هل تدخل تركيا الحرب على سوريا؟
عريب الرنتاوي
هل تدخل تركيا الحرب على سوريا؟...
هل ستدخلها بالاشتراك مع إسرائيل كما تشير بعض "التسريبات" الصادرة عن مصادر استخبارية إسرائيلية؟...
هل ستدخلها تحت مظلة الأطلسي، أم أنها ستفضل السير تحت رايات ائتلاف آخر: عربي – إسلامي هذه المرة، وإن كان مدعوما ب"الأطلسي"؟..
.أي تداعيات لكل من هذه السيناريوهات على راهن العلاقات العربية – التركية ومستقبلها؟...على صورة تركيا وموقعها؟...على مستقبل النظام والمعارضة والإصلاح في سوريا، بل وعلى سوريا برمتها؟ هذه الأسئلة والتساؤلات، لم تعد ضرباً من "الفانتازيا" أو "تمريناً ذهنياً" لنخبة من السياسيين المحترفين...فحيثما تذهب وأنّى حللت وارتحلت، يواجهك محدّثوك، من مواطنين ونخب سياسية وفكرية بسيل لا ينقطع من هذه الأسئلة والتساؤلات...لعل آخرها، ما تعرضت له على هامش ندوة في جامعة الشرق الأدنى بشمال قبرص (الشطر التركي)، نظّمها حزب الشعب الجمهوري، حيث انتقل الحديث من ربيع العرب إلى "قرع طبول الحرب" على أكثر من جبهة ومسار. أمس، نشر مواقع استخباري إسرائيلي تقريراً موجزاً مفاده، أن تركيا وإسرائيل تنسقان لضربة عسكرية مشتركة ضد نظام الأسد، عبر قناة الأطلسي، وبتشجيع مباشر من الولايات المتحدة، وقد زجّ التقرير بالأردن، بوصفه واحداً من الشركاء المحتملين في الحرب المحتملة...التقرير – في ظني – عبّر عن رغبة إسرائيلية، ولم يقدم معلومة ذات صدقية..لكن المؤسف أن موقعاً فلسطينياً لفصيل تربطه بإيران علاقات "خاصة ومميزة"، أعاد نشر التقرير من دون تحفظ أو تعليق، فيما يشبه التبني للرواية، وبما يندرج في سياق التحريض اليومي المنظم الذي يشنه ما كان يسمى ب"معسكر المقاومة والممانعة"، ضد تركيا "العثمانية المتأمركة" ودفاعاً عن نظام الأسد. وأمس أيضاً، وجدتني منخرطاً في نقاش مع إعلاميين أتراك كبار، ونواب قبارصة (من شتى المنابت والأصول)، حول سيناريو كهذا...الأتراك استبعدوا تماما احتمالاً من هذا النوع...قللوا من شأن المناورات التي جرت على الحدود في لواء الاسكندرون...واعتبروا النتائج المحتملة لخيار كهذا، وبالاً على تركيا، قبل أن تكون كارثيّة على سوريا. لكن الجديد في حديث زملائنا الأتراك، ما قيل عن "دفع أمريكي متواصل" لتركيا للاضطلاع بدور كهذا...إذ يعتقد هؤلاء الزملاء أن الأطلسي يريد أن "يلزّم" تركيا الملف السوري بمجمله، مقابل شرط ونظير جائزة...الشرط أن تعود علاقات أنقرة مع تل أبيب إلى سابق عهود التنسيق والتعاون الاستراتيجي، لكي تطمئن إسرائيل إلى أن سوريا ما بعد الأسد، لن تكون في الخندق المعادي لها...أما الجائزة، فترتبط بالشرط وتترتب عليه، وتتمثل في إعطاء تركيا دور الوسيط في حل الصراع السوري – الإسرائيلي، الذي ستتوفر له فرصاً جديدة، وفقاً للتقديرات والتوقعات. لا أحسب أن تركيا (العدالة والتنمية) فقدت عقلها تماماً لتدخل في مستنقع كهذا... لا لأن ذلك يتعاكس مع مجمل الركائز الأساسية لفلسفة السياسة الخارجية التركية، القائمة على "تصفير المشاكل" و"القوة الناعمة" و"قوة الأنموذج" وتقاسم المنافع ومراعاة المصالح...إلى غير ما نعرف من عناوين عراض لهذه الفلسفة...بل لأن تركيا تدرك تمام الإدارك، أن وضعاً كهذا، سيعيد العلاقة بين الأمتين العربية والتركية مائة عام للوراء...وسيدخل تركيا في حرب استنزاف لكل ما حققته من نجاحات سياسية واقتصادية ومعنوية...وسيعرض أمنها ووحدتها هي بالذات للخطر الشديد. ثم، من قال: إن سيناريو كهذا، لن يفتح على تركيا أبواب جهنم...خصوصاً عبر بوابة "المسألة الكردية" التي ما زالت جرحاً غائراً في الكف والخاصرة؟...من قال: إن النظام السوري أسقط هذه الورقة تماماً، برغم كل ما طرأ على العلاقة السورية – "الكردية" منذ طرد عبد الله أوجلان من سوريا؟...من قال: إن الأسد المعزول والمحاصر بدماء السوريين اليوم، لن يعود بطلاً قومياً؟...تركيا تعرف أن النظام السوري سيلجأ إلى خيار شقيقه "النظام العراقي" السابق في محاولة "جر" إسرائيل إلى ساحة (ساحات) الحرب والمواجهة، وعلى نطاق أوسع، صبيحة اليوم التالي، أو ربما عشية اليوم نفسه، لبدء الضربة العسكرية لسوريا...وفي المعلومات التي يتحصّل عليها المُتابع عن كثب للموقف التركي، ثمة ما يؤكد أن الأسد لوّح بهذا الخيار، أمام زوّاره الأتراك، موضحاً أن الحرب إن بدأت، لن تُبقي إسرائيل خارجها، وأن ساحة هذه الحرب وجبهاتها، لن تظل محصورة بالحدود السورية. ثم، ماذا عن إيران وردات فعلها، ومستقبل علاقاتها "المشدودة على وتر التنافس الإقليمي والانقسام المذهبي" مع تركيا...هل ستقف إيران مكتوفة الأيدي، وهي ترى نفوذها في المنطقة، ومستقبل دورها الإقليمي، يذهب جفاءً...هل يخفى على أنقرة أن لإيران أيضاً جملة من الأوراق التي بمقدورها ان تلعب بها، من العراق ولبنان، وانتهاء ب"المسألة الأرمينية"...هل ستقامر تركيا أيضاً بمواجهة كل هذه التحديات، دفعة واحدة؟ الحرب، ليست خياراً لحل الأزمة السورية...سواء خاضتها تركيا منفردة، أو بائتلاف عربي – إسلامي...وهي (الحرب) محفوفة بالمخاطر على الأمن الوطني السوري والقومي العربي، إن تمت تحت لواء الأطلسي...والمؤكد أنها ستكون كارثية، بكل المقاييس والمعايير، إن تمت بمشاركة إسرائيلية من أي نوع...ولكل هذه الأسباب مجتمعة، لا نرى بديلاً عن "الحلول السياسية"، المحلية والإقليمية للأزمة...لكل هذه الأسباب نرى أن ذكاء السياسة التركية وحنكتها، سيُبقيانها خارج هذه الدوائر الشيطانية.