jalili عضو ذهبي
عدد المساهمات : 631 تاريخ التسجيل : 14/07/2010
| موضوع: أمسيحيٌّ وصهيوني؟ .. ا.د. حسيب شحادة .. جامعة هلسنكي الخميس أغسطس 11, 2011 7:57 pm | |
| أمسيحيٌّ وصهيوني؟
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
نعم هناك في العالَم الغربي، لا سيما في بلاد العمّ سام، عشرات الملايين من المسيحيين الذين يوافقون على كلّ ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية ضد البشر والشجر والحجر في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، مدّعين أن الوقوفَ إلى جانب ”الدولة اليهودية والديمقراطية” ومؤازرتها بكل السبُل المتاحة مادياً وإعلامياً ومعنوياً، هي فروض إلاهية. ولا يخفى على المطّلعين عن كثب على الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط أن السِفارة الوحيدة الموجودة في القدس الغربية، منذ سنوات عديدة، هي السفارة المسيحية الصهيونية. وفي أمريكا يُنظر إلى الأخبار والمستجّدات على الساحة السياسية والأمنية في الديار المقدسة وكأنها جزء من النسيج الأمريكي الداخلي. وهذه الفئة الأمريكية التي تضمّ الإدارة الأمريكية وعلى رأسها كان الرئيس الشابّ، جورج دبليو بوش، المولود من جديد روحيا، لا تتوانى في الحديث عن الإرهاب العالميّ وشجبه صباحَ مساء ومحاربته حتى اجتثاته وكأنه الشغل الشاغل الوحيد في العالم، وأي إنسان عاقل على وجه هذه البسيطة يقبل بالإرهاب والقتل وإلغاء الآخر؟ وثمة سؤال جوهري يجب أن يُطرح: هل الذي يقاوم الاحتلال إرهابي؟ من البدهي أن للمقاومة أشكالا ووسائل كثيرة ولكننا من الذين يرون جازمين بعدم جواز قتل أي إنسان مدني بغض النظر عن دينه وعرقه وهويته ومهما توتّرت الأوضاع واحتدم الغضب وثارت المشاعر وشرُف الهدف، الغاية لا تبرّر الواسطة في هذا السياق. وفي الآونة الأخيرة صرّح الممثل الجمهوري في تكساس توم دلاي، الذي يعارض ”خارطة الطريق”، لا سيما البند المتعلق بقيام الدولة الفلسطينية في نهاية العام 2005 بأن هذه الدولة ستكون إرهابية وهذا اليمين المسيحي الذي يبلغ تعدادُه قرابة الستين مليونا في أمريكا، هو في الواقع، نواة التأييد الانتخابي للرئيس بوش وأمثاله، أضف إلى ذلك الصوت اليهودي في معظمه. وبين الفينة والأخرى يسمع أو يقرأ المتتبع لمجريات الأحداث السياسية والثقافية المتلاحقة في هذه القرية الإنسانية المعولمة عن آراء وتصريحات لا حصرَ لها، ولكل متلقٍ واعٍ غرباله ومبضعه للغربلة والتشريح وفرز الغث عن السمين في ثورة المعلومات المهولة هذه. من هذه الأمور اللافتة للانتباه ضرورة دمقرطة العالم العربي وإعادة إعداد البرامج التعليمية في اللغة العربية والإسلام وما إلى ذلك من اقتراحات وإرشادات وربما إملاءات. ويذكر أن الاستشراق كان قد طرح في منتصف القرن التاسع عشر تلك المقولة أن العرب والعربية بعيدان كل البعد عن الواقع من حيثُ العقليةُ، كما وكانت محاولات عديدة من أجل استبدال العربية الفصحى بالعاميات العربية المختلفة بل وكتابة العربية بأحرف لاتينية. وقد ذهب بعض الباحثين والسياسيين الغربيين منذ أكثرَ من قرن ونصف إلى أن تأخّرَ العرب العلمي في العصر الحديث مردّه في الأساس إلى اللغة العربية الفصحى لصعوبتها وعدم دقّتها في التعبير عن العلوم الحديثة. وقد كتب الباحث فرانسس فوكوياما مؤخرا مبارِكا إدارة الرئيس بوش على تخلصها من مستشرقيها والناطقين بالعربية وذلك لأنه في اكتساب هذه اللغة يتعلم المرء أضاليلَ العرب وخرافاتهم