د. مصطفى يوسف اللداوي
حماسٌ والجهاد وحدةٌ أو اندماج
إنه حلمٌ كبير كان يراود الفلسطينيين جميعاً منذ سنواتٍ طويلة ولكنه تأخر، وأملٌ بعيد كان يداعب خيالات رواد الحركة الإسلامية في فلسطين، ويشغل بالهم، ويقلقهم على مستقبل بلادهم ومصير شعبهم، ويؤنب ضميرهم على تقصيرهم أو تأخرهم، ويحزنهم على ضعفهم وعجزهم وقلة حيلتهم، ويحرجهم أمام أهلهم داخل فلسطين وفي الشتات، وأمام شعوبهم العربية والإسلامية المحبة والمتعاطفة، وهي التي تبذل الغالي والنفيس لنصرة الفلسطينيين جميعاً ومساندتهم في مقاومتهم ونضالهم، فهي لا تفرق أو تميز بينهم إلا بقدر المقاومة والبذل والعطاء والفداء، فهي تحب أن تراهم جميعاً موحدين متفقين، لا اختلاف بينهم، ولا صرعاتٍ تنشأ بين أتباعهم، ولا معارك تنشب بين فصائلهم وكتائبهم، ولا تناقضاتٍ في مواقفهم، ولا مساعٍ لإحراج بعضهم، وإضعاف قوتهم أو كسر شوكتهم، إذ أن هذا يكيد عدوهم ويغيظه، ويفشل مخططاته ويذهب بمؤامراته، ويضعف أثر حملاته عليهم، ولكن تأخر الاتفاق يضعف حجة الفلسطينيين أمام محبيهم ومناصريهم، ويفقدهم القدرة على تبرير التعدد والاختلاف، وتفسير أسباب عدم الالتقاء والوفاق، فضلاً عن مبررات الصراع والقتال والاشتباك.
إنها الوحدة الحقيقية المنشودة بين حركتي حماس والجهاد التي عمل من أجلها رجالٌ كبار، وضحى في سبيلها قادةٌ عظام، وبذلوا من أجل تحقيقها أقصى ما يملكون، وغاية ما يستطيعون، علهم يتمكنون يوماً من توحيد صفهم، وجمع كلمتهم، إذ لن يغفر لهم الشعب والتاريخ عجزهم عن الوحدة، وتأخرهم عن الاتفاق، وترددهم عن تجاوز الخلافات ووأد الصراعات، إذ أن الحركتين معاً تمثلان الحركة الإسلامية الأصيلة في فلسطين كلها، ولا يوجد أطرٌ إسلامية تنظيمية عريقةٌ مقاومةٌ مثلهما، فهما الحركتان الإسلاميتان الفلسطينيتان المسكونتان بالمقاومة، والعاملات بجد لتحرير فلسطين وتخليصها من الاحتلال، وهما اللتان ضحتا بخيرة رجالهما ومقاوميهما على أرض المقاومة، مقاتلين في الميدان، أو تصفيةً واغتيالاً بالطائرات والصواريخ، ومعاً يلتقي أسراهما في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، إخوةً متحابين، ومجاهدين متوافقين، ينسقون فيما بينهم، ويتعاونون على تطبيق برامجهم المشتركة، تتلاشى بينهم الفوارق، وتتعاظم بينهما القواسم المشتركة، وأتباعهما معاً يصلون في مساجدٍ واحدة، ويتلقون العلوم والدروس الدينية في ذات المساجد، يصطفون معاً، ويلتقون معاً، ويخرجون من مساجدهم إلى شوارعهم وبيوتهم وجامعاتهم وأعمالهم معاً، حالهم واحد، وسمتهم واحد، وهيأتهم واحدة، لسانهم مشترك، وبيانهم واحد، وموقفهم موحد، فلا يستطيع أحدٌ التفريق بينهم، فهم أبناء حركةٍ إسلاميةٍ فلسطينيةٍ واحدة.
