الرئيس عباس عقبة في طريق السلام.!
د. عادل محمد عايش الأسطل
انتقلت قيادة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي، مع أولئك الذين ينادون بضرورة أن تتخذ إسرائيل عدداً من الإجراءات، التي من شأنها أن ترفع من الرصيد السياسي العام لدي الرئيس محمود عباس، وتقوية صف السلطة الفلسطينية، من أجل الحد من الأضرار الناجمة عن صفقة شاليط الأسبوع الماضي، لإعادة توازن علاقات القوى بينها وبين حركة حماس، وكان الجيش الإسرائيلي ينوي للتحرك خلال المدة القريبة المقبلة على المستوى السياسي، لتقديم عدداً من التوصيات والتدابير الرامية إلى تعزيز موقف السلطة، بما في ذلك الإفراج عن أسرى فلسطينيين، وربما نقل المسؤولية الأمنية لبعض المناطق في الضفة الغربية للفلسطينيين.
وكان أعرب عن قلقه منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية، الجنرال (إيتان دانغوت) في جلسة الاستماع الوزارية الأسبوع الماضي، جراء تهديد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبومازن) بالاستقالة، في حال بقاء الأمور السياسية تراوح مكانها.
وكان الرئيس عباس بالفعل قد شعر بالقلق هو الآخر، ليس إزاء العملية السلمية المتوقفة فحسب، بل بشأن طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والتقدم البطيء للأمم المتحدة في عملية اتخاذ قرار لصالح الطلب الفلسطيني. وأيضاً الخوف من أن يكون للضغوط الأمريكية تأجيلات أخرى، بحجة مناقشة الطلب، الذي ستطلب اللجنة المسئولة بضعة شهور أخرى، للاستماع والمناقشة، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى تغيير تركيبة مجلس الأمن، في يناير/كانون الثاني المقبل. فالأمر الذي سوف يكون من الصعب على الفلسطينيين خلال التشكيلة الجديدة الحصول على تسعة أصوات في مجلس الأمن، وهو مأمول في هذه الأوقات لدعم الطلب الفلسطيني.
وكان الرئيس عباس قد وضع في يناير/ كانون الثاني 2012، موعداً، لأخلاء منصبه في حال استمر الجمود في عملية السلام، أو إخفاقه في الأمم المتحدة، ولهذا السبب، فإنه يود أن يحصل تقدم بارز في شأن مسار المصالحة الوطنية، عند لقائه برئيس المكتب السياسي لحركة حماس(خالد مشعل) خلال اجتماعهم المقبل، وخاصة في شأن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بالإضافة إلى المجلس الوطني.
وكان نتانياهو استمع في جلسة مجلس الوزراء المصغرة(الثماني)التي دعت إلى عمل نوع من اللفتات تجاه الرئيس عباس. ولكن أعرب مستشاري نتانياهو في جلسات مغلقة، بقولهم:"أنه يجب معاقبة عباس، لذهابه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية بالرغم من عدم رغبتنا في ذلك، ولمواصلة تحركه في الأمم المتحدة ودول العالم الأخرى." وأضاف الاستشاريون بأنهم "لا يريدون انهيار السلطة الفلسطينية ، ولكن إذا حدث ذلك ، فإنه لن يكون نهاية العالم".
وكان قال "دانغوت" خلال المناقشة التي جرت الأسبوع الماضي مع وزير الدفاع ايهود باراك :"إن رئيس السلطة الفلسطينية عباس، هدد بالاستقالة بسبب الجمود السياسي ، وتعزيز لحركة حماس في أعقاب صفقة شاليط، والخوف من فشل عملية الاعتراف من قبل مجلس الأمن الدولي .
الأمر الذي دعا جهاز الأمن والنظام الإسرائيلي، مباشرة بعد الانتهاء من المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى في 18 أكتوبر/تشرين أول الجاري، إلى عقد سلسلة من المباحثات، التي تهدف إلى تقييم الوضع السياسي والأمني العام، وبما يخدم المصلحة الإسرائيلية، وكانت المؤسسات ذات الصلة (المخابرات والأركان العامة، الشاباك وآلية التنسيق للأراضي)، ذهبت جادة لتقييم الأوضاع القائمة والمحتملة، ومن ثم رفع توصيات ضرورية إلى الحكومة الإسرائيلية، لصالح الرئيس عباس، بهدف ترميم الأضرار، التي لحقت به في الصراع مع حماس، في أعقاب صفقة الأسرى، والتي على أثرها تعزز رصيد الحركة في فرض هيمنتها على الوضع السياسي والأمني العام في مقابل الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية.
