المزوزاه، تميمة الباب، العضادة اليهودية
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
لفظة “مزوزاه” غير واضحة التأثيل ولها معنيان، دفّة أو جانب من جانبي الباب (سفر الخروج ١٢: ١٢) ولفافة رقية مربعة (عادة ١٠سم x ١٠ سم ) سليمة من أية خدوش. هذا الرق مُصنع يدويا من جلد حيوان ذبح وفق الهالاخاه، الشريعة اليهودية، ويلف من اليمين إلى اليسار. تلفّ المزوزاه بالنايلون لحفظها من تسرب الرطوبة والتعفن. هنا ينصبّ حديثنا عن هذه اللفافة الموضوعة داخل صندوق خشبي صغير يثبت بزاوية ما على أسفل الثلث الأعلى من الجانب الأيمن من أبواب المنزل اليهودي بالنسبة للداخل باستثناء أبواب الحمام المرحاض والمخزن والإسطبل. ويبدو أن عدم اتفاق الحاخامين بخصوص شكل تثبيت المزوزاه عاموديا أو أفقيا أدى إلى اتخاذ تلك الزاوية. ويكون غطاء المزوزاه من الزجاج أو الخشب أو معدن معين كالذهب والفضة (أنظر سفر التثنية ١١: ٢١).
ينبغي على اليهودي تثبيت المزوزاه في غضون شهر من الزمان لدخول البيت مثلا في المهجر. وتحتوي هذه اللفافة التي ترمز إلى الله والتوراة، على قطعتين من التوراة، سفر تثنية الإشتراع، ٦: ٤-٩؛ ١١: ١٣-٢١. وتاريخيا يمكن القول إن تثبيت المزوزاه واحدة من الـ ٦١٣ (תרי‘‘ג מצוות) فريضة، وكانت علامة واضحة للتعرف على منازل اليهود. ويذكر اللاهوتي اليهودي المعروف، موسى بن ميمون (رمبام، ت. ١٢٠٤)، عشرة شروط لإثبات المزوزاة وهي: أن تكون مساحة البيت أربع أذرع بأربع أذرع على الأقلّ؛ مزوزتان في المدخل؛ مشقوف على المدخل؛ وجود سقف للبيت؛ أبواب في المدخل؛ على الباب أو المدخل أن يكون علوه عشرة طفحيم على الأقلّ؛ على البيت أن يكون مأوى للإنسان؛ مأوى للإنسان وليس مرحاضا أو حماما؛ مأوى دائم لا مؤقت كالعريشة.
فريضة المزوزاة ملقاة على الإنسان وليس على المنزل، الذي يستأجر منزلا في الغربة عليه إثبات المزوزاه إذا عاش فيه شهرا أما في إسرائيل فهذه الفريضة فورية ولا يجوز للمستأجر أخذ المزوزاه معه عند مغادرة المنزل، إلا إذا كان صاحب المنزل غير يهودي ونفس الشيء ينسحب إذا كان المستأجر الآخر غير يهودي أيضا. من يسكن في فندق ما فهو ليس مجبورا بالمزوزاه.
