كتب العميد د. امين محمد حطيط في جريدة البناء بتاريخ 24\8\2012
هل ستححق النار في طرابلس اهداف مضرميها ؟
في مطلع الصيف الحالي ودون ان يكون هناك مبرر امني داخلي فاجأت دول الخليج النفطية اللبنانيين بتحذير رعاياها من السفر الى لبنان و طلبت ممن كان منهم فيه توخي الحذر في الانتقال و حثتهم على المغادرة السريعة منه . و لم تنفع زيارات المسؤوليين اللبنانيين الى عواصم تلك الدول في تغيير هذا القرار بل ازداد من اتخذه تمسكا به و تطوير ا له للتضييق على لبنان و توجيه رسالة بان عمل ما يحضر ضده .
و في جولات للمسؤوليين الغربيين و خاصة الاميركيين على لبنان قادتهم اكثر من مرة الى تفقد حدوده مع سورية كانت تطلق في كل مرة تصريحات و دعوات لاقامة مناطق آمنة للارهاب المنطلق من لبنان الى سورية ، و التي برع اللبنانيون من فريق 14 اذار و بوقاحة في تشجيعه و برع بعض المسؤوليين اللبناني حتى و في منصب وزير باللعب على االالفاط للتعمية عليه بعد ان امتلك الشجاعة وزير الدفاع و اكد وجوده .
و في اعين المراقبيين و المتابعين كان الوضع في شمال لبنان ينزلق رويدا رويدا خارج سلطة الدولة ، و لم تنفع قرارات من مجلس الوزراء لوضع حد لهذا التدهور خاصة و انها صدرت دونما اجماع سياسي لانقاذ المنطقة من جهة ، و من جهة ثانية لان القرارات بذاتها لم تكن متخذة وفقا للاوصول المتبعة في تحقيق امن فاعل في مواجهة الاخطار المتشكلة، و قد كنا نادينا يومها و منذ اللحظة التي ظهرت فيها االمخاطر تلك نادينا باعلان المنطقة شمالي خط عرسال – طرابلس منطقة عسكرية تطبق فيها احكام الطوارئ و يكون فيها الجيش اللبناني سيد الميدان ومسؤول عن الامن و توضع فيها كل القوى الرسمية المسلحة المتحركة في المنطقة تحت امرته و بتصرفه العملاني و لكن لم يحصل كل هذا .
و تأسيساً على ذلك توصلنا و اعمالا لقواعد المنطق و التحليل و التقدير العملاني و السياسي و الاستراتيجي الموضوعي الى نتيجة قاطعة بان هناك قرار خارجي يتخذ من لبنانيين ادوات و رخيصة من اجل تفجير الوضع اللبناني ، و ان من اتخذ القرار كان واثقا من النجاح في تنفيذه لانه كان يلمس طبيعة الاداة اللبنانية و تدني سعرها و قدرته على امتلاكها و تسييرها وفقاً لما يريد .
لقد كان القرار القرار الغربي- الخليجي – التركي و بقيادة اميركية ، واضحا باحداث تغيير ما في منطقة الشمال خاصة و لبنان عامة تكون نواته فتنة سنية - شيعية و تتدحرج الامور بعد ها الى الحد الذي يريح الجهة المخططة و من اجل ذلك كانت عملية خطف اللبنانيين ال 11 و الخدع و الالاعيب الاعلامية التي رافقتها و نفذتها فضائيات تخدم و تنتمي الى تلك الجبهة ، ولاجل ذلك ايضاً كان قطع طريق الجنوب عند مدخل صيدا ، و كان كيل الشتائم و موجات الاستفزاز ضد المقاومة و سلاحها و جمهورها الى ان كان خطف احد ابناء العشائر الشيعية مؤخرا في دمشق من قبل مسلحي جبهة العدوان على سورية .
