سوريا: وقف الدم، يكشف المخاوف الإسرائيلية!
د. عادل محمد عايش الأسطل
منذ دخول خطة " كوفي عنان" حيز التنفيذ، على الأرض، بشأن وقف العمليات القتالية بين أجهزة الدولة السورية وبين المعارضة، كان برز نوعين من التقارير المتواترة بشأن الأزمة السورية، الواردة من داخل المطابخ السياسية، أو من خلال أرض الواقع والميدان الدامي. وكانت تلك التقارير الواردة، سواء من قبل صناع القرار في الدولة أو المعارضة، تنبؤ بنيّة الطرفين إلى الالتزام الكامل، ليس بالشق الأول من الخطة الموضوعة، ولكن بمجموع ما جاء فيها نصاً وروحاً، سعياً لإيجاد مخرج للطرفين من أتون الأزمة، والتي تنص على سحب الآليات العسكرية من الشوارع، ووقف أعمال العنف من جانب كل الأطراف، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووسائل الإعلام، والإفراج عن المعتقلين على خلفية الأحداث، والسماح بالتظاهر السلمي. واعتبرت خطة جيدة، وإن كانت لا تشمل نقاطاً ملزمة، بشأن الحل أو شروطٍ خاصة بشأن التفاوض، وأما بالنسبة للتقارير الميدانية، فهي وكما المعتاد، تأتي على شكلين، الأول، تأكيدات سورية "رسمية" بوقف إطلاق النار وكافة الأشكال العدائية، تنفيذاً للخطة وبالتالي لإنجاحها، وهناك التقارير التي تقول بعكس ذلك، وإنه برغم تراجع لأعمال القتال، فإن هناك تواصلاً عسكرياً وأشكالاّ عدائية وحوادث قتل، ما زالت متواصلة، مما يجعل الخطة في مهب الريح، وكل طرف يتهم الطرف الآخر بخرقه وقف إطلاق النار.
ولا شك، فإن تلك التقارير المقللة من شأن الخطة، يمكن تفهمها، بأنها تعكس ما وصلت إليه الأمور، من تأزمات متتالية ومتراكمة، جعلت من الصعب عليهما –الطرفين- تقبل فكرة التوقف عن مواصلة القتال، والانصياع لتنفيذ خطةٍ ما، ومن جهةٍ أخرى لاكتساب مواقف تساند قضاياه ومتطلباته في المستقبل، نظراً لمآرب وطموحات كل منهما، نظاماً ومعارضة" ولكن الذي يُفهم أكثر من تلك التقارير"المتباينة" بأن هناك نوعين "جادين"، منها ما يفيد بتوقف إطلاق النار في سوريا بعد بدء تنفيذ الخطة، منذ السادسة صباح الخميس، بموجب المهلة التي حددتها خطة المبعوث الأممى/العربى " عنان" لوضع حدٍ لأعمال العنف المتواصلة في البلاد، وتؤكد ظهور علامات يقينية، ببداية العودة التدريجية إلى الهدوء والاستقرار، للدخول في تنفيذ بقية النقاط الواردة بهذا الشأن، وتقارير أخرى تؤكد بأنه وبالرغم من دخول الخطة حيز التنفيذ، فإن هناك لا يزال بالإمكان مشاهدة الحواجز في مكانها، والجنود والدبابات والأسلحة الثقيلة في محيط التجمعات السكنية، وتواصلاً لإطلاق النار، وحصول عمليات تخريبٍ وقتل. واعتقال عشرات من الناس.
فيما اتهمت وسائل إعلام سورية رسمية "الإرهابيين" المعارضة، بأنها لا تزال تصعّد هجماتها ضد قوات الأمن السورية، بهدف زعزعة استقرارها وتخريب خطة عنان". ومن جهة أخرى، دعت وزارة الداخلية السورية اللاجئين السوريين، الذين تجاوز عددهم 20 ألف شخص، كانوا فروا من جرّاء أعمال العنف، إلى العودة إلى منازلهم، وذلك بعد ساعات قليلة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، الأمر الذي يؤكد من جديد، بأن هناك أطرافاً خارجية أخرى، لا يهمها أن تتخطى سوريا لأزمتها، ويعنيها أن تظل على الأمور هذه الشاكلة أطول مدةٍ ممكنة، بحيث تتعذر كل المشاريع الإصلاحية بعد ذلك، بدلالة أن هناك من التصريحات الدولية المختلفة، التي تبيّن بوضوح، النوايا على اختلافها، في الشأن السوري، وسواء كانت تلك نابعة من عمق مصالحها، أو لدواعٍ أخلاقية وإنسانية.
فكان دعا وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" إلى إعطاء خطة "عنان" وقتاً كافياً، وحث الدول العربية والغربية، على الإسراع في إيفاد المراقبين الدوليين، والتمهيد لجمع الأطراف إلى المفاوضات.
ومن جهتها أعلنت الولايات المتحدة، بأنها ستحاسب النظام السوري، على أفعاله وليس على أقواله، مشككة في عزمه على الوفاء بتعهداته التي قدمها إلى "عنان".
