كتب العميد امين محمد حطيط في جريدة الثورة دمشق بتاريخ اليوم 23\7\2012
ماذا بعد تكسر السهام الاميركية على قلعة دمشق؟
أ.
بعد 16 شهرا من عدوان تقلب في المراحل المتتابعة الاخفاق ، اتجهت اميركا الى خطة رأت فيها انها السهم المسموم الاكبر و العلاج الحاسم الذي يعوض الفشل في سوريا ، خطة رأتها على حد قول هيلاري كلنتون " كارثة " تدمر سوريا و منها تمتد الى المنطقة ، خطة تقوم عناصرها كما تبيناها على :
1) تصنيع بيئة عامة من التهويل لتحضير الرأي العام السوري و الدولي لعمل نوعي في دمشق يستهدف الرأس السوري و يرديه . و بهذا نفسر ذاك الزخم غير المسبوق من روايات التلفيق و الكذب و تصوير الوضع السوري كانه على قاب قوسين او ادنى من الانهيار الشامل الانهيار لذي سيحدث – بزعمهم- "بركان دمشق او زلزال سوريا " ، بحيث ان تنفيذ هذا العمل سيقود المعنيين بالدفاع عن سوريا الى الانهيار الادراكي و اليأس من متابعة المواجهة الدفاعية .
2) ضرب خلية ادارة الازمة بشكل جماعي بحيث يخلق فراغ في الرأس ، ما يؤدي الى تضعضع منظومة القيادة و السيطرة و التوجيه ، و ينتج ارباكا في الميدان يعرقل عمل القوى الامنية و القوات المسلحة و يتسبب بشرذمة الجيش و انشطاره و حرمان الدولة من ذراعها العسكري الفاعل .الامر الذي يفسح في المجال لانتشار الارهابيين و استيلائهم على المرافق و المواقع الحساسة في الدولة داخلاً و حدودا.
3) تنفيذ عملية ميدانية شاملة عبر هجوم صاعق على دمشق يشارك فيه الالاف من المسلحين بحيث ينطلقون في اللحظة ذاتها من اكثر من اتجاه و الى اكثر من حي وشارع في عملية ترويع و رعب للمدنيين بقصد وقف الحياة في المدينة – عقاباً لها على عدم الانخراط في العدوان الاميركي على سوريا – و اظهار الدولة انها فقدت السيطرة على العاصمة ما " يضطر الرئيس للمغادررتها " - على حد زعمهم و تمنياتهم وفقا للخطة - .
4) تنفيذ خطة " السقوط الوهمي التمثيلي للنظام " عبر مواكبة العملية الميدانية بعمل اعلامي نوعي ، يؤكد "سقوط العاصمة و فرار الحكومة " و اندفاع المواطنيين في الشوارع تأييداً " لانجاز الثورة و معارضة للنظام"، و قد تم من اجل ذلك تحضير مجسمات مصنعة في قطر تمثل الساحات و المباني العامة و المراكز الحكومة ، كما و اطلقت محطة تلفزيونية تستعمل "لوغو " الفضائية السورية " لاستعمالها في الاعلان عن "النجاح المفترض للثورة" على غرار ما حصل في طرابلس –ليبيا حيث لفقت افلام و صور عن مركز قيادة القذافي تظهر سقوطه قبل 3 ايام من سقوطه الفعلي . يترافق ذلك مع خنق الاعلام السوري و حجبه ، و من اجل ذلك شطبت قناة الدنيا عن الاقمار العربية لاسكاتها و قامت قوى العدوان بخطف مذيعين و اعلاميين سوريين من الفضائية السورية لاجبارهم على العمل في المحطة المزورة المنتحلة صفة الفضائية تلك لاعطاء المصداقية للتزوير .
5) استصدار قرار من مجلس الامن تحت الفصل السابع ، يمهد الطريق لانتشار عسكري اجنبي تحت ذريعة منع مخاطر الاسلحة الكيماوية عن المنطقة ، و تكون مهمة القوى الاجنبية استكمال تدمير بنية الدولة السورية و حل جيشها على غرار ما تم في العراق .
ب. هذه هي خطة " السهام الاميركية السامة " التي توخت منها اميركا انزال الكارثة على سوريا بتدميرها كما دمرت ليبيا و قبلها العراق و قبلها منظمة التحرير الفلسطنية ( دول جبهة الصمود و التصدي التي تشكلت رفضاً لاتفاقية الاستسلام في كامب دافييد و لم يتبق منها الا سوريا ) . و كما حاولت ان تدمر المقاومة في لبنان و الدولة في ايران و فشلت ، فجاءت الى سوريا لتنفذ الحلقة الثالثة من حلقات العدوان على محور المقاومة .