نسخ اللفافة يتمّ بعناية فائقة ويجب أن ينتهي خلال جلسة واحدة دون انقطاع تستغرق حوالي ثلاث ساعات، ويدوّن النصّ في عامود ذي ٢٢ سطرا تحتوي على ٧١٣ حرفا (أما في التفلين فهناك ٣١٨٨ حرفا) موزعة على فقرتين. يقوم الخطاط بالنسخ مستعملا ريشة حقيقية وحبرا أسود وعليه مراعاة قواعد كتابة أشكال الحروف المختلفة. وعلى الخطاط أن يكون ورعا جدا وعالما بأصول مهنته هذه. ويذكر أن الحرفين: ع من “إسمع” (שמע) ود من “واحد (אחד) يُكتبان بحجم أكبر من العادة. ويذكر أن اللفظة العبرية שדי المكتوبة على علبة المزوزاه وتعني نعتا من نعوت الباري القدير تفسّر هنا وكأنها اختصار لثلاث كلمات معناها: حارس أبواب إسرائيل (שומר דלתות ישראל). هناك آلاف (٤٦٤٩) المواصفات والتعليمات المتعلقة بإعداد المزوزاة السليمة لكي تكون ناجعة في حماية الإنسان عند دخوله وخروجه (أنظر سفر المزامير ١٢١: ٨). من الجائز تثبيت المزوزاة بدون “بيتها” ولكن بغية المحافظة عليها مدّة أطول يفضّل إدخالها في علبة. وعلى الخطاط، كاتب اللفافة، أن يفحص المزوزاه مرتين كل سبع سنوات ولكن في حالة الريبة والشعور بعدم الرضا والراحة في البيت ووجود القال والقيل يمكن إجراء الفحص الاستثنائي. ويذكر أن الفحص الحاسوبي متوفر الآن. وهناك إحصائيات تدل على أن قسما كبيرا منها تكون غير صالحة وهذه “تكنز” في الكنس أو في معامل المزوزاه. وهناك سمات معينة للمزوزاه لدى الطوائف اليهودية المختلفة كالإشكناز والمزراحيين (الشرقيين) والسفارديم واليمنيين. ولا يجوز نزع المزوزاه عند انتقال الساكن إلى منزل آخر إلا إذا كان الساكن الجديد غير يهودي (بابا متصيعه ١٠٢أ). ويروى في الچمارا أن شخصا كان قد نزع المزوزاه من مكانها وأخذها معه ففقد زوجته وأولاده، عمل كهذا يعني استحضار الشرور. والتصوف اليهودي، القبّالاه، يعزو معظم الأمراض والكوارث إلى العين الشريرة والنميمة والكراهية. وكتاب الزوهر يعتبر مصدر بركة وحماية حيثما تواجد.
يعود مصدر فريضة المزوزاه إلى سفر التثنية ٦: ٩ وتكتب على ورقة واحدة، تثنية ٦ و ١١ وهناك أحجام مختلفة للمزوزاه مثل ٦ في ٦سم أو ١٠ في ١٠سم أو ١٢ في ١٢ أو ١٥ في ١٥. أو ٢٠ في ٢٠.
الهدف من المزوزاه التذكير بوجود الله وحضوره، عند دخول الشخص إلى البيت وعند خروجه منه يلمس المزوزاه بأنامل اليد اليمنى ويتذكر فروضه وواجباته نحو الخالق ويقول: ليحرس الله خروجي ودخولي من الآن وإلى الأبد. وهناك من يقبّل المزوزاه، إلا أن التقبيل عادة وليس فرضا دينيا. وعند تثبيت المزوزاه الرئيسية على باب المدخل تتلى هذه البركة “مبارك أنت يا الله إلاهنا ملك العالم الذي قدّسنا بفروضه وأمرنا بتثبيت المزوزاه”. ويتراوح ثمن المزوزاه من أربعين دولارا إلى أكثر من مائة دولار. يحق للمرأة أيضا القيام بهذا الفرض وعلى الذكر أن يكون قد وصل عمر الثلاثة عشر عاما، البار متسڤاه. ولا تتلى البركة على مزوزاه فُحصت وكانت سليمة.
يُحكى (في التلمود الفلسطيني پيئاه ١: ١) أن ملكا أهدى ذات مرة جوهرة لا تثمّن لربي يهودا الرئيس (١٣٥-٢٢٠م) قائلا له أودّ بالمقابل الحصول على شيء مثيل للجوهرة. وهذا الرابي، جامع الجزء الأكبر من التلمود، كان من أغنى اليهود إلا أنه قدّم للملك مزوزاه هدية. دُهش الملك من هذا وقال: أرسلتُ لك شيئا لا يثمّن وأنت تهديني أمرا يمكن شراؤه بمبلغ بخس؟ردّ الرابي عليه: “أنت بعثت إليّ هدّية عليّ حراستها أما أنا فقد أهديتك شيئا يقوم بحراستك”. ويُروى أن رُسل القيصر سألوا أُنقولس (عقيلس، متهود، مترجم التوراة للآرامية) ما المزوزاه؟ فردّ: “المألوف أن يجلس الملك ملك اللحم والدم في الداخل وعبيده يحرسونه من الخارج، أما الخالق سبحانه وتعالى فإن عبيده يجلسون في الداخل وهو يحفظهم من الخارج” (سفر عڤوداه زَراه).
رشاد عبد الشامي، الرموز الدينية في اليهودية: المنوراه، نجمة دا ود، الطاليت، الصيصيت، المزوزاه، الشوفار، تابوت العهد، الختان. جامعة القاهرة ٢٠٠٠ (١٧٩ ص.).