وأوهامهم. يبدو أن صناع القرار في أمريكا لم يعملوا طويلا بنصيحة الباحث الياباني الأصل إذ ما يرد من أخبار طازجة يشير إلى الميزانية الهائلة التي خصّصتها أمريكا لتدريس العربية منذ المرحلة الابتدائية، ويصبّ ذلك في خانة ”إعرف عدوك”! وهناك من يدّعي أن لا وجود لشعب عربي بل هناك، في الواقع، طوائف وعشائر وبطون وأفخاذ، وأن اللغة العربية، كما أسلفنا، عاجزة عن مواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي وتفتقر إلى الدقة والواقعية والجلاء. أتستحقّ مثلُ هذه الإدعاءات والتخرصات أي ردّ؟ يتناسى هذا النفر المضلل بأن الغرب أي أوروبا، كان يرزح في دياجير الظلام الدامس في تلك القرون التي سمّيت بالعهود السوداء (dark ages) في حين كان العرب في أوج التقدم والرقي في الأندلس وعرفت تلك القرون الوسطى بالعصر الذهبي. ولا أرى أي داعٍ في الاسترسال بهذه النقطة والإتيان بأمثلة لجهابذة وأساطين في الطب والفلسفة والرياضيات واللغة واللاهوت إلخ. إلخ.، فاللبيب تغنيه الإشارة عن العبارة. أليس من الأجدر والأنفع لمن يتشدّق بمثل هذه الاتهامات المغرضة، وخاصة من المستشرقين، أن يتعلم أولا اللغة العربية بمهاراتها الأربع، الاستماع والقراءة والتكلم والكتابة، بدلا من الجلوس في برجه العاجيّ والقيام بالترجمة والجمع والتأليف فقط دون أن يفقه لبّ العربية وروحها. إنه، على سبيل المثال، يفهم ما معنى ”مرحبا” وما أصلها وفصلها ولكن من المحتمل القريب جدا أنه لا يعي ما المقصود من “العلاقة بيننا مرحبا مرحبا”. أتكفي النظرية في عالمنا اليوم في تعلّم لغة الآخر وثقافته، لا سيما بالنسبة لأستاذ اللغة العربية وآدابها والإسلام؟ لبّ الموضوع أن هناك استعلاءً غربيا فظا حضاريا وفلسفيا دينيا يستند إلى الفكرة الخاطئة أصلاً بأن الشعوب الأخرى متأخرة،“محور الشر”، متعصبة، إرهابية، وعلى هذا الغرب النير، المستنير، ناصع البياض كالثلج وباسم التقدم والحرية والديمقراطية والمثل الإنسانية العليا تحرير الآخرين وتثقيفهم. الدين المسيحي الحقّ براء من مثل هذه الآثام والانحرافات المريضة. ومن نافلة القول ضرورة التمييز بين العقيدة أو الدين ورجال هذا الدين. في الاختلاف، شكلا ومضمونا، ثروة وغنى بشري لا نظير له، ولا يجوز لأية فئة أن تقول بأنها صاحبة الحقيقة لوحدها، فالحقيقة بمثابة شكل بيضوي أو دائري وكل منا يرى من موقعه ما يتكشّف له وهو بحاجة للآخر لإماطة اللثام عمّا تبقّى من مكونات الصورة. وفي هذه العُجالة لا بدّ من التنويه بأن الولاياتِ المتحدةَ الأمريكية، القطب الأوحد اليوم، تمتلك أكبر سجن في العالم وتتبوّأ المرتبةَ الأولى من حيث تنفيذُ أحكام الإعدام ومن الجلي أن إنهاء البشر لحياة الآخرين إثم لا يُغتفر وفق الشرائع الدينية السماوية الثلاث، خالق الروح هو الوحيد المخوّل بأخذها حين يشاء. والرئيس الأمريكي (بوش الابن)، محبّ للسلام والحرية، وهو المقاتل الأكبر دون هوادة ضد الإرهاب، وهكذا فقد عين مؤخرا السيد دانيال بيبس رئيسا لمعهد أمريكا للسلام في فيلدلفيا، ويضم المعهد خمسة عشر عضواً. والسيد دانييل نشيط وجرىء كرئيسه فقد سارع مصرّحا، لا مندوحة من أن تكون الحرب الوسيلة الوحيدة من أجل إحراز السلام والتقدم في بعض الأقطار الإسلامية. بكلمات وجيزة، الحرب والدمار من أجل السلام والإزدهار، لمن هذا ولمن ذاك؟ يبدو أن الحرب على العراق وفيه والتي كان الرئيس بوش قد أعلن عن نهايتها، إلا أنها عمليا لم تنته بعد ويبدو أنها قد تستمر عدة سنين. ومما يجدر ذكره أن رئيس معهد السلام أنف الذكر كانت له جولات وصولات قبل التعيين، وإلا فما عُيّن، ففي العام 2001 كان قد أدلى بتصريح مفاده أن الفلسطينيين لن يتوقّفوا عن أعمالهم العدائية والإرهابية ضد دولة إسرائيل إلا بعد أن يتيقنوا تماما دون أي ريب أن العنف والمقاومة المسلحة لن يجديا أي نفع لهم. ولعله من المفيد التنويه بأن هذا الموقف هو عينه قائم في لبّ السياسة الإسرائيلية الرسمية منذ عهد رئيس الحكومة الأول وحتى يوم الناس هذا، دافيد بن غوريون وحتى أريئيل شارون ومن خلفه. بعبارة أخرى، نقيض ما قاله الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، بعد حرب 1967 ”إن ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة”، ومن المفروغ منه أن لا قوة كهذه في الاثنتين والعشرين دولة عربية مجتمعة متحدة وما بالك وهي متنافرة متعادية وبالكاد تجد اثنتين على أدنى حال من الوفاق والوحدة الحقة. نأمل أن يتغير هذا الوضع الرديء وهناك ما يمكن أن يبشّر ببعض التفاؤل في أعقاب ما سمّي بربيع العرب الذي انبلج في مستهل هذا العام. وختاما أود طرح هذه الرؤية للمناقشة والتحليل. يبدو لنا أن موقف أو سياسة هذه الشريحة المسيحية الصهيونية الأمريكية وعلى رأس هرمها الحالي، الإدارة الأمريكية متمثلة بالسيد بوش الابن ومقربيه وأمثاله، بالمواقف المنحازة إزاء الصراع الحاد والدموي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ما تبقّى منها، لا تخدم على المدى البعيد مقوّمات السلام المعقول والمقبول، الشامل والعادل. لا بل إن هذه السياسة بعيدة عن الديمقراطية والشرعية الدولية وستسيء لإسرائيل أو قل قد بدأت تسيء لليهود الإسرائيليين، ففي مقالة نشرت في الرابع والعشرين من شهر آب عام 2003 في الساندي تايمز نرى أن هناك تزايداً مطردا في الهجرة العكسية، من إسرائيل إلى الخارج، أمريكا وكندا وألمانيا الخ. خلال سنوات الانتفاضة الثلاث الأخيرة. عشرات الآلاف حتى الآن، والحبل على الجرّار، كما يقول التعبير الشعبي، وجلّ النازحين من الشباب المهني. وربما يتذكر بعض القرّاء ما قاله السيد إسحق رابين، سفير إسرائيل في واشنطن عام 1968 عند تطرقه ووصفه لظاهرة الهجرة العكسية ناعتا النازحين أو ”الهابطين” كما يقال في العبرية، إنه قال بالعبرية ما يمكن ترجمتُه إلى العربية بـ”حُثالة”. بعد ثلاثة عقود ونصف من الزمان نرى أن ابن رابين، يوفال، يعيش في نيويورك ولا أحد يجرؤ على استخدام مثل هذه الألفاظ النابية والمحقرة. اللهم باستثناء بعض التصريحات الدبلوماسية كما ورد على لسان موظف في السفارة الإسرائيلية بكندا ”كدولة ديمقراطية متقدمة ليس بوسعنا منع هذه الظاهرة المشينة وفي الوقت ذاته لا نقوى على إخفاء أسفنا وغضبنا” ويُذكر أن حوالي عشرة آلاف يهودي إسرائيلي هاجر إلى تورنتو في غضون سنوات الانتفاضة الثلاث. الآلاف تعود إلى ألمانيا، بلد المحرقة لليهود، مثل الفنّان دودي رايزنبرغ، الذي فقد بعض أقاربه فيها في الحرب العالمية الثانية مواطنون إسرائيليون يهود بآلافهم يغادرون أقوى دولة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط والدولة الديمقراطية الوحيدة هناك. لماذا؟
| |
|
عبد المالك حمروش المدير العام
عدد المساهمات : 5782 تاريخ التسجيل : 26/02/2010 الموقع : https://elsoumoudelcharif.ahlamontada.com
| موضوع: أمسيحيٌّ وصهيوني؟ الجمعة أغسطس 12, 2011 3:34 am | |
