ثلاثة مناطق تأخذ الأحرف الأشهر من الأبجدية العربية، ومثيلاتها في الأبجدية العبرية، والإنجليزية.. هكذا انتهى انتصار أكتوبر العظيم بشبه جزيرة سيناء «مكتوفة السلاح».
في 1978، وقع الراحلان محمد أنو السادات، رئيس جمهورية مصر العربية، ومناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي، اتفاقية في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية، التي اقتنع السادات بأن في يدها «99% من أوراق اللعبة».
وبعد عام واحد، وفي 17 سبتمبر، وبعد مفاوضات شاقة ، توصل الوفدان المصري والإسرائيلي في نهاية المطاف إلى الاتفاقية.
بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، وفي 20 مارس 1979، وقع السادات وبيجن على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، التي بدأت بإعتراف القاهرة بوجود دولة إسرائيل، وإنسحاب الجيش الإسرائيلي من سيناء، مع التأكيد على حق السفن والشحنات الإسرائيلية المرور في قناة السويس وخليج العقبة ومضيق تيران دون عوائق.
أدت «كامب ديفيد» واتفاقية السلام لموجة استياء عربي واسعة، وصلت لمقاطعة «قلب العروبة» ونقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس. وفي ظل العزلة العربية، وصلت مصر إلى «السلام المنفرد» مع إسرائيل.
أثارت «كامب ديفيد» وشقيقتها الكبرى إتفاقية السلام،انتقادات واسعة، ليس فقط لفكرة السلام المنفرد، بعد حرب وحدت «الأمة العربية»، لكن أيضا بسبب نصوص الاتفاقية نفسها، وهي النصوص التي كتبت «دستور سيناء» طيلة 33 عاما، رحل فيهم السادات قتيلا بيد الجماعات الإسلامية، وتولى بعده مبارك، الذي خلعه الملايين في 11 فبراير 2011، فيما ظلت سيناء مقسمة إلى مناطق أمنية ثلاثة بحكم اتفاقية السلام.
سلام المناطق الثلاثة
تنص اتفاقية السلام على تقسيم سيناء إلى 3 مناطق رئيسية، تلزم مصر بتسليح محدد ومعروف مسبقا في تلك المناطق ولا يجوز رفعه إلا باتفاق الطرفين.
المنطقة الأولى، وتعرف بـ«المنطقة أ»، تبدأ من قناة السويس، وحتى أقل من ثلث مساحة سيناء، وفيها تلتزم مصر بعدم زيادة التسليح عن فرقة مشاة ميكانيكية واحدة ومنشآتها العسكرية وتحصينات ميدانية، على أن تتكون الفرقة من:
3 ألوية مشاة ميكانيكي، لواء مدرع واحد، 7 كتائب مدفعية ميدان لا يزيد عدد القطع بها عن 126 قطعة، 7 كتائب مدفعية مضادة للطائرات تتضمن صواريخ فردية أرض/جو وحتى 126 مدفع مضاد للطائرات عيار 37 مم فأكثر.
وكذلك لا يجوز لمصر أن تزيد عدد الدبابات في تلك المنطقة المفتوحة حتى 230 دبابة، ولا عدد ناقلات الأفراد المدرعة إلى ما فوق 480 مركبة من كافة الأنواع.
وحسب الاتفاقية تلتزم مصر بسقف 22 ألف جندي في تلك المنطقة لا يزيدون.
أما في المنطقة ب، فتضم منطقة شاسعة، حيث تبدأ جنوبا من حدود شرم الشيخ، وتتسع على شكل مثلث مقلوب لتصل إلى العريش، وفي تلك المنطقة وسط سيناء بالكامل أو أغلبه، وتضم أيضا الممرات الاستراتيجية التي تتحكم في شبه الجزيرة.
وتنص الاتفاقية أن تلتزم مصر بحد أقصى من التسليح يمثل في 4 كتائب بأسلحة خفيفة وبمركبات على عجل (وليس المجنزرات التي تسير بشكل أفضل على الرمال)، تعاون الشرطة المدنية في المحافظة على النظام في المنطقة، وتتكون العناصر الرئيسية لكتائب الحدود الأربع بحد أقصى 4000 فرد.
في المنطقة ب أيضا، يمكن لمصر إقامة نقاط إنذار ساحلية أرضية بشرط أن تكون قصيرة المدى، وذات قوة منخفضة لوحدات الحدود على ساحل هذه المنطقة التي تضم العريش.
المنطقة الثالثة، المعروفة بالمنطقة جـ، فتضم الشريط الحدودي كله، بالإضافة لهضاب منطقة وسط سيناء الشهيرة، ومدينتي طابا وشرم الشيخ الاستراتيجيتان، ومدينة رفح المصرية التي تعتبر بوابة قطاع غزة.
في تلك المنطقة، حسب الاتفاقية، من غير المسموح لمصر نشر قوات عسكرية، حيث تتركز في تلك المنطقة قوات شرطة، وقوات أمم متحدة فقط، على أن تكون الشرطة المدنية المصرية مسلحة بأسلحة خفيفة أداء المهام العادية للشرطة داخل هذه المنطقة التي تعتبر أبرز مناطق الفراغ العسكري في سيناء، رغم أنها تضم أقل من ربع مساحة شبه الجزيرة بقليل، وكامل خط الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة.
فراغ أمني وسياسي
ظلت سيناء معزولة عن الواقع السياسي المصري طيلة 33 عاما، كانت دائما «تحت إدارة خاصة»، ففيها «عاصمة الرئيس المخلوع»شرم الشيخ، وفي أرضها استثمارات رجل الأعمال الهارب حسين سالم من العقارات إلى البترول، والغاز الطبيعي الذي يغطي أكثر من 40% من شبكة الكهرباء في إسرائيل.
كانت سيناء دائما تعيش «داخل الاتفاقية»، فرغم كل الوعود بتنمية هذا الجزء الحيوي من البلاد، ظلت شبه الجزيرة، مغلقة بقرارات أمنية، لم تفلح كثيرا في صد تفجيرات طابا وذهب وشرم الشيخ في 2006 وحتى 2006، وهي الفترة التي اعتقلت فيها قوات العادلي آلاف السيناوية باعتبارهم «مشبته فيهم»، وبعد أعوام من السجن والتعذيب خرجوا بعد ثورة 25 يناير ليعودوا إلى «العزلة» التي يبدو أنها لم تنكسر بعد.
ثروات مؤجلة
تبلغ مساحة شبه جزيرة سيناء نحو مساحتها 60,088 كيلو متر مربع، ويسكنها نحو 400 ألف نسمة فقط، ويسكنها 380,000 نسمة، وبخلاف أهميتها العسكرية، فسيناء تضم أكبر مخزون على أرض مصر من الثروات المعدنية، مثل المنجنيز والنحاس، خاصة نوع «الملاكيت» الذي يتركز في منطقة سرابيط الخادم وفيران وسمرة.
أما البترول فمنذ أول عملية تنقيب في 1910، وسيناء تعتبر منجم البترول والغاز المصريي، ففيها حقول أو أبو رديس، وحقل بلاعيم بحري، و سدر وعسل مطارما وفيران، وتوجد بمحاذاة خليج السويس.