شاليط المسئول عن وقف حروب إسرائيل !
د. عادل محمد عايش الأسطل
في الآونة الأخيرة، وخاصةً بعد إبرام الاتفاق، بشأن صفقة تبادل الأسرى، بين حركة حماس ولجان المقاومة وجناحها العسكري"ألوية الناصر صلاح الدين" من جهة، وإسرائيل من جهةٍ أخرى، برزت أقوال وتكهنات متعددة، بشأن نيّة إسرائيل، تنفيذ ضربة عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، وبالتحديد ضد حركة حماس والمتحالفين معها، لا سيما وإن ما كانت تتذرع به إسرائيل من عدم مضيّها في تنفيذ تلك الضربة، هو جنديّها شاليط، الذي سيكون آمناً في بيته بعد ساعاتٍ قليلة، بعد أن كان – كما يقول البعض- بمثابة الشوكة في الحلق الإسرائيلي، تحول دون تنفيذ عملية عسكرية، ضد الحركة بهدف تقويض أركانها ومن ثم القضاء عليها تماماً وذلك من جهة، ومن جهةٍ أخرى تحريره من قبضة المقاومة ومن غير ثمن.
لكن الحقيقة تقول غير ذلك، فالذي حصل وما هو حاصل منذ زمن، هو عدم قدرة إسرائيل على ابتلاع الرمل الخشن، الذي يحيط بالقطاع من كافة جوانبه، وكانت تفشل في كل مرة، حتى في تذوقه. أما بالنسبة للنيّة للقيام بعملية عسكرية محدودة لهدف تحرير الجندي، فكانت غير ممكنة ومعدومة من الأساس، وذلك اعتماداً على قول الإسرائيليين أنفسهم، وخاصة حين كشف رئيس الموساد الإسرائيلي الجديد(تامير باردو) أنه لم يكن بالإمكان تحرير الجندي، من خلال عملية عسكرية، لأن انعكاساتها قد تكون مؤلمة، إضافةً إلى أنه لم تكن هناك بدائل أخرى، عن صفقة التبادل التي جرى التوقيع عليها لتحريره.
لهذا الاعتقاد أيّد " تامير"صفقة التبادل، وتبعه في الاعتقاد والتأييد، كل من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "بيني غانتس" ورئيس جهاز الأمن العام، الشاباك "يورام كوهين" حين أعلنا عن موقفهما المؤيد للصفقة، وعلى طول فترة المفاوضات السرية، التي كانت تجري في العاصمة المصرية بهذا الشأن.
وكان قال "باردو" في محاولة لإقناع الوزراء لتأييد الصفقة إن إسرائيل هي دولة كبيرة وقوية ولا شيء بإمكانه المس بها، وبإمكانها مواجهة أمور كثيرة ومن ضمن ذلك إطلاق الأسرى الألف، ولن يحدث لها شيء إذا خرجت هذه الصفقة إلى حيز التنفيذ.. ونحن نعرف، وبإمكاننا، مواجهة هذا الموضوع وإلاّ لما أيدتها. وأشار إلى أن إسرائيل قوية جداً وتسمح لنفسها بإطلاق سراح ألف سجين,
لقد تحدث "باردو" وكأنه واثق تماماً كل الوثوق من جيشه ومعداته، في هذا الوقت وإلى هذه الدرجة، لمواجهة كل الأخطار المحيطة، سواء السياسية والأمنية.
لقد استطاعت حركة حماس، وباعترافات إسرائيلية ليست معارضة للصفقة، كسر الخطوط الحمراء الإسرائيلية، التي كانت محرمة في جملة القواميس الإسرائيلية، وأن الصفقة مثلت صفعة قوية لكل المحرمات الإسرائيلية، التي من شأنها إحراج الحكومة الإسرائيلية أمام المناوئين للصفقة، والمعارضة بصورة خاصة، الأمر الذي جعل الكثيرين من الساسة والمحللين أن يستشعروا من خلال التنازل الإسرائيلي، من أن هناك نية إسرائيلية مبيتة لضرب حماس لسلوكها المهاد لإسرائيل، أو بنية الانتقام منها، على خلفية احتجاز الجندي طوال تلك المدة.