و لكن و كما اخطأت الحسابات الاميركية في لبنان و ايران يبدو ان الميدان السوري سفه الحلم الاميركي ايضاً ، رغم ان الخطة حققت بعض الاختراقات التنفيذية . و في الحصيلة التنفيذية الاولى انكشف المسرح الان على المشهد التالي :
1) فشل في تحضير بيئة الانهيار الادراكي ، و كان ذلك نتيجة تضافر عدة عناصر اهمها : وعي و مناعة نفسية عالية المستوى لدى الشعب السوري عامة و الدمشقيين خاصة ، و جهد اعلامي مميز بذله الاعلام السوري الرسمي و الخاص ، ترافق مع زعزعة الثقة بالاعلام الاميركي و ملحقاته و اليقين بان ما يبث عبر الاعلام العدواني هو الاحلام و التمنيات و ليس وقائع او حقائق .
2) تمكن الدولة من استيعاب صدمة "الاغتيال الجماعي للقادة الرئيسيين في خلية الازمة " و رغم ان الخسارة كانت جسيمة فادحة بسقوط الشهداء الكبار – وزير الدفاع و نائبه و معاون نائب رئيس الجمهورية و رئيس الامن القومي- فان دولة المؤسسات العقائدية سارعت الى ضبط الامور و تعيين البدلاء من ذات معدن الشهداء انفسهم ، الامر الذي عطل نتائج و مفاعيل نجاح عملية الغدر الارهابي رغم خطورتها البالغة.
3) تمكن القوات المسلحة العربية السورية من احتواء الهجوم الذي نفذه الالاف من المسلحين على اكثر من تسعة احياء في دمشق ، ثم انطلاق الجيش في الهجوم المعاكس و الممنهج و المواجهة المتقنة وفقا لمقتضيات الوضع ، ما مكنه من سحق الهجوم و الانتقال الى تطهير الاحياء الواحد تلو الاخر و ابقاء المدينة بشكل عام تحت سيطرة الدولة ، دون ان يترك فرصة واقعية لمخطط العدوان ان يستثمر مفاعيل الجريمة الارهابية على الشكل الذي كان يريد . حيث ان مناظر جثث الارهابيين من سوريين و غير سوريين كانت رسالة واضحة للمعتدي : "الهجوم فشل و العدوان انكسر " ...رغم الثمن العالي الذي دفع.
4) اما بالنسبة للاسقاط" الاعلامي الوهمي " للدولة فانه لم يحصل لان الخطة كشفت و الاحتياطات كانت اتخذت قبل ان ينطلق العمل التنفيذي . و كان من نتيجة الكشف و التعثر الميداني ان ما حضر في قطر من مجسمات و اشخاص و تجهيزات عسكرية بقي في في المخازن من غير استعمال حتى اللحظة .
5) و يبقى موضوع مجلس الامن و قراراته فقد تأكدت اميركا مرة اخرى بانه لا تراجع عن رفض الفصل السابع و لا تراجع عن رفض التدخل العسكري الاجنبي في سوريا . ما حدا باميركا للتهديد بالعمل خارج مجلس الامن لمتابعة الهجوم العدواني على سوريا .
ج. و الان و بعد هذه المحصلة التي يمكن و بموضوعية القول معها بان "السهام الاميركية الكارثية " تحطمت على صخور قلعة دمشق ، يطرح السؤال عن مسار الامور لاحقاً . و هنا يمكن ان نتصور المنحى التالي :
1) استمرار رفض اميركا لاي حل سلمي و منع انجاح خطة انان او تنفيذ مقرارات جنيف في الفترة المقبلة اقله في الاشهر التي تسبق الانتخابات الاميركية .
2) محاولة توسيع المواجهة في الشمال السوري للضغط على الحدود و توسيح فرص استقدام ارهابيين غير سوريين للقتال بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بالمسلحيين .
3) التلويح الاميركي والتهديد بالعمل خارج مجلس الامن تلويح نرى فيه تحضيرا للسير على خط او اكثر من مما يلي :
- سياسي اقتصادي عبر تصعيد الضغوط على سوريا بعقوبات تضاف الى ما تم حتى الان و تعدى رزمة من 60 نوع اضافة الى تجميد العلاقات او سحب السفراء و ما اليه .
- عسكري ارهابي عبر تصعيد عمليات الدعم و التحشيد و تنفيذ العمليات المسلحة على كل مساحة سوريا من اجل توفير الفرص للقول بان النظام فقد السيطرة على الارض .
- امني استخباري : محاولة اقتناص اهداف نوعية في سوريا على غرار ما حصل ، و قد ارسل تعيين بندر بن سلطان ممديرا للمخابرات السعودية رسالة واضحة في هذا الاتجاه .
- عسكري تقليدي عبر تحضير قوى عسكرية نظامية اجنبية للتدخل وفقاً ً للمقتضى و لتطورات الامور مع ان احتمال ذلك يبقى الادنى و المنخفض جدا في الاحتمالات .
و في المقابل نرى ان جبهة الدفاع عن سوريا ستستمر في تحقيق الانجازات الدفاعية على كل صعيد و انها حضرت ما يلزم للرد و هي في تحضيراتها و الوسائل المتاحة مطمئنة لقدرتها في كسر الخطط المستقبلية الاتية كما اجهضت السابقة الماضية ، خاصة و ان المعتدي في ضيق من وقته رغم ما يملك من قدرات .
العميد الدكتور امين محمد حطيط