بسم الله الرحمن الرحيم
شاهنشاه "سوريا" .. د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
دائما ما يرد على الخاطر سؤال، ونحن نرى عذابات المستضعفين في أمكنة كثيرة، ليس آخرها ما يكون في "سوريا" اليوم: كيف يجرء الإنسان ويقدر على إيذاء الإنسان: بذبحه من نحره كنعجة، أو حرقه، أو تهشيم رأسه، أو قتل طفل، أو امرأة، أو تشويه وخرق جسده ؟.
أي قلب هذا الذي احتمل فعل هذه الجرائم ؟.
وأي عقل هو؛ حكم فقضى قضاء فاجرا؟.
أكل هذا من أجل من الملك، والعظمة، والشرف، والرياسة ؟!.
سمعنا من توابع هذا النظام الفاجر، الحاكم لهذا الشعب الصابر،كلمات موغلة في الكفر. فمنهم من قال: الملائكة تنشق، والجيش لا ينشق.
ومنهم من قال: البعث ديني وربي بشار الأسد.
ومنهم من قال: أتحداك وأتحدى من خلقك.
ومنهم من قال: لا يستطيع أحد أن يحشرنا في زاوية، نحن نحشر الله وخلقه في زاوية.
نعوذ بالله من الفجور والكفر المبين، من تجرأ على هذا، فهو على دماء الناس أجرأ ؟.
ومن حسن ما أدركه أهل البصيرة والحكمة: أن مجرد التحدي والمنازعة لله تعالى في عظيم كبريائه، موجب لنكاية بالغة، وسرعة زوال الملك.
نّكل بفرعون حاكم مصر: {ولقد جاء آل فرعون النذر * كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر * أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر * أم يقولون نحن جميع منتصر* سيهزم الجمع ويولون الدبر * بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}.
فرعون الذي فعل العظائم مع شعبه؛ شعب مصر: {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين }.
والذي تطاول على مقام الله تعالى، فادعى الربوبية:
{وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين}.
{فأخذه الله نكال الآخرة والأولى * إن في ذلك العبر لمن يخشى}.
لكنهم لا يعتبرون ولا يخشون، ليس لأن حكام "سوريا"، نصيرية شيعة رافضة باطنية، ليسوا معدودين في أهل الإسلام، كما هو إجماع أهل العلم من المسلمين.
فجرائم القتل واستباحة دماء الأمة من أجل الملك، ديدن كل من خرج طالبا للملك والعلو في الأرض، كان مسلما أو كافرا، سنيا أو شيعيا، فهي نزعة شيطانية، تستولي على كل طالب للعلو في الأرض، حتى فيما دون الملك والرياسة.
يقتل المرء أخاه؛ الذي هو من أمه وأبيه، ويقتل أباه، عند التنازع على مال أو أرض.
وقد ذكر عن سلطان من سلاطين آل عثمان – وهم مسلمون سنة- قتله لتسعة عشر نفسا من إخوته، حتى لا ينازعوه الملك، وحصل شيء من هذا في الدولة السلجوقية، وهي سنية كذلك. [انظر: البداية والنهاية 12/18 حوادث432]
وفي أخبار الدول شيء كثير من هذا.
فإذا المرء لم يزك نفسه، ويجتنب خبائثها، أو فإنها ترديه في الحرص والشره، وما ينتج عنه من عدوان آثم، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أمرين أمته: المال، والإمارة.
أي من السعي فيهما حثيثا شحا وحرصا، فقال: (والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم). متفق عليه
وقال: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة). رواه البخاري
هذا المال، وهذه الرياسة جعلت من هؤلاء الحكام وحوشا، والوحوش أرحم منهم!.
هل كان يخطر ببال أحدهم، قبل أن يلي ما يلي: قتل واحد من شعبه، أو أن يمثّل به حيا، فيقطع ويمزق اللحم، وينشر العظم؛ ليبقى فلا يزول عن كرسي العرش ؟.
إنما خطوات الشيطان تقوده، خطوة.. خطوة؛ ليضحي بكل شيء حتى بأعوانه: أولاده، وأبويه، وزوجه، وإخوته، وكل شيء. ليبقى هو الآمر الناهي!.
والظالم قد يدوم ملكه زمنا، لكن المنازع لله تعالى في عظمته ملكه لا يدوم.
فكل من تطاول على الله تعالى، فقد حفر قبره بنفسه، كما تقول العامة، وكتب نهايته بيده، وجلب على نفسه الشؤم، فمن نسب نفسه إلى الربوبية، أو نُسب إليها، وتلقاها وهو راض، فإن ملكه زائل لا محالة عما قريب، هكذا علمنا القرآن والتاريخ.