و لما لم تنفع كل تلك السلوكيات في احداث الانفجار المطلوب لجأ دعاته الى نزاع سخيف مبتذل بين صبية و اطفال و لعبة بندقيتين من لعب العيد ، تطلق منهما شرارة " الحرب " في طرالبس ، فكانت نار سرعان ما اشتد لهبها و انطلق يحصد في المدينة القتلى و الجرحى و الدمار ، و يطرح السؤال الكبير حول الاهداف المتوخاة من تلك النار و التي نراها الان كما يلي :
1) التغطية على اخفاقات العدوان على سوريا .و نحن نعلم ان الامال الغربية التي علقت على خطة " بركان دمشق...زلزال سورية " سقطت و تحطمت عند اقدام الجيش العربي السوري و وطنية الدمشقيين و الحلبيين و وعيهم و لم يستطع الحشد الارهابي الذي تجاوز ال 30 الف مسلح و زج به في معركتي دمشق و حلب ان يسقط هاتين المدينتين بل كانت النتائج معاكسة تماما للاحلام ، و جاءت بتنصيف يستجيب لتعريف هزيمة المهاجم بشكل دقيق ، و لا يغير من هذا التوصيف استمرار القتال هنا و هناك فالمبادرة اليوم هي بيد القوات السورية اما المعتدون فانهم مطاردون و يسقطون بين قتيل او موقوف او فار من الملاحقة و قلة منهم من تصمد و تستمر في القتال من غير امل بتغيير الصورة الميدانيية لصالحها . و كان هذا المشهد من شأنه ان يحطم معنويات الجهة المعتدية على سورية مع ما يخشى منه من تراجع في القدرة على تحشيد الارهابيين لمواصلة القتال ، و من اجل ذلك كانت نار طرابلس لتحجب مؤقتا تلك الهزيمة ريثما يتمكن المعتدي من تدبر امرها .
2) تعطيل دور الجيش و اخراجه من الشمال .بعد ان اثبت الجيش حتى الان هو المؤسسة الوطنية الجامعة التي تستعصي على الاحتواء و الاستتباع ، و بخلاف قوى الامن الداخلي فقد حاول الجيش ان ينفذ اكثر من مرة سياسة النأي بالنفس و يمنع الحركة المسلحة من سورية و اليها عبر لبنان ، و ان يمنع تهريب السلاح او اقامة المعسكرات و القواعد اللوجستية لدعم الارهابيين العاملين ضد سورية . و من اجل ذلك كان الجيش عرضة للاستهداف و الافتراء و التعدي من قبل "جماعات 14 اذار" الى الحد الذي وصل فيه االتجرؤ عليه الى نعته و قيادته باشبع النعوت و القي ثلاثة من ضباطه في السجن لا لشيء الا لانهم نفذوا الاوامر و التعليمات العسكرية . لكل ذلك فان المخطط يريد اليوم واحد من امرين : اما اخراج الجيش كليا من الشمال و " تحرير المنطقة من سلطة الدولة " او منع الجيش من ممارسة اي دور عملاني فاعل في المنطقة و حصر وجوده بالشكل دون اي تأثير و لهذا نسمع هذا الكم من الاشاعات حوله
3) و حول دوره .
4) تحويل منطقة الشمال الى منطقة آمنة للارهاب من اجل "زعزعة الاستقرار في دمشق " و منعها من الاستفادة من نجاحات حققتها القوات المسلحة الشرعية فيها .و هذا ليس بسر او اكتشاف فقد طالبت به اميركا صراحة و علانية ، و دفعت السعودية و قطر طائل الاموال من اجل تحقيقه و قد نفذ منه جزء حتى الان في كل من مناطق عرسال و وادي خالد و عكار مقابل تل كلخ السورية و يعمل على استكمال الباقي الذي لا يكون الا بعد تعطيل دور الدولة و مؤسساتها الامنية و العسكرية في المنطقة ، و هذا ما يتم الان عبر نار الشمال .
5) توفير مناخ مناسب لاجتثاث القوى اللبنانية المعارضة للعدوان على سورية . ففي العام 2008 و بحجة الانتقام مما جرى في بيروت في ايار اثر العدوان على المقاومة و سلاح الاشارة فيها، اقدم تيار مستقبل الحريري و مناصروه على تهجير العائلات الشيعية من طرابلس و بعد مضي 4 سنوات فان احدا منهم لم يرجع الى منزله حتى و ان احدا من الجهات السياسية و الحزبية او الاهلية لم يثر الموضوع حفاظا على ما اسمي " السلم الاهلي " و العلاقات بين المذاهب ، و اليوم تتجه الفئة ذاتها و معها السلفيون و مناصروهم و يضاف اليهم مليشيات الترك و الخليج ، تتجه الى تكرار المشهد و لكن هذه المرة ضد مؤيدي المقاومة و سورية من السنة و المسيحيين و تنفيذ حملة اسميت "التطهير السياسي" و الفكري و العقائدي و ستؤدي فيما لو نجحت الى الغاء الصوت المعارض للارهاب في طرابلس .
6) الضغط الميداني على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للاستقالة .بعد ان عجز رغم استماته و تقديم كل شيء يستطيعه عجز عن استرضاء السعودية و الحصول على بركتها او حتى "نعمة مصافحة الملك و مجالسته "، فالقرار السعودي يبدو حازماً في تدمير الميقاتي و انهاءه سياسيا ليكون عبرة