صحيفة الشرق القطريه السبت 30 ربيع الأول 1432 – 5 مارس 2011
الديمقراطية لها ثمن - فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2011/03/blog-post_05.html
حين سألتني إحدى الصحفيات عن رأيي في إلغاء وزارة الإعلام، قلت إنها خطوة جيدة من حيث الشكل، إلا أن المشكلة ليست في وجود الوزارة وإنما هي الوصاية التي تمارسها على الإعلام وتنطلق من الموقف الأبوي والاستعلائي الذي تمارسه السلطة إزاء المجتمع.
وتمنيت أن يكون إلغاء الوزارة خطوة باتجاه تحرير التلفزيون من تلك الوصاية، التي أفقدته ثقة الناس واحترامهم.
هذه النقطة أصبحت محل تساؤل خلال الأسبوع الأخير، حيث بدا أن الوصاية تكاد تطل برأسها. وإن تراجعت نسبتها بشكل ملحوظ، حيث لابد أن نعترف بأنه ثمة جرأة مشهودة في التعبير عن الآراء، وإلغاء نسبيا لفكرة التعتيم التي فرضها التلفزيون في السابق على أسماء بعض المثقفين والسياسيين، وإذ بدا سقف التعبير مرتفعا خلال الأيام التي أعقبت رحيل الرئيس السابق، إلا أن ثمة إشارات توحي بأنه انخفض في الأسبوع الأخير، حيث بدأت تلوح في الأفق مقدمات للحساسية وضيق الصدر بهامش حرية التعبير الذي ظهر في بعض البرامج.
أتحدث عن وقائع محددة منها على سبيل المثال:
* إن رئيس الوزراء السابق غضب من الانتقادات التي وجهها إليه زميلنا الأستاذ إبراهيم عيسى أثناء الحوار الذي أجراه معه عمرو الليثي في برنامجه «واحد من الناس»
إذ حين شاهد الحلقة عند إعادتها في اليوم التالي، فإنه أجرى اتصالا هاتفيا مع الدكتور أحمد بهجت صاحب قناة «دريم» التي تبث البرنامج، ولابد أنه أسمعه كلام شديد وضاغط، لأن الرجل سارع إلى الاتصال بالمسؤولين في القناة وطلب قطع الإرسال على الفور، وتم له ما أراد، ومن «المصادفات» أن النائب العام تلقى في اليوم التالي مباشرة أول بلاغ ضد الدكتور بهجت اتهمه فيه بإهدار المال العام (!).
* إن زميلنا الأستاذ محمود سعد، النجم التلفزيوني المعروف حين سجل حوارا مع إبراهيم عيسى، طلب منه إرسال نسخة من الحوار لمراجعته لدى إدارة التوجيه المعنوي التابعة للقوات المسلحة، واستغرقت عملية المراجعة نحو أسبوع، ثم بث الشريط بعده دون أن يتعرض للحذف.
وفهمت أن ذلك الإجراء اتخذ إزاء حوارات أخرى مع بعض الشخصيات على رأسها الأستاذ محمد حسنين هيكل والقيادي الإخواني الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح.
* إن محمود سعد كان قد أعد حلقة برنامج «مصر النهاردة» ليوم السبت الماضي 26/2 بحيث يتحدث فيها كل من الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور أسامة الغزالي حرب. ولكنه فوجئ بعد ظهر ذلك اليوم باتصال هاتفي يبلغه بأن ضيف الحلقة سيكون السيد أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق، مما أثار استياءه واعتبر أن ذلك بمثابة تدخل في البرنامج يعيد إلى الأذهان ممارسات زمن التعليمات الفوقية الذي ولى.
وإزاء ذلك أصر محمود سعد على رفض تقديم الحلقة وأبلغ من حدثه من التلفزيون بأنه لن يتنازل عن موقفه ولن يقبل إملاء من أحد، ولذلك فإنه سيعتبر نفسه مستقيلا، ولن يظهر على شاشة تلفزيون الحكومة بعد ذلك.
الواقعة تحدثت عنها السيدة منى الشاذلي في برنامج «العاشرة مساء» الذي تبثه قناة «دريم». واستضافت محمود سعد الذي روى للمشاهدين ما جرى.
وإذا بالسيد أحمد شفيق يتصل هاتفيا في البرنامج لكي يقول إن محمود سعد امتنع عن تقديم الحلقة لأنهم كانوا يبحثون عن تخفيض أجره من تسعة ملايين جنيه في السنة إلى مليون ونصف المليون. مثيرا بذلك مسألة تتعلق بعقده المبرم مع الشركة المنتجة للبرنامج، الأمر الذي صرف الانتباه عن الموضوع الأساسي المتعلق بالموقف المبدئي الرافض للوصاية الذي تبناه محمود سعد، وبسببه ضحى بالمبلغ الذي كان يتقاضاه.
قد تبدو مثل هذه التصرفات وكأنها ممارسات استثنائية لا ينبغي القياس عليها أو تعميمها، وهو ما أتمناه، لكنني أخشى من أمرين،
أولهما أن تؤدي تلك الممارسات إلى الإساءة إلى موقف الجيش الذي نعلم أنه يخوض هذه الأيام معركة شرسة لملاحقة مظاهر وأركان الفساد في مصر.
الأمر الثاني أن يستمر البعض بمضي الوقت فكرة الوصاية على المجتمع بما يؤدي إلى اتساع نطاق الرقابة ويعيدنا إلى الوضع الأسوأ الذي كنا عليه.
إن الذين ينتقدون رئيس الوزراء (الذي استقال الخميس) أو من هو أعلى منه هم الأكثر إخلاصا وغيرة على الحلم الذي استدعته الثورة. فضلا عن أن ارتفاع صوت النقد هو الثمن الذي يتعين دفعه للتحول نحو الديمقراطية الحقة،
وللعلم فإن الثورة ستظل بخير طالما كان ذلك الصوت الناقد مسموعا. كما أنها ستصبح في خطر أكيد إذا ما كثر المداحون والمهللون، وقد أصبح بعضهم يطلون برءوسهم الآن في الصحف القومية التي لا يزال يتحصن فيها جنود فرعون.
..........................