فمنازعة الله تعالى في ملكه أمر عظيم، ولو بمجرد اللفظ، قال تعالى: (العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعتني فيهما عذبته).
وقد كان الملك العزيز أبو منصور بن جلال الدولة آخر حكام الدولة البويهية في بغداد، وهي دولة شيعية، وكان أن سماه الخليفة بشاهنشاه الأعظم ملك الملوك. فخطب على المنابر بذلك، فنفر الناس، ورموا الخطباء بالآجر، ووقعت فتنة شديدة بسبب ذلك، واستفتوا القضاة والفقهاء في ذلك، فأفتى أبو عبدالله الصيمري:
أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية . وقد قال تعالى: {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا}، وإذا كان في الأرض ملوكا، جاز أن يكون بعضهم أعظم من بعض، وليس في ذلك ما يوجب المماثلة بين الخالق والمخلوق.
وكتب القاضي أبو الطيب الطبري بنحوه موافقا، ومثله التميمي الحنبلي، هذا في سنة429هـ.
إلا إن الماوردي صاحب الحاوي الكبير نقل عنه القولان، والمشهور أنه منع وأصر على المنع، نقله ابن الجوزي وابن الصلاح في أدب المفتي، وكان يصحب الملك جلال الدولة، وله عنده وجاهة، فامتنع بعد عن الحضور، حتى استدعاه يوم عيد، فدخل على وجل، فقال له الملك: قد علمت أنه إنما منعك من موافقة الذين جوزوا ذلك، مع صحبتك إياي ووجاهتك عندي، دينك واتباعك للحق، وأن الحق آثر عندك من كل أحد، ولو حابيت أحدا من الناس لحابيتني، وقد زادك عندي صحبة ومحبة، وعلو مكانة.
ومع ذلك، بقي على هذا الاسم، حتى كان من شؤم ذلك عليه، أن كان آخر ملوك بني بويه، ونزع الله الملك منهم، وجعلها في غيرهم. [البداية والنهاية 12/43-44]
{قل اللهم مالك الملك تؤتي من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}.
لم يكن الذين أفتوا بجواز التسمي بملك الأملاك مسددين موفقين، بل كانوا مضرين مفسدين لضمير الحاكم ودينه، وبالقطع منهم من أفتى به تزلفا أو خوفا.
ولو أن كل نص ترك معناه الظاهر، وصرف إلى غيره بالتأويل، لما بقي شيء من أوامر الله تعالى بدون تأويل وتحريف عما أنزلت له.
لقد أفتى في هذه المسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو نص جلي واضح، فقد روى أحمد بسنده عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه، رجل تسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله عز وجل).
وفي رواية له: (اشتد غضب الله على رجل تسمى بملك الأملاك، لا ملك إلا الله عز وجل).
فبحسب هذا النص، يحرم التسمي بهذا الاسم، لو كانت النية صالحة، ليست فيها منازعة لملك الله تعالى؛ أي النهي عن هذا اللفظ بذاته، بقطع النظر عن النية والقصد، هذا واضح.
وخطأ من أفتوا الملك العزيز: أنهم خصوا المحرم وحصروه في النية، وأما الألفاظ فلا إثم فيها، ما دامت النية صالحة، ولو كانت قبيحة أو خاطئة.
وهذا ليس بعلم، فإن من نظر في نصوص الكتاب والسنة، وجد فيهما المؤاخذة باللفظ حتى لو خلت من نية السوء، ألم يحكم على قوم تكلموا في الصحابة بكلام قبيح بالكفر، ثم اعتذروا بأنهم لم يقصدوا الإساءة، إنما التفكه، وقال: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.
ألم يقل عليه الصلاة السلام: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة، من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه) ؟. مالك في الموطأ
قال: (لا يلقي لها بالا)؛ أي لم يقصد وينوي بها سوءا.
وقال: (ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة). أبو داود
فالنية في أمور معتبرة، لا يحاسب على اللفظ إلا بها، وفي أمور يحاسب على مجرد اللفظ، كما في أحاديث النهي عن التسمي بملك الأملاك.
إن العزيز جلال الدولة كان بحاجة إلى نصيحة، ولم يكن بحاجة إلى خديعة، فالعالم إذا أفتى على هوى الحاكم، فهو يخدعه ولا ينصحه، وإذا تكاثر الذين يخدعون الحكام، أفسدوهم وأغروهم بالظلم والعدوان، فإذا كان الله يزع بالسلطان، فإنه يزع بالعالم ما لا يزع بغيره.
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
√♥ الرحيــلي ♥√
أبو ماجد _ شاهنشاه "سوريا"