المكتبة الوطنية في روسيا
أ.د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
عُرفت هذه المكتبة الهامّة والضخمة باسم مكتبة سالتيكوف شيدرين، وتقع في مركز مدينة سانت بطرسبورغ حاليا وليننغراد وبتروغراد سابقا. تُعتبر هذه المكتبة أقدم المكتبات العامة في روسيا، وفي الوقت ذاته، إحدى أكبر المكتبات في العالم أجمع، ولها علاقات تبادل مع أكثرَ من ألفين وستمائة منظّمة منتشرة في مائة وتسع دول. يعود تاريخ إنشاء المكتبة إلى العام 1795 إلا أنها فتحت أبوابَها للقراء في مستهلّ العام 1814. وقد لعبت هذه المكتبة دورا رئيسيا وفعالا في تطوير الحياة العلمية والثقافية في روسيا. ومن الكوكبة المرموقة التي عملت في بناء هذا الصرح المعرفي اللامع، يمكن الإشارة إلى الفنّان والمؤرخ أليكسي أولينن وكاتب الحكايات الشهير ريفان كريلوف والشاعرين قسطنطين باتيوشكوف وأنطون دلفج وأبي الببليوغرافيا الروسية فاسيلي سوبيكوف واللغوي نيقولاي مار، ومن الروّاد لهذه المكتبة العريقة شخصيات أشهر من نار على علم في التاريخ الروسي أمثال: ألكسندر بوشكين ونيقولاي نِكراسوف وليو تولستوي ومكسيم غوركي وإيفان بافلوف. وغالبا ما كانت المكتبة مسرحا مركزيا للفعاليات الثورية، ففي الخامس من كانون الثاني من العام 1905 ألقى غوركي خطابا ناشد فيه الشعب لمحاربة الاتوقراطية، أي حكم الفرد المطلق، كما وعمل فلاديمير لينين في المكتبة ما بين 1893-1895 والتقى سرّا بأعضاء مجموعات ثورية. ولا بدّ من الإشارة إلى دور لينين في تطوير المكتبة وتنجيع خدماتها وتوسيعها لتشمل الجميع. وقد عملت المكتبة على ضوء المبدأ الذي رسمه لينين والذي يقول: إن مجد المكتبة العامّة وفخرَها لا يتمثّلُ في عدد ما تملكه من المؤلفات النادرة بل في تداول الناس للكتب وفي تدفّق القرّاء الجدد، وفي مدى تلبية طلبات القراء للمؤلفات. وفي الوقت الراهن يُقدّر عدد روّاد المكتبة يوميا بأربعة آلاف شخص. وفي غضون الحرب العالمية الثانية 1941-1945 نُقل قسم من المكتبة إلى السراديب لحمايتها من الحرائق، في حين أن الكتب والمخطوطات الثمينة كانت قد نُقلت إلى المناطق الريفية الآمنة. وبالنظر إلى ثراء المكتبة وشموليتها فإنه من الممكن مقارنتها بمكتبات أساسية في العالم مثل مكتبة الكونغرس في واشنطن والمكتبة البريطانية في لندن ومكتبة الدولة على اسم لينين في موسكو والمكتبة الوطنية في باريس. ويبلع عدد ما في مكتبة بطرسبورغ اليوم من كتب ومخطوطات ودوريات ومقالات 28 مليونا ونيّف. ومن الطبيعي أن تكون المجموعة الروسية وتعدادها ستّة ملايين من النسخ أكمل مجموعة في هذا الصدد في العالم بأسره، وهي تشمل مؤلفاتٍ بالروسية والأوكرانية والبيلوروسية. وبناء على قانون كان قد سُنّ عام 1810 يتحتم على ناشر أيّ كتاب في البلاد أن يُهدي المكتبة نسختين منه، وفي المكتبة مجموعة فريدة من نوعها، حوالي 19 ألف نسخة من المؤلفات الكلاسيكية بشأن اللينينية الماركسية، التي صدرت في روسيا ومن ضمنها ثلاثمائة نسخة من مؤلفات ماركس وإنجلز ولينين. وقد كانت المجموعات الهامّة، نتاج بوشكين وكذلك ما يدعى باسم ”الصحافة الروسية الحرّة” التي تشمل خمسة عشر ألف مجلد تقريبا، كانت في عداد غير المشروع والمحظور وكانت قد نُشرت قبل ثورة العام 1917. أما مجموعة الكتب الأجنبية فيصل عددُها إلى حوالي خمسة ملايين نسخة تُعنى بشتّى شؤون العلم والمعرفة. وهناك مجموعة تحت الاسم ”روسّيكا” وتحتوي عى حوالي ربع مليون كتاب ودورية باللغات الأجنبية كانت قد طُبعت قبل العام 1917 وتدور مواضيعُها حول روسيا ومنها ترجمات من الروسية. ومن الطريف حقّاً الإشارة إلى وجود نسخة نادرة من أمر نابليون لغزو روسيا. وفي المكتبة أيضا مجموعة من الكتب والدوريات بلغات سلافية أخرى مثل البلغارية والبولندية والصربو-قراطية والتشيكوسلوفاكية. وبالنسبة للدوريات والمجلات من روسيا ومن أوروبا الغربية فهناك حوالي ستة ملايين نسخة يعود أقدمُها إلى القرن السابع عشر، أما الصحف فعددها حوالي نصف مليون نسخة. ويضمّ قسم الآداب مطبوعاتٍ بستّ وثمانين لغةً لكل القوميات التي كانت تعيش في كنف الاتحاد السوفياتي، وبخصوص آداب آسيا وإفريقيا فهناك ما يقرب من 434 ألف طبعة من ضمنها، على سبيل المثال، قانون الطبّ لابن سينا طبعة 1593، ومن اللافت للانتباه مجموعة المخطوطات وعددها أكثر من أربعمائة ألف مخطوط، والكتب النادرة المطبوعة قبل العام 1501 وعددها أكثر من ستّة آلاف مجلّد. ويعود أقدم مخطوط روسي مورَّخ إلى العام 1056-1057 وهو الإنجيل، إنجيل أوسترومير. وهناك قرابة أربعة آلاف مخطوط إسلامي نصفها تقريبا مكتوب بالعربية ويصل عدد نسخ القرآن الكريم إلى حوالي 240 مخطوطا يعود تاريخ تدوين بعضها إلى القرنين التاسع والعاشر للميلاد، وتعتبر من أفضل المخطوطات في أوروبا كما وهناك مخطوطات عربية من القرنين الثالث عشر والرابع عشر حول فقه اللغة والطبّ والجغرافيا والرياضيات والفلك. قسم كبير من هذه المخطوطات كان موطنه الأصلي في الشرق مثل المسجد الأقدم في القاهرة الذي بناه عمرو بن العاص عام 643 وكذلك من القدس.
وفي ختام هذه العُجالة ننوّه بمجموعات الزعيم القرّائي أبراهام فيركوفتش 1787-1874 وهي تحتوي على حوالي خمسة عشر ألف مخطوط في اليهودية والقرّائية والسامرية وقسم كبير منها بالعربية ولكن بحروف عبرية أشورية أو سامرية وهي في معظمها مبتورة.