إن شاليط لم يكن في حد ذاته يمثل عقبة أمام الأعمال العدوانية الإسرائيلية، وعلى كل الجبهات سواء الجبهة القريبة(قطاع غزة) أو الشمالية (حزب الله) أو على الجبهة الإيرانية، ولو كان بالمقدور الإسرائيلي فعل أي شيء، لفعلت ومنذ زمن بعيد.
لقد قامت إسرائيل بالهجوم الواسع على قطاع غزة من خلال عملية (الرصاص المصبوب)، واستعملت كل أساليبها العدوانية الإجرامية، من أجل الفتك بحركات الممانعة ككل، وكان لا يزال شاليط رهن الاحتجاز، إذ لم يردعها احتجازه، ولا الظروف التي هو فيها، وأقدمت على الحرب بوحشية لم تُعهد من قبل، ولكنها لم تفلح إلاً بشيء واحد، وهو القتل والبطش والتخريب، وباعترافها، حين قال قائد الأركان الإسرائيلي حينها، سيرتدع مقاتلي حماس، حين يخرجون من مخابئهم ليفركوا أعينهم، ويروا ما خلّفت جهنم الإسرائيلية، لكن بالمقابل كان الجنود الإسرائيليين في أشد حالات الرعب والخوف مما لاقوه من قوة وبأس شديدين، بحيث أصبحوا يخشون النظر باتجاه القطاع، فكانوا عندما يفعل أحدهم ضد آخر، يدعون عليه بقولهم" ليخ لعزّة" أي اذهب إلى الجحيم.
إن ما أوردنه معاريف، من أن حماس قلقة، خشية قيام إسرائيل، بشن عملية عسكرية على قطاع غزة، عقب الإفراج عن "شاليط، أو التفرغ للجبهة الإيرانية بهدف المس بمنشآتها النووية، لهي من الأمور التي تعوزها الدقة، وإن كان صدر من ذلك شيئاً، فإن إسرائيل قد فهمت ذلك خطئاً، فقد نكون الحركة، قد ألمحت بذلك للجانب المصري، ليس خوفاً من إسرائيل، إنما هناك عدة أسباب دفعها لمثل هذا التلميح، وإلاّ لما بقيت حماس تتولى حكم القطاع إلى هذه الساعة، وأيضاً لما استطاعت أن تحتفظ بالجندي الإسرائيلي طيلة ألفي يوم، والحيلولة دون استطاعة الأجهزة المخابراتية العالمية، وعلى رأسها الأمريكية والإسرائيلية، من أن تكشف عن مكان وجوده. وكذلك لما استطاعت حماس مقارعة إسرائيل سياسياً وعسكرياً وأمنياً، طيلة المرحلة الفائتة، وبالنظر لحجم الدعم من بعض الدول العربية لإسرائيل.
وكذلك الحال بالنسبة للتقولات الكثيرة التي تشير، إلى أن من الأسباب الحقيقية التي جعلت إسرائيل توقع على الصفقة، والإسراع بتنفيذها، هو لاهتمامها الواسع بملف إيران النووي، والذي بلغ مرحلة شديدة الحساسية، وخاصة خلال الفترة السابقة والتي خلت حتى من مواصلة المفاوضات بهذا الشأن، مما أتاح الفرصة أمام طهران، للتمادي نحو السلاح النووي، الذي قارب الحدود الإسرائيلية الحمراء، بمعنى عزم إسرائيل بتنظيف الطاولة، لتتمكن من الترتيب للقيام بعملية هجومية على المنشآت النووية الإيرانية، على غرار هجومها على مفاعل "أوزيراك" العراقي، ومعامل أخرى في منطقة دير الزور السورية.
وعلى أية حال، فإن الحجة الإسرائيلية قد انتهت الآن، وفي تصوري لن يكون هناك أي نوع من العمليات العدوانية الإسرائيلية، وليس على قطاع غزة فحسب، وإنما على إيران أيضاً، فبالنسبة لعملية إسرائيلية، على قطاع غزة، فإن الظروف الحالية سواء كانت إقليمية أو دولية لا تهيؤها للقيام بعمل عسكري ضد القطاع، فكما نعلم أن إسرائيل بادئ ذي بدء، تعاني من عزلة إقليمية صعبة (تركيا، مصر، والأردن)، وهي الأهم، ناهيك عن العزلة الدولية المتفاقمة، وبحسب اعتراف قادة إسرائيل، ومعهم قادة الولايات المتحدة، وهذا من ناحية سياسية، وأيضاً فإن الحالة المصرية، وبالرغم من عدم استقرارها كلياً، فإن إسرائيل لها حساباتها الخاصة، من أن تُقدم على عملية عسكرية على القطاع، أو شيء من هذا القبيل، خاصة وأن مصر بعد الثورة ليست هي ما قبلها، خاصةً في ظل تعاظم خشية أركان الحكم بإسرائيل، من مستقبل الثورة المصرية، وتحديداً من احتمال تولي التيارات الدينية الحكم، الأمر الذي سيجعل الأمور جملة أكثر تعقيداً.
