هل ينتصر المالكي للأسد أم يهدد عموم السنّة؟!
ياسر الزعاترة
يبدو أن السيد نوري المالكي، زعيم حزب الدعوة (الإسلامي الثوري سابقا)، ورئيس وزراء العراق حاليا قد ذهب أبعد من إيران ذاتها في نصرة الرئيس السوري بشار الأسد، إذ لم يكتف بتهديد السوريين الثائرين ضده فحسب، بل هدد عموم السنة في المنطقة أيضا، بمن فيهم غير العرب. في أحدث تجلياته السياسية ذهب المالكي حد القول إن قتل بشار الأسد أو الإطاحة به سيؤدي إلى حرب أهلية في سوريا، وأن العنف الطائفي سيجتاح المنطقة برمتها، من دون أن ينسى كما هي عادة مؤيدي الأسد التأكيد على الديمقراطية وحق الشعوب في المشاركة السياسية من خلال انتخابات حرة وديمقراطية (بالله عليك كيف سيطبق ذلك في سوريا؟!). من الناحية الواقعية بات واضحا أن المالكي الذي يسيطر عمليا على العراق الجديد بدعم إيراني بعد تهميش العرب السنة، يقف بكل ما أوتي من قوة خلف نظام الأسد، وهو يسعى إلى أن يشكل بديلا عن الجار التركي (العدو اللدود حاليا). وإذا شئنا الدقة فإن بواكي بشار الأسد في المنطقة باتوا ينحصرون عمليا في إيران والمالكي وحزب الله، وربما عموم القوى الشيعية في المنطقة (معها نسبة من بعض الأقليات الأخرى لاعتبارات طائفية)، إلى جانب حفنة من النخب اليسارية والقومية التي لا تمتلك شعبية تذكر في الشارع العربي، بينما تقف غالبية جماهير الأمة في المربع الآخر. هل إن هؤلاء جميعا عاجزون عن إدراك معادلة المقاومة والممانعة وحساسيات الصراع مع العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية؟! وهل من اليسير اقناعنا بأن هذا الاصطفاف الشيعي شبه الشامل خلف الأسد لا صلة له البتة بالأبعاد المذهبية؟! بعض الناس يتهموننا بالانحياز المذهبي والطائفي، بينما يتجاهلون كل تلك الطائفية التي تفوح من مواقف أولئك، ويصنفونها ضربا من الوقوف ضد الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية. ويشهد الله أننا لا نتبنى أي خطاب طائفي، ولم نؤيد منهج التكفير يوما، وشعارنا في ذلك قول ربنا “لا إكراه في الدين”، وبالضرورة في المذهب، ونعتقد أن معظم الناس قد أخذوا أديانهم ومذاهبهم بالوراثة، ونرى عبثية الاقتتال حول النجاة في الآخرة (الحوار حولها يكون بالحسنى)، مع ضرورة التفاهم على إدارة الدنيا. وهنا تحديدا مربط الفرس، إذ لا يعقل أن نقف ضد ثورة الشعب السوري مجاملة لمواقف سياسية لبشار الأسد، لأن أي تاريخ له مهما كان لا يبيح له قتل شعبه المطالب بالحرية (دعك من الجدل التقليدي حول تاريخ النظام ومواقفه). موقفنا من ثورة الشعب السوري لا صلة له بالمذهب على الإطلاق، ونحن مع حرية الناس في أي مكان كان، بما في ذلك في البحرين التي يصرخ أولئك طلبا لنجدتها لاعتبارات مذهبية، مع أن الفرق كبير جدا بين الحالتين، وعموما ليس لنا تحفظ على الاختيارات الحرة للشعوب. نشعر بالحاجة إلى تكرار ذلك كله في كل مقال يتعلق بالشأن السوري لأن الأصوات إياها لا تتردد في الحديث عن المؤامرة، لكأن هذه الأمة التي تقف ضد بشار الأسد أمة متآمرة، أو قليلة العقل في أقل تقدير. ولم يبق فيها سوى الطائفيين ومعهم ثلة من اليساريين والقوميين ممن أدركوا ببصيرتهم النافذة فصول المؤامرة!! عودة إلى المالكي الذي يهيمن طائفيا على العراق، ويهمش الآخرين بكل وسيلة ممكنة (أين الديمقراطية من سرقته حق تشكيل الحكومة من الكتلة الأكبر في البرلمان بعد الانتخابات؟!). فمثل هذا الرجل لو أقسم ألف مرة على أن موقفه من سوريا لا صلة له بالمذهبية والتحالف مع إيران، فلن يصدقه أحد، لأن الأمر أوضح من أن يحتاج إلى أدلة. بأي حق وبأي منطق يحشر المالكي شعب سوريا بين خيارين (الحرب الأهلية أو القبول ببشار الأسد)، وهل هذه هي الديمقراطية والمشاركة السياسية التي يؤمن بها؟! وبأي حق وأي منطق يخيّر ما تبقى من الأمة بين الحرب المذهبية وبين بقاء الأسد، وهل يعتقد أن حربا كهذه ستكون في صالحه وصالح من يتحالف معهم؟! ندرك أكثر من المالكي مخاطر الحرب المذهبية، وقد تحدثنا مرارا وتكرارا عن تفاهم عربي (بقيادة مصر) مع إيران وتركيا على قواسم مشتركة وتعزيز لعلاقات الأخوة والجوار، لكن مصير شعب سوريا، وأقله ثلاثة أرباع سكانها ليس برسم المساومة بأي حال. ما ينبغي أن يفهمه المالكي وحلفاؤه هو أن الأمة لن تتراجع أمام التهديد، وهي تؤمن أن معركة السوريين من أجل الحرية معركة عادلة ولا بد من خوضها ونصرتها بكل وسيلة ممكنة. أليس هذا هو منطق الحسين الشهيد الذي يحتفلون بذكرى استشهاده بينما يخالفون منهجه على رؤوس الأشهاد؟!