وكان دعا الرئيس الأميركي "باراك أوباما" والمستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل" في الوقت نفسه إلى تحرك "أكثر حزماً" في مجلس الأمن الدولي حول سوريا، ودعا وزير الخارجية الألماني "غيدو فيسترفيلي" روسيا إلى أن تنأى بنفسها من نظام دمشق. وبدوره كان حذر رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" الأسد، من استغلاله الدبلوماسية، للإقدام على مزيد من العنف ضد شعبه"، ودعا مجلس الأمن الدولي لفرض الثقل الكامل والوقوف وراء مبادرة "عنان".
بينما كان الرأي السائد في إسرائيل، بأن نجاح الخطة في "وقف النار" ستزيد من فرص بقاء نظام الأسد على قيد الحياة، وسيكون وضع المعارضة، في مأزق صعب، ويعطي نقاطاً هامة لإيران وخاصةً قبل يومين من المحادثات النووية
وترى إسرائيل من جهةٍ أخرى، إذا ما حافظت سوريا على وقف إطلاق النار، فإن ذلك يعني نجاح التحالف الاستراتيجي لروسيا وإيران، من خلال البرهنة على قدرتهما في التأثير على منطقة الشرق الأوسط، وتبين أيضاً، أن جامعة الدول العربية وخصوصاً دول الخليج إلى جانب تركيا، التي قدمت دعمها لنشطاء الجبهة المعارضة ضد سوريا، ستكون غير فعالة، لإدارة الأزمات في المنطقة، وبالتالي سيتقلص نفوذها على نحوٍ منخفض أكثر فأكثر.
وهذا من وجهة النظر الإسرائيلية، عبارة عن فشل ضمني، للإستراتيجية السياسية والأمنية وحتى الاقتصادية، للولايات المتحدة والناتو والدول المتحالفة، التي باتت لا تقوى على المطالبة بإسقاط الأسد، بعدما أسقطت أطياف المعارضة في إسطنبول تلك الفكرة، واكتفاء الولايات المتحدة ومن معها، بالتعويل على تواصل المظاهرات السلمية بطبيعتها، والواردة في خطة "عنان" والتي ستكون مُصانةً ومراقبة من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن" وعلى شاكلة ما حدث في بعض الدول العربية السابقة مع تقديم الدعم الخفي، من خلال المساعدة في "إدارة الأزمة" لا إلى المساهمة في حلها، بالرغم من أن الولايات المتحدة وحلفائها، قد كانوا خاضوا تجربة تطوير الاحتجاجات الإيرانية في أعقاب الانتخابات الرئاسية الإيرانية في العام 2009، ولم تكن ناجحة على الإطلاق، ولم تثمر الدعوات بشأن العصيان المدني، ضد النظام الإيراني، نظراً لتدارك القيادة وأصحاب الحكم الموقف، ومن ثم قدرتهم على معالجة الأزمة.
وكان "الناتو" حاول، وفي أعقاب حادث إطلاق النار، الذي وقع على الحدود مع تركيا، يأخذ الحادثة على محمل الجد، مسألة حماية الدول الأعضاء فيه، حيث كانت أكدت تركيا، أنه يمكن الاستناد إلى المادة الخامسة من معاهدة الحلف لحماية حدودها مع سوريا. والتي تنص على أن كل دولة عضو في الحلف، يجب أن تعتبر تعرض أي بلد فيه لهجوم، كعمل موجه ضد كافة الأعضاء، وتتخذ التدابير اللازمة لمساعدة الدولة التي تعرضت لهذا الهجوم، لكن ظل ذلك ضمن الافتراضات الغير قابلة للتطبيق، في ظل الطيف الروسي، الذي يبدو المسيطر إلى حد الآن على ىسير الأمور.
بينما رحبت الصين، التي عرقلت حتى الآن مع موسكو، صدور أي قرار يدين النظام السوري في مجلس الأمن، بسريان الهدنة ووصفتها بأنها خطوة مهمة، باتجاه التوصل إلى حل سياسي للأزمة، مضيفة أنها تأمل في أن تواصل الحكومة السورية، اتخاذ خطوات ملموسة لدعم خطة السلام التي توسط فيها "عنان".
وعلى أية حال، وبغض النظر عن كل التقارير والمصالح والغايات الداخلية القريبة، والخارجية الأبعد، فإن أهم ما في الأمر، هو أن يتوقف الدم "السوري العربي" بنيّة جميع الأطياف المتقاتلة، والانقياد إلى المفاوضات، والإيمان بأن عسكرة النزاع أكثر فأكثر، لا يمثل حلاً للأزمة، ولكن يفاقمها، على أن يقف المجتمع الدولي وخاصةً "العربي" من جديد، كجسمٍ واحدٍ لمنع الانزلاق السوري نحو الفوضى، وإلزام الأطراف كافة، بتنفيذ حازمٍ وشفافٍ، بغية الوصول إلى حلٍ للأزمة، رغماً عن الأطراف الأخرى.
القاهرة
الخميس 12/4/2012
البريد الإلكتروني للمرسل: d.adelastal@hotmail.com