الوحدة المنشودة بشتى أشكالها بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي، جبهةً أو اندماجا أو ذوباناً في بعضهما وتحولاً إلى حركةٍ واحدة، سؤالٌ يتردد كثيراً على ألسنة المحبين للحركة الإسلامية الفلسطينية، ويدفع كبار المفكرين والمهتمين بالشأن الفلسطيني للتساؤل الاستنكاري عن سبب تأخر وحدة الحركتين الإسلاميتين أو اندماجهما معاً، وتحولهما إلى حركةٍ واحدة، أو جبهةٍ إسلامية موحدة، فأفكارهما واحدة، ومواقفهما مشتركة، ورؤيتهما للصراع ومستقبله واحدة، وقضايا الاختلاف بينهما محدودة جداً، ويمكن تجاوزها واعتبارها جزءاً من اجتهادات واختلافات أبناء التنظيم الواحد، وقدرتهما على استيعاب بعضهما كبيرة، علماً أن جهوداً كبيرة قد بذلت بين الحركتين في السنوات الماضية، خاصةً في ظل قيادة الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي لحركة الجهاد الإسلامي وبعد استشهاده، وقد بذل مسؤولون عرب ومسلمون جهوداً كبيرة لجمع الحركتين، وتوحيد صفهما وتحولهما إلى حركةٍ فلسطينية إسلامية واحدة، ومارسوا ضغوطاً كبيرة على قيادة الحركتين، إلا أن تلك الجهود قد باءت بالفشل، ولم تتمكن من الوصول إلى الهدف المنطقي والطبيعي الذي لا بديل عنه.
لا يستطيع أحدٌ أن يتصور حجم ونتائج اتفاق حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وأثر ذلك على الشعب الفلسطيني كله، وعلى الأمة العربية والإسلامية، ونتائجه على الكيان الإسرائيلي، وتداعياته على الأرض والميدان، وعلى السجون والمعتقلات، فاتفاق الحركتين يعني وحدة القرار السياسي، واتفاق العمل التنظيمي، وتنسيق الجهود الميدانية، وتخفيف الأعباء المالية، وتحسين الأداء العسكري، وزيادة القدرات القتالية ضد العدو الإسرائيلي، ورفع الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، ورسم صورة جميلة له لدى المجتمع الدولي كله، وتحريضٌ للقوى الفلسطينية الأخرى لأن تتفق وتتحد، وأن يكون لها إطارٌ واحدٌ جامعٌ وناظم، يكون للحركتين فيها حضورٌ وأثر، وفعلٌ جاذب، وإضافة مميزة، وسيكون للوحدة بين الحركتين أثر كبير على أسراهم في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، الذين يتطلعون أكثر من غيرهم للاتفاق والوحدة، ويتساءلون عن أسباب تأخيرها ومعوقات عدم إنجازها، رغم أن منطلقاتها موجودة، وعواملها متوفرة، وقادة الحركتين فيهما متفقين على ضرورتها ووجوب تحقيقها في أقربِ وقتٍ ممكن.
أما الكيان الصهيوني فإنه سيكون أكثر المتضررين من هذه الوحدة، ولن يعجبه تلاقي الحركتين، واتفاق الجناحين، وتوحيد الصفين، وسيعمل ما استطاع لتقويض جمعهما، وتفريق صفهما، وإحداث الوقيعة بينهما، وهو الذي دأب على الاستفراد بعناصر الحركتين، واستهداف نشطائهما وقتل مقاوميهما، والتمييز بينهم بقصد الوقيعة بينهما، إ ذ أنه يدرك أن وحدتهما تعني أداءً عسكرياً مختلفاً، وفعلاً ميدانياً مغايراً، مما سينعكس أثره على ميزان المقاومة، مما يعني توسيع دائرة الأهداف الإسرائيلية، وزيادة نسبة الخسائر في الأرواح والمعدات الإسرائيلية، كما يعني صعوبة تنفيذ الجيش الإسرائيلي لمخططاته، وعجزه عن إحداثٍ خرقٍ في صفوف المقاومة، والتسلل من خلال نقاطها الضعيفة إلى عمق الأراضي الفلسطينية، وهو ما كان يستطيعه في ظل غياب التنسيق وتعذر الوحدة والاتفاق.
هل تأخر الفلسطينيون في الإعلان عن انطلاق مشروع الوحدة أو الاندماج بين حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" والجهاد الإسلامي في فلسطين، بعد مضي أكثر من ربع قرنٍ على انطلاقهما كحركتين مقاومتين مقاتلتين في فلسطين المحتلة، وقد كان حرياً بهما أن يبادرا إلى الوحدة والاتفاق منذ سنين، وأن يقطعا على العدو الذي يتربص بهما الطريق، ويثبتا أنهما حركةً واحدة، ذات منطلقاتٍ إسلامية ووطنية واحدة، يقاتلان ذات العدو، ويسكنان ذات الأرض، ويحملان ذات الأهداف، ولكنهما اليوم ومن أعلى الهيئات القيادية في الحركتين يقرران بحريةٍ واستقلاليةٍ تامة، ومسؤولية وطنية حقيقية، مباشرة حوارات الوحدة والاندماج في ظل الربيع العربي الواعد، وإرادة الشباب الواعي، ودعوات التغيير الثورية العربية القادرة.
moustafa.leddawi@gmail.com دمشق في 18/1/2012