وكانت أوردت بعض المصادر الإسرائيلية من خلال أقوال مسئول إسرائيلي رفيع المستوى، بأن الرئيس عباس لمس من صفقة الأسرى، التي وُقعت بين الجانبين حماس و(إسرائيل)على أنها كانت جزءاً من محاولة إسرائيلية، للانتقام منه على هذه الخطوة التي قام بها، في الأمم المتحدة. وأن إسرائيل تصرفت بوعي وعن قصد من أجل تعزيز حماس وإضعاف الرئيس عباس.
لكن يجب ملاحظة أن كان هناك قلقاً، لا يقل عما هو حاصل الآن، من قبل الجيش الإسرائيلي، ومنذ فترة طويلة، نظراً للأزمات المتواترة مع السلطة الفلسطينية، بشأن التعنت الإسرائيلي في كل القضايا العالقة، ومواصلة الاستيطان في طول وعرض الضفة الغربية وبخاصةً استيطان وتهويد القدس الشرقية، مما كان لها الأثر السلبي لدى قيادة السلطة الفلسطينية. حتى قبل ذهاب عباس إلى الأمم المتحدة، حيث جاءت مثل هذه الأفكار (اللفتات الإسرائيلية) مجتمعة، بهدف تبريد الأرض تحت أقدام الرئيس عباس، ولكن لحد الآن تم رفضها من قبل القيادة السياسية، وعدم التشاور حولها على الأقل، ولكن الذي كان محل اتفاق على ما يبدو، هو ما يتصل بالجزء الثاني من الصفقة، إذ سيتم في الأغلب، الإفراج عن 550 أسيراً فلسطينياً من الجنائيين وبعضاً من الأمنيين، وسيكون أغلبهم من أعضاء حركة فتح.
بالإضافة إلى ذلك ، وبمناسبة عيد الأضحى وخلال أسبوعين، سيتم تشكيل لجنة مهمتها رفع توصية بالإفراج عن مزيدٍ من الأسرى كبادرة حسن نية اتجاه عباس والسلطة.
وكان تم الكشف عن اقتراح آخر، يتعلق بإعطاء السلطة مزيداً من الأراضي، وفقاً لاتفاقات أوسلو، لتكون تحت السيطرة الأمنية الفلسطينية. وبخاصةً المناطق الشمالية من الضفة الغربية التي تربط بين المحافظات والقرى العربية، والواقعة بين جنين في أقصى الشمال ونابلس وطولكرم في الجنوب، حيث لا يوجد حضور كبير من المستوطنات الإسرائيلية في تلك المنطقة.
وفي أي حال، فإن الجيش، يريد كذلك رفع توصية أخرى، تتعلق بإزالة بعض الحواجز المتبقية في بعض مناطق غير مهمة من الضفة، كل هذه الإجراءات تم تأييدها من قبل وزراء في الحكومة وعلى رأسهم وزير الدفاع باراك (العمل)، الذي أعرب عن تأييده المسبق لأية لفتات تجاه السلطة الفلسطينية. لكن في المقابل، رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو(الليكود) أبدى شكوكه، ما إذا كانت هذه الإجراءات ستفيد.
من جانبه لم يكتفِ وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان(إسرائيل بيتنا) بمعارضة مثل هذه التوصيات وبشدة، فقد دعا إلى إزاحة أبو مازن، باعتباره على حد قوله، بأنه العقبة الوحيدة أمام السلام ويجب إزالتها.
وأضاف ليبرمان:"إنه(الرئيس عباس) يُهدد بالاستقالة، هذا الأمر ليس تهديد، وإنما بركة وأتمنى أن يقدم على هذه الخطوة، لأن من سيأتي مكانه سيكون أفضل منه بكثير.
واتهم ليبرمان الرئيس عباس بالعمل وفقاً لأجندة شخصية قائلاً : " عباس لا يهتم سوى بمكانه وموقعه في التاريخ، وهو شاهد ما جرى للقذافي وبن علي ومبارك، لذلك فإنه يفكر في نفسه، ولا يساعد في تحقيق تسوية ".
وبينما رحب مسئولون في السلطة الفلسطينية بنيّة إسرائيل إطلاق سراح بعضاً من الأسرى الأمنيين، وقدامى المحاربين وأعضاء من حركة فتح، الذين أُسروا قبل اتفاقات أوسلو عام 1993. إلاّ أنهم نفوا بأن السلطة قد أجرت أية مفاوضات مع (إسرائيل)، بشأن نقل المسؤولية الأمنية لبعض المناطق الفلسطينية. لكن الرئيس عباس كان طلب رسمياً من إسرائيل لاستعادة صلاحيات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، لكن ذلك لم يُنفذ بعد.