مأزق إسرائيل الاستراتيجي يتعمق
عبد الستار قاسم
12/ايلول/2011
ظهر مأزق إسرائيل الاستراتيجي بوضوح بعد حرب تموز/2006، وتعزز وضوحه في حرب الكوانين على غزة، 2008/2009. فشلت إسرائيل في جنوب لبنان على الرغم من أن الحرب استمرت ثلاثة وثلاثين يوما، ولم تحقق أهدافها السياسية في غزة على الرغم من استمرار الحرب مدة ثلاثة وعشرين يوما. جيش إسرائيل لم يعد قادرا على حسم المعارك، ولم يعد قادرا على تنفيذ التهديد الذي يطلقه قادة الصهاينة السياسيين ضد هذه الجهة أو تلك.
لقد وجدت إسرائيل نفسها أمام مأزق استراتيجي كبير بحيث أنها لم تعد تهيمن تماما على المنطقة، ولا تستطيع أن تشن حربا في أي وقت تشاء، ولم تعد هي بمنآى عن صواريخ الطرف الآخر. لقد تصدعت نظريتها الأمنية التقليدية، وأصبح لزاما عليها أن تطورها بطريقة تتناسب مع الأوضاع المستجدة. لكنها تدرك أيضا ان الطرف المقابل ليس غافلا، وهو يعمل ليل نهار على تطوير قدراته العسكرية وتكتيكاته، ويطور رؤاه الأمنية والعسكرية والاستراتيجية.
أضاف شعب مصر بثورته بعدا استراتيجيا جديدا للقوى العربية والإسلامية التي تواجه إسرائيل. الثورة المصرية بحد ذاتها تعبر عن إرادة عربية مصرية حرة، وهي تصر على الحرية والاستقلال ليس لمصر فقط وإنما لكل الأقطار العربية. ويكفي أنها خلعت أكثر نظام عربي ملتزم بالأمن والمصالح الإسرائيلية. لكن شعب مصر لم يتوقف فيما يتعلق بإسرئيل عند حد التحرر من التزامات مصر تجاه إسرائيل، وإنما يصر على خلع إسرائيل من أرض الكنانة، واستعادة سيناء لتصبح جزءا لا يتجزا من السيادة المصرية الكاملة.
ما قام به شعب مصر في الأيام الأخيرة من السيطرة على سفارة الصهاينة في مصر يعبر عن هذه الإرادة المصرية الصلبة التي لا تهون ولا تذل. وقد صدق شعب مصر موقفه من الصلح مع إسرائيل وإقامة علاقات اعتيادية معها. شكك كثيرون عبر ثلاثين عاما بإرادة شعب مصر، وبموقفه من إسرائيل، لكن الشعب أتاهم بالخبر اليقين.
تدرك إسرائيل أن المسألة ليست فقط سيطرة على سفارة وطرد سفير، وإنما تتعلق بتغيير جذري في السياسة المصرية تجاهها وتجاه أعمال المقاومة والعلاقات مع الدول الغربية عموما. أي أن المسألة ستمتد إلى إعادة بناء الجيش المصري، والإصرار على دخول سيناء عسكريا وحتى الحدود الافتراضية بين مصر وفلسطين، وإعادة تقييم العلاقات الإقليمية والدولية. وتدرك إسرائيل أن جبهة مغلقة، بل حليفة قد أغلقت، وأنها ستتحول تدريجيا إلى جبهة مفتوحة ضدها سواء من خلال أعمال مقاومة سرية تنطلق من سيناء، أو دعم المقاومة الفلسطينية في غزة، أو في مواجهة مباشرة مع الجيش المصري. لقد كانت إسرائيل في ورطة استراتيجية، والآن هي في ورطة تتعمق بالمزيد.
شعب مصر سيغير الكثير من العلاقات القائمة الآن في المنطقة العربية الإسلامية. على الأقل ستؤثر مصر في مواقف العديد من الدول العربية تجاه إسرائيل والتطبيع معها، وسيتم التركيز على البناء العسكري جنبا إلى جنب الجهود الديبلوماسية، وستتغير تحالفات على مستوى منطقة الخليج وإيران. ومهما كانت التغيرات التي ستحدث فإن إسرائيل هي الخاسر الأول. ربما هناك بعض أصوات عميلة سورية تنادي بالاعتراف بإسرائيل، وهي أصوات معزولة لا يوجد لها امتداد في الشارع السوري، لكن الحراك في المنطقة يشير بوضوح أن إرادة الشعوب العربية التي تناهض إسرائيل هي التي ستسود.
من المفروض والمطلوب أن يستفيد الفلسطينيون من هذا الوضع العربي الجديد، ومن المأزق الصهيوني المتعمق. واضح أن الميزان العسكري أو الاستراتيجي في المنطقة قد تغير وتبدل، وان الميزان الذي كان لم يعد قائما. السلطة الفلسطينية تفاوض الآن وتتحرك ضمن ميزان استراتيجي قد دُفن، ولم يعد قائما، ومن المفروض أن تدرك الميزان الجديد وتتحرك ضمنه لأنه عبارة عن حقيقة موضوعية قائمة. المفاوضات التي تخوضها السلطة الفلسطينية هي إفراز لميزان قوى قد اهترأ وأصبح في ذمة التاريخ، وإذا كان لها أن تحقق إنجازا فإن الاستفادة من الميزان الجديد يعبر عن حكمة سياسية واستراتيجية. أي أن الخروج من الدوامة التفاوضية القائمة حاليا والولوج إلى داخل التفاعلات الاستراتيجية الإقليمية سيشكل مكسبا كبيرا للفلسطينيين.
منتصرون بإذن الله
----------------------
مجموعة "فلسطين - عام
التحرير".
sattar kassem
sattarkassem@hotmail.com