سمعان عازار طنوس سروجي النصراوي
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
يبدو لي أن قلّة قليلة حتى من أهالي الناصرة تعرف شيئا ذا بال عن ابنها البارّ المكرّم، سمعان عازار طنوس فضول جرجس يوسف … فرعون سروجي الساليزياني، مثله مثل الطوباويتين، ماري الفونسي القدّيسة المقدسية، مؤسسة الرهبانية العربية النسائية الوردية في القدس، ومريم البواردي القديسة العبلينية. وُلد سمعان في الخامس عشر من نيسان عام ١٨٧٧ في الناصرة بالقرب من مزار البشارة ولاقى وجه ربه في السابع والعشرين من تشرين الثاني سنة ١٩٤٣ في دير بيت جمال (كفر جمالا نسبة إلى ربّان جملائيل الأول، معلم بولس والذي وُلد هناك، أُسس الدير عام ١٨٨١)، بالقرب من القدس.
والده عازار الكاثوليكي الملكي، تزوج ثانية من دلة إبراهيم خولي المارونية سنة ١٨٥٦ وأنجبا عشرة أولاد مات ستة منهم في صغرهم. وتعود جذور نسب السروجي إلى فرعون في حوران وفرزل في لبنان، أما الأم فكانت نصراوية الأصل. وأسرة السروجي هذه كانت قد قدِمت إلى الناصرة واستقرّت فيها منذ سبعينيات القرن الثامن عشر. واللقب “سروجي” مأخوذ من صناعة السراجة، مهنة زاولها بعض الجدود. تيتّم الصبي سمعان، نحيل الجسم، أصغر الأبناء، من كلا والديه وهو ابن بضع سنوات فقط، فربّته جدّته، بهجة عيد، وبعد وفاتها انتقل دور الرعاية والعناية بالفتى إلى عمّته، روجينا سروجي، التي أرسلته عام ١٨٨٨ إلى دير بيت جمال وبعد ذلك إلى ميتم بيت لحم حيث أنهى مرحلة الدراسة الابتدائية وشرع بتعلم الخياطة.
وفي صيف ١٨٩٤ وصل سمعان إلى بيت جمال بالقرب من بيت شيمش بغية الترهب وتحلّى بأخلاق سامية وبحب الغير وكان قدوة للآخرين وتمتّع بقلب عامر طافح بالإيمان. وفي خريف ١٨٩٦ أتمّ الرياضة الروحية في دير كريمزان في مدينة بيت جالا والتحق بالجمعية السالسية، ثم كرّس ذاته لخدمة يسوع المسيح وظل يعمل بكدّ ونشاط نصف قرن من الزمان في دير جمال. عاش حياته بنقاء روحاني وصوفي وعمل قدر ما كان في استطاعته لمساعدة الغير، مسيحيين ومسلمين على حد سواء، قصدوه من قرابة خمسين قرية مجاورة، وثقوا به كامل الثقة وقالوا “بعد الله هناك سروجي”. زاول مهام عدّة من خياطة وتدريس في الصفوف الابتدائية وتهيئة الفتية للمناولة وتمريض وإدارة أعمال المستوصف والطاحونة والمعصرة والفرن والدكّان. قام سمعان بكل ما أوكل إليه من واجبات بكل إخلاص واتقان وبشاشة وجه ولوجه حبيبه الأول والأخير، يسوع المسيح.
ويُحكى أن أحد العرب المسلمين الذين اشتركوا في جنازة سمعان قال “لو كان سروجي مسلما لجعلنا منه وليا من أوليائنا”. وقد نُقش على شاهد قبره “مواطن المسيح فبذل نفسه في سبيل كل إنسان حتى أصبح صورة للمسيح وديعا متواضعا على مثال السامري الصالح”. ولُقّب سمعان سروجي بعد مماته باللقب “خادم الله” عام ١٩٦٦ وفي سنة ١٩٩٣ أطلق البابا يوحنا بولس الثاني، طيّب الذكر، لقب “المكَّرَم” على سمعان. لا غرابة في ذلك فسمعان كان طيلةَ حياته في هذه الفانية إنسان تقوى وتعبّد وصلاة ليل نهار دون ملل أو كلل. كانت حياته سلسلة متماسكة من النمو الإيماني العميق، دأب على تناول القربان المقدس يوميا وقبول سرّ التوبة كل يوم سبت وتلاوة صلوات أفراح مريم السبعة إضافة للمسبحة الكاملة.
ومن أقواله نذكر “يتحتم علينا دائما أن نفعل الخير، فالمسيء مسؤول عن عمله أمام الله أما نحن البشر فعلينا فعل الخير على الدوام؛ علينا فعل الخير مهما كلّف الأمر من تضحيات؛ إن في جسم الطفل النحيل المريض نفسا خالدة معدة لرؤية باريها في السماء؛ علينا إنكار الذات وتحريرها من كل فكر وشهوة دنيوية كي نصبح كلنا لله فقط على الأرض وفي السماء على حدّ سواء؛ المحبة تكمل ممارسة العبادة؛ يجب أن يكون المصلوب كتابك المفضّل؛ أىخرج شيء صالح من الناصرة؟ أجاب سمعان: بلى خرج فعلاً شيء صالح من الناصرة، خرج عدم … خرج صفر، وهذا العدم وهذا الصفر هما أنا بالذات، فمن هو بالذات؟ إنه ابن الناصرة، ابن الرهبنة السالسية، رجل صلاة، رجل عمل، إنه المكرّم سمعان سروجي” .
وهذا نصّ صلاة تطويب المكّرم سمعان سروجي:
يا يسوع، يا كلمة الله المتأنّس،
لقد كشفت للبشر
من الناصرة حتى الجلجلة
حبّ الله الأزليّ
وأنت تصنع الخير للجميع،
تكرّم وتمجد مواطنك المتواضع
سمعان سروجي
المثل الساطع لحنانك وعطفك
نحو الفقراء والمتألمين.
إننا نثق برحمتك
وبشفاعتك ونلتجىء إليك
أن تمنحنا النعمة التي نطلبها منك
بكل قلبنا.
أمامنا شخصية مؤمنة بيسوع المسيح، عاشت لمساعدة الآخر ومحبته!
الأب إلياس كويتر المخلصي، الأخ المربي وخادم الفقراء سمعان سروجي السلزياني. بيروت: المكتبة البولسية ٢٠٠٥.
Ernesto Forti, Venerable Simon Srugi Salesian of Nazareth. (Translated from Italian: Venerabile Simone Srugi “Da Nazareth quacosa di buono” by Fr. Prospero Roero, SDB) Bethlehem: Latin Patriarchate Printing Press 2002.