| موضوع كبير جدا .. ربما يكون هو لب الاستراتيجية الأمريكية والغربية عموما لهذا العصر .. وأعترف أنني منذ زمن ليس بالقصير حاولت الإجابة عن السؤال الذي يطرحه مقالك الهام بروفيسور حسيب لكنني لم أهتد إلى إجابة مقنعة .. لما ذا هذا التحيز الأمريكي الأعمى للكيان الصهيوني حتى في حالات ارتكابه لجرائم إنسانية وحربية فظيعة مثل ما وقع في الحرب على غزة منذ بضع سنوات؟ لا شيء يكفي لتفسير ذلك فلا التعصب الديني ولا العنصرية ولا المصلحة أيضا تكفي لصياغة تفسير واضح منطقي ومقنع .. صحيح أن هناك شيء من كل هذا في فهم الموقف الأمريكي والغربي من القضية الفلسطينية والعربية عموما .. لكنه لا يكفي .. الشيء الواضح مرفوض عقليا وإنسانيا وأخلاقيا .. كون أمريكا تابعة للكيان الصهيوني تتلقى منه أوامرها على الأقل عندما يتعلق الأمر بتصرفاتها مع الفلسطينيين والعرب .. هذه التبعية مصدرها تحكم اللوبي الصهيوني في أمريكا وحتى في أوروربا بدرجات متفاوتة في مجريات الانتخابات وقدرتها على إيصال من تطمئن إليه إلى الرئاسة أو الكونجرس وغيرها من مناصب حساسة تتحكم في القرار الأمريكي .. من ذلك استعمال الولايات المتحدة للفيتو ضد القرارات أي كانت حتى تلك التي لا تعني شيئا غير مجرد اللوم أو العتاب على ارتكاب جرائم إنسانية خطيرة وبشعة .. وهنا يطرح سؤال كبير جدا هو: هل يمكن أن تقع الولايات المتحدة الأمريكية القطب العالمي الراهن الوحيد رهينة في يد الصهيونية العالمية بهذا الشكل المطلق؟ مع الأسف يبدو أن الأمر كذلك إلى حد بعيد .. خاصة بعد أن أصبحت قطبا وحيدا .. وما ترتب عن ذلك من سقوط غير مسبوق للنظام العربي المتخلف الضعيف المفرط إلى درجة ألا أحد صار يقيم له أي وزن .. بالتالي فحسابات المصلحة الشخصية للمسؤولين الأمريكيين والغربيين وحتى المصلحة القومية تقتضي الانحياز التام للصهيونية .. لأنه لا يترتب عن ذلك أي خسارة بل بالعكس فيه الفائدة كل الفائدة..مع افتراض أن الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية لا محل لها في التفكير والقرارات الأمريكية والغربية..هذا هو التفسير الوحيد الذي بالرغم من فظاعته يبدو مقبولا من الناحية المنطقية البحتة .. وكما تفضلت أخي الأستاذ فإن الأمل معقود على الثورة العربية الراهنة .. علها عندما تستلم زمام الأمور وتقيم الديمقراطية تتصرف على أساس مصالح شعوبها وأوطانها وأمتها .. وفي ذلك ردع مناسب للسلوك السياسي الأمريكي والغربي والصهيوني نفسه .. باب الأمل هذا مفتوح لأول مرة منذ قرون خلت ولعله يصبح واقعا معيشا في أقرب الآجال .. وتبقى مسألة الهجرة من الكيان الصهيوني بالرغم من ديمقراطيته بالنسبة لمواطنيه الصهاينة وكونه القوة الأكبر في المنطقة .. كان هذا الكيان يوصف بحق قبل استسلام أو بالأحرى خيانة كامب ديفد بالدويلة المصطنعة وهو وصف دقيق وحقيقي, فمهما كانت قوتها وديمقراطيتها لا يمكن لساكنها أن يشعر بالطمأنينة والاستقرار وذلك لأنه يدرك في قرارة نفسه بأنه يعيش في وطن مسروق وأنه مستمر بقوة السلاح وحماية التحالف الأمريكي الغربي وأي تغير محتمل في موازين القوى يعرضه للزوال حتما, وهذه مسألة يقر بها اليهود غير الصهاينة ويصرحون بها من حين لآخر .. وكل شيء طبيعي ومنطقي وتاريخي وجغرافي أيضا يشير إلى أن وجود هذا الكيان العدواني العنصري الاستعماري مؤقتا وظرفيا وأنه زائل حتما .. موضوع محوري وجوهري هذا الذي تناولت ببراعتك المعهودة وقدرتك الكبيرة على التحليل والتعليل أستاذ دكتور حسيب شحادة .. شكرا لك .. تحياتي وتقديري. | |
|