أسرى الحرية... يوم ميلاد جديد !
د. عادل محمد عايش الأسطل
مع اندلاع الفرح والسرور، في كل أنحاء الأرض الفلسطينية، وعالمنا العربي من مشرقه إلى مغربه، بمناسبة يوم الدموع، يوم إطلاق سراح أسرانا، أسرى الحرية المقبلة، فإننا هنا جميعاً وباسم كل عربي أصيل، مدعوون للتوقف مع ذاتنا، والاستماع إلى ما تُكنه ضمائرنا، والتأمل، في كل شيء من حولنا، والتفكر في كل ما نحن فيه وما وصلنا إليه، وخاصةً في هذه اللحظات السعيدة، لأنها وبحق هي اللحظات، التي من شأنها أن تهز المرء كائناً ما كان، ليفيق من غفوة ألمّت به، أو كبوة فاجأته، لأنها كفيلة بأن تجعلنا جميعاً، نشعر وبصدق بهذه اللحظات التاريخية، التي ترتسم فيها وبدقة متناهية، صورة أخرى من علامات النصر والتمكين، تجاه وطننا وبعضنا بعضاً واتجاه أمتنا العربية بوجه عام. وما دام الأمر كذلك ونحن في غمرة الغبطة ولذة الفوز السعيد، فنحن مدعوون أيضاً إلى الحاجة الملحّة، للتعبير عن أصوات أخرى، أصوات المقهورين اللذين مازالوا وراء القضبان الإسرائيلية، يعانون ألم القيد ومرارة السجن، وعذاب فراق الأهل والولد، وكلنا يعلم ما للتعبير من قيمة وخاصةً في هذه الأيام.
كل ملاذّ الدنيا تصاغرت أمام مشهد اليوم، يوم الدموع المزدوجة، دموع اللقيا ودموع الأمل
المتجدد، والذي ما له من نضوب.
هذا اليوم يوم الانتصار، اليوم الذي شكل ولادةً جديدة، لرجال قدماء، أثروا التاريخ الفلسطيني بالبطولات والأمجاد، قبل أن يتفكروا في أنفسهم، وليس إثباتاً لوجودهم، بل إثباتاً للحق الفلسطيني، ولوجود الأمة العربية وتثبيتاً، إنه مشهد حي، غير قابل لمنهج من المناهج التي توصف بها الأمور والأحداث أيّاً كان نوعها، ارتقت فيه المعاني، إلى ما فوق جملة المستويات العاطفية والإنسانية، وسيطرت على مجموعة المشاعر والأحاسيس، لتفيض دموع النساء من النساء، وتنفطر طرباً رغماً عنهم، قلوب الرجال من الرجال، لكن ما شدّ الأزر وثبّت الفؤاد، غير التطلع إلى الأفق المنظور، بالوعد الآتي، لكل الأسرى ولكل ذويهم وللأمة العربية جمعاء. هذا اليوم مع هؤلاء الأفذاذ شكلوا رمزاً بيّناً. محفوراً في معادلة لنا، لا تترك مجالاً لمعضلةٍ علينا، على الرغم من بعض الألم، الذي من شأنه أن يزيد طعم الظفر حلاوة.
نحن سعداء لإحساسنا بإحساس المحررين، وإحساسنا العميق بمشاعر أمهاتهم وآباءهم وأبناءهم وبناتهم وزوجاتهم وأحباءهم، وكل من يُسعدهم أن يبلغ الحق محله.
لا أحد يرى مثل هذه المشاهد، والتي تعتبر من المشاهد القليلة، والأكثر درامية على مر التاريخ الفلسطيني، بكل تفاصيلها، والجميع على اعتقادٍ واحد، الأسرى والعائلات الفرحى، وعائلات (المحررين) في السجون الإسرائيلية، وحتى العائلات الثكلى وجرحى الإرهاب الصهيوني، تلك المشاهد، أظهرت قيمنا العربية الأصيلة، برغم الآلام، وبرغم المآسي، تظل صامدة وصابرة مرفوعة الرأس في عنان السماء، إنها ميراثنا، ورأسمالنا، خاصةً وأن قيمنا هذه، لا تطالب بالثأر من أجل الثأر، أو الانتقام من أجل الانتقام، ولكن مدافعةً عن الحق الفلسطيني، والحق العربي المغتصب، من قبل الاحتلال الصهيوني الغاشم، وإن ما حصل من عملية أسر شاليط، إنما هي رسالة يجب أن يفهمها الاحتلال، والذي يقف خلف الاحتلال، مفادها أنه ليس هناك مجال، في أن يضيع الحق أو يُنسى، مهما تقادمت عليه الأيام والسنين، ولا شك أن الاحتلال يفهم ذلك جيداً، وهو يعلم كذلك، كم هي المرات التي كان جنوده فيها عرضةً للأسر، وعندها، سيألم أكثر، وسيندم أكثر وأكثر، عندما يعلم بمضاعفة الثمن إلى أضعافٍ مضاعفة.