وأيضاً فإن إسرائيل وحتى اللحظة لا تضمن نسبة محددة، لتحقيق نوع من النصر على حركة حماس، وهي مازالت في حالة ترقيعية، للجيش والمنظومة العسكرية برمتها، جراء سقطاتها المتتالية.
أما بالنسبة لإيران، فقد تكون المعضلة الأشد بالنسبة لإسرائيل، التي ليس بمقدورها فعل أي شيء تجاهها، لا في حال حضور شاليط أو غيابه، ولكن هناك من الأمور ليست ما تحول دون هجوم (إسرائيلى) على المنشئات النووية الإيرانية فحسب، وإنما هناك من الأمور من شأنها أن تردع إسرائيل، عن الإقدام على فعل من هذا النوع، فكما نعلم وإذا كنا نحترم- موضوعيتنا- أن إيران الآن وقبل الآن، ليست كما معظم أو كل الدول العربية، وحتى الإسلامية، ولا أريد التفصيل أكثر، لكن لابد من الإشارة، إلى أن إيران لها منتج صناعي متنوع، ليس في كل يوم، بل في كل ساعة، وأيضاً الطائرات (الحربية المقاتلة) الإيرانية، أصح بمقدورها التحليق فوق حاملات الطائرات الأمريكية، وتقوم بتصويرها - مع ملاحظة حرمة ذالك أمريكياً- وهي من قبيل إلقاء النفس فى التهلكة، ورغم ذلك لم تستطع الولايات المتحدة بقدرها، فعل أي شيء، ولنتصور لو أن أي دولة أخرى قامت بذلك؟
إن من المقبول القول في الموافقة الإسرائيلية المفاجئة، على إبرام صفقة تبادل الأسرى مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، هو التصديق بعدة أسباب، هي بعيدة عن الحرب، والأعمال العسكرية وخاصة في هذه المرحلة ومنها، الأزمات الداخلية والمرتبطة بالأوضاع المعيشية، التي عصف بإسرائيل، حيث فشلت الحكومة برئاسة نتانياهو، في تجاوزها رغم تذرعها بمسائل الأمن والعزلة السياسية الدولية.
كذلك فإن الحكومة الإسرائيلية، أرادت التغطية على عجزها المتنامي، لتخطي عقبة الاحتجاجات ضد غلاء الأسعار، والتي لم تتمكن حتى الآن من احتوائها من خلال إجراءات عملية مناسبة.
وكان أراد نتانياهو إزالة الخيمة الاحتجاجية، ضد تباطؤ الحكومة، بالعمل على إطلاق سراح الجندي شاليط، المقامة أمام عينيه طوال المدة الفائتة، والتي كانت تضر بسمعة (إسرائيل)، من حيث عدم اهتمامها بمن ترسلهم للحرب من جهة، ومن حيث انعكاساتها على الهجرات اليهودية بوجه عام.
وأيضاً أراد نتانياهو من وراء الموافقة على الصفقة، تحسين صورة إسرائيل الدولية التي تدهورت كثيراً، بسبب الثورات العربية، وخاصةً المصرية، والأزمة الحادة مع الحليف السابق، تركيا، وموقفها المعادي لطلب إعلان الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.
إضافةً إلى أن صفقة شاليط جاءت لإسكات الرأي العام الإسرائيلي، ليتسنى للقيادة الأمنية والعسكرية التأقلم مع واقع ومستقبل الشرق الأوسط الجديد.
وعلى ما سبق، فإنه والحالة هذه، فإن قضية شاليط بريئة، من كل هذه التصورات والتكهنات التي أثيرت في الفترة الماضية، وحتى إن حدث شيء من هذا القبيل، فلن يكون في الوقت المنظور ولن يكون شاليط هو السبب.