيرون الطاغية ونظامه المتعفن المجرم سيسقطان معا سقوطا مهينا ونهائيا, وتبقى المعركة الكبرى في مصر وما أدراك ما مصر, هناك الحسم, وليس من الغريب أن نرى الثورات تندلع بالجملة بعد سقوط طاغية مصر الفرعون رأس البلاء وبيدق العمالة والخيانة والتحالف مع الصهيونية وأمريكا والغرب, لذلك فإن التركيز هناك كل التركيز من المعسكر الصهيوأمريكي غربي وعملائهم, لكن الثورة العارمة هناك أيضا ومجلس قيادتها الشبابي المتوثب والسياج الهائل المحيط به من رجالات مصر الأوفياء والأكفاء والمصرين على إنقاذ أم الدنيا بأي ثمن مهما كان باهظا, إنهم يضغطون في اتجاه تطبيق المنهج التونسي المبتكر العبقري في التخلص من بقايا النظام بكل إصرار ويضغطون ويتحصلون على التنازلات تلو الأخرى من الجيوب الباقية والتي تنفذ خطط الغرب في محاولة مستميتة للحفاظ على مصر ولو نسبيا, حتى لا تنهار مصالحهم نهائيا في العالم العربي كله ويهدد الوجود الصهيوني ذاته, ويعرض بقية العملاء للخطر الثوري الداهم.. لكنهم عبثا يحاولون, إن ثورة شعوب العرب التي لم يجدوا لها حتى الساعة فهما ولا تفسيرا تعرفهم تماما وتدرك نواياهم التي اكتوت بها عقودا طويلة من الزمن, وهي بالمرصاد لهم وليس لهم بعد الآن أن يضمنوا وجود حتى نصف عميل يساعدهم على مخططاتهم الإجرامية في حق الشعب العربي من أجل مصالحهم وحماية الكيان الصهيوني, ذلك ببساطة لأن الثورة العربية العبقرية التي لم يكتشفوا سرها حتى الآن لن ترضى بغير الديمقراطية الكاملة ولن تسمح بالتالي بوجود حتى عشر عميل, حتى إذا ما نجحوا في إيجاده فإن الثورة هنا جاهزة لتسقطه في الحين, لقد أصبحت الثورة منذ الآن مكونا من المكونات الجوهرية للشعب العربي ولن تبارحه لأنها أصبحت شرطا أساسيا من شروط وجوده, وهذا ما لم يدركه الغرب بعد لأن الاستعمار كما قال الجنرال "جياب" بطل الثورة الفيتنامية "تلميذ غبي", إنه لا زال لم يدرك هذه الحقيقة والتي ستهدده عما قريب ليس في استمرار مصالحه فقط في المنطقة وإنما في قيادة العالم ذاتها, فلن ترضى ثورة العرب بغير الشراكة المستحقة وبالدرجة المستحقة لها في قيادة العالم من أجل إحداث التغيير الواجب على مستوى تسيير العالم واسترجاع حقوقها, ومن أجل رفع الظلم والغبن والعدوان والاستغلال والتهديد على الإنسانية والتي مارسته عليها قرونا طويلة طويلة طويلة القيادة الغربية الاستعمارية الاستعبادية الناهبة السالبة المجرمة, إن ثورة العرب بحكم حضارتهم ومبادئهم وعقائدهم وثراتهم إنسانية عادلة لا يظلم لديها أحد مهما كان معتقده أو جنسه أو بلده أو لونه, إنه الأمر الذي لا زال غير مطروح بجدية ولا يحس به الكيان الصهيوأمريكي غربي وعملاؤه بوضوح بسبب غرورهم وبلادتهم ودهشتهم الصاعقة.وتبقى نقطة أراها مهمة في هذا الزحف المجيد, وهي واجب الجيش المصري إزاء هذه الثورة الكونية العظيمة, إن القيادة الحالية للجيش المصري لا يمكن الاطمئنان إليها كونها تنتمي إلى العهد البائد بكل الأبعاد, ولا يمكنها – في الغالب من عناصرها – أن تنسلخ مرة واحدة عن ماضيها, ومن ثم فإن المحاولات الجارية على قدم وساق وبشراسة سواء منها الداخلية والمتمثلة في جيوب النظام المتبقية والتي تحاول أن تعيد الأمور ولو إلى نصف ما كانت عليه, أو الخارجية التي تعمل بكل قوة على إبقاء الحد الأدنى من التبعية والتحالف الماضي للنظام المصري, هذه المخاطر لا يمكن لأي جهة حسمها غير الجيش المصري, وإن لم يفعل فإن المعركة بينه وبين الثورة قادمة لا محالة, وما هو مطلوب من الجيش المصري في هذا الصدد هو التخلص من قيادته الحالية, وتعويضها بضباط متوسطي الرتب ممن لم يشتركوا في الفساد ولا في امتيازات العهد البائد, أولئك هم الذين يمكن الثقة بهم كل الثقة وبالتعاون الوثيق لهم مع الثورة أو المجلس الشبابي لها ومستشاريهم من أهل الرأي والفكر والمعرفة يمكن وضع الحد النهائي للمحاولات المستميتة في الحفاظ بشيء من مواقف النظام المصري لصالح المفسدين وعملاء المنطقة والجانب الصهيوأمريكي غربي, فتكون الثورة منقوصة ولا تؤدي صلاحياتها بالكامل, وهو أمر لا يمكن تصوره منطقيا ولا ثوريا كون الثورة ستذهب حتما إلى النهاية وتقوم بدورها كاملا ولو تعرقلت بعض الوقت قبل أن تقوم بما يلزم القيام به للتخلص نهائيا من بقايا النظام الفاسد العميل وممارساته الهدامة..إن نور الفجر قد بزغ ولا أحد في الدنيا يمكنه أن يغطي الشمس بالغربال, وقد حجزت أمة العرب تذكرة سفرها بثورتها الزاحفة إلى الحرية والعدل والازدهار والتقدم وقيادة العالم أو المشاركة في تلك القيادة بقدر وافر على الأقل, والحمد لله رب العالمين.

عبدو المعلم