دراسة
في الثورة والقابلية للثورة
د. عزمي بشارة
الحلقة الثالثة والأخيرة: الثورة والديمقراطية2011/08/22
د. عزمي بشارة
يتبوّأ عزمي بشارة منصب المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة) وهو عضو في مجلس إدارته. عمل سابقاً كأستاذ للفلسفة وتاريخ الفكر السياسي في "جامعة بير زيت" لمدة عشر سنوات بين عاميْ 1986 و1996. أسّس عدة مراكز بحثية في فلسطين. وهو كاتب وباحث عربي معروف، صدرت له كتب ومؤلفات في الفكر السياسي والاجتماعي والفلسفة، إضافة إلى عدة مؤلفات أدبية. حاز على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من "جامعة هومبولدت" في برلين بألمانيا سنة 1985. وكان بشارة قد انتخب عضواً في البرلمان ممثلاً عن العرب في الداخل، وممثلاً الحزب العربي الذي أسّسه وهو التجمع الوطني الديمقراطي/البلد، لأربع دورات متتالية بين سنة 1996 وسنة 2007. تعرّض للملاحقة من قبل السلطات الإسرائيلية بسبب مواقفه السياسية. يعيش حالياً في قطر.
3
. الثورة والديمقراطيةرغم أن الأحزاب القائمة لم تقد الثورات العربية، إلا أنه لا يجوز أن يطمئن القارئ إلى أن هذا الغياب يشكل في حد ذاته شرطاً كافياً لتحقيق الديمقراطية. ولا بد إذاً من وجود خطة وبرنامج تتفق عليهما أوسع قوى سياسية ممكنة لضبط عملية التحول الديمقراطي وتوجيهها. فللثورة الديمقراطية قواعد وأصول تميزها عن الثورات الأخرى، وهي أنها تصل إلى هدفها ليس مباشرة بل عبر عملية تحول ديمقراطي.
لقد استجابت حالة ثورية عربية قائمة في العديد من الدولة للنموذج المصري الذي قدمه الثوار في ميدان التحرير، وهو ما يعني قابلية الثورة للانتشار والتصدير كما هو الحال في الثورات الكبرى، ولكنه قد بدأ يتبين بالتجربة والخطأ، مدى
"
لقد ثبت في حالة الثورات العربية أن من الصعب الاستيلاء على الحكم من دون انشقاق الطبقة الحاكمة، وانضمام الجيش أو قسم منه على الأقل إلى الثوار.
"
ملاءمة هذا النموذج لهذه الدولة أو تلك، والحاجة إلى تطوير نماذج جديدة.
من الضروري أن يطوّر الديمقراطيون العرب نموذجهم الخاص بعد الثورات، القائم على المواطنة والديمقراطية وتعدد الهويّات، وبناء دولة جميع المواطنين، بدلاً من تأجيج النزعات الإثنية والهوياتية الأخرى عندما يُفتح المجال للتطلع إلى حكومةٍ تمثيليةٍ أو لتعبيراتٍ سياسيةٍ محرّرةٍ أخرى.
وسوف تساهم الثورات الديمقراطية العربية في بلورة الهوية الوطنية التي لم تحظ بشرعيةٍ كافيةٍ حتى الآن في الكيانات التي اعتبرت دولاً قطريةً، حيثما تنجح في بناء المؤسّسات الديمقراطية، وإذا ما قامت الديمقراطيات فعلاً فلن يحصل هذا على حساب القومية العربية، بل سيتغير مفهومها إلى هويّةٍ ثقافيةٍ، وشراكةٍ وجدانيةٍ، ومصالح سياسيةٍ واقتصاديةٍ تكمّل الهويّة الوطنية.
لهذا فالانتقال عقب نجاح الثورة إلى الديمقراطية ضرورة ملحة، لأنه في الدول التي لا تنجح فيها الثورة في تحويل التوق إلى الحرية إلى ديمقراطيةٍ، قد تنهار الكيانات الوطنية، ولا سيما إذا كانت الدولة متعدّدة الهويّات، ولا تنشئ أمّةً مواطنيةً، وهو أمر حصل في العراق بعد الاحتلال الأميركي.
لهذا يجب فهم الفارق بين التوق إلى الحرية وعملية بناء الديمقراطية بعد الثورة، وبين النجاح في بناء المؤسّسات الوطنية للديمقراطية في ظل الهويّة العربية الجامعة لهذه الدول كشرط استمرار وجودها ككياناتٍ بعد انهيار النظام القائم.