العلاقة بين القرآن والكتاب المقدس (تابع)
أخلاق
ص ص 207 & 208 من كتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي
ليقيم مالك بن نبي المقارنة بين القرآن والكتاب المقدس يقدم لذلك بالأخلاق اللادينية التي تهدف إلى المنفعة الذاتية العاجلة فقط بينما الأخلاق الدينية (التوحيدية) لا تنفي المنفعة لكنها تذهب إلى أبعد منها حيث تمتاز بمراعاة منفعة الآخرين أيضا ناشدة دوما ثواب الله في المقام الأول قبل الفائدة الشخصية.
ثم يشرع المؤلف في عرض الأحوال المختلفة للظاهرة الخلقية بين الكتاب المقدس بتوراته وإنجيله والقرآن
فيقول من أجل هذا الثواب (صاغت الثرات الميثاق الخلقي الأول للإنسانية في وصاياها العشر)
(وساق الإنجيل توجيهاته في عظة المسيح على الجبل)
وفي الكتابين مبدأ أخلاقي سلبي يقول مالك
حيث يأمر الأول الناس باجتناب الشر
بينما يأمر الثاني بعدم مقاومة الشر
أما القرآن (فسيأتي بمبدأ إيجابي أساسي) لإكمال منهج الأخلاق التوحيدية, هو مبدأ (لزوم مقاومة الشر) مخاطبا أتباعه بقوله عز من قائل:
(كنتم خير أمة أخرجت للناس, تأمرون بالمعروف, وتنهون عن المنكر)[آل عمران 110/3].
ثم إن القرآن يقر الجزاء اساسا للأخلاق التوحيدية
أما في الديانة اليهودية فلم تظهر القيمة الدينية للفرد إلا في عهد "حزقيال - Exachiel) فقبل ذلك كان الواجب ونتائجه الخلقية تتحملهما الأمة حيث كانت تتوقع جزاءها في نصر مؤقت (يوم ينصر الإله قومه).
وعلى العكس من ذلك كان الإنجيل .. (نهاية ص 207).
يكمل المؤلف المعنى في ص 208 فقد جعل الإنجيل الجزاء كله في يوم القيامة فالأخلاق من مسائل الآخرة وهي كلها من الهموم الشخصية.
أما القرآن فقد أقام البناء الخلقي على أساس القيمة الخلقية للفرد وعلى العاقبة الدنيوية للجماعة, فثواب الفرد يكون يوم الحساب وهكذا تكون القيمة الدينية للفرد في قوله تعالي:
(ذرني ومن خلقت وحيدا) [المدثر 11/74].
كما أن جزاء الجماعة الأخلاقي في القرآن عاجل يعبر عنه القرآن بدعوتنا إلى تأمل عقاب الأمم البائدة والحضارات الزائلة:
(قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين) [الأنعام 11/6]
كما يعنف القرآن تلك الأمم قائلا:
(أو لم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن, مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم, وأرسلنا عليهم سماء مدرارا, وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم, فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين). [الأنعام 6/6] .. نهاية ص 208 وموضوع الأخلاق الذي سيكون متبوعا في لقائنا القادم في ص209 بموضوع المجتمع.
يبدو أن العلامة مالك بن نبي وحجة الإسلام لعصرنا يريد أن يفصل كثيرا في مسألة المقارنة بين القرآن العظيم والكتاب المقدس أو كا عنون موضوعه (العلاقة) بينهما وهو في كل قضية يمارس المقارنة فيها ينتهي إلى إظهار الفرق الشاسع بين القرآن والكتاب المقدس باعتبار الأول كلي والثاني جزئي وربما وجدنا دائما تطورا ملحوظا بين التوراة والإنجيل نظرا لأسبقة الأول زمنيا وبالتالي يكون أقل تطورا من الثاني بطبيعة الحال وكلاهما جزئي موجه إلى أقوام معينين وفي زمن ومكان معينين بينما القرآن كلي شامل خاتم كامل موجه إلى البشر كافة في كل زمان ومكان والواضح أن القصد هو تسجيل هذه الحقيقة الواضحة فالمقارنة لا تصح أصلا بين الكل والجزئي بالإضافة إلى أن الجزئي تعرض للتشويه والتحريف وبقي الكلي سالما لم ينل منه أي تحريف أو تشويه ورغم كل هذا يتحدثون عن صواب الأول وانتحال الثاني وكونه ليس تنزيلا من السماء ولا مبلغه ومتلقيه برسول وقد يكون هذا هو هدف مالك بن نبي من هذه المقارنة المفصلة الدقيقة الحاسمة كما يفعل في كل موضوعات كتابه الأساسي "الظاهرة القرآنية" الذي أرسى فيه القاعدة الأساسية المتينة كما هي بطبيعتها وراح يشيد صرحه الحضاري الشامخ عليها بعد أن أنهى الجدل بالحجة والبرهان بكل الأدوات الحاسمة علما ومنطقا ومقارنة مباشرة دقيقة ومعمقة بين النصوص المتنوعة سواء كانت مرسلة سماوية أو موضوعة أرضية زمنية. لعلنا نضيف شيئا ما أو على الأقل نزيد الأمر وضوحا وعمقا ودقة عندما نناقش الموضوع ونتحاور فيه أثناء سهرتنا الفكرية الليلة.
https://www.facebook.com/groups/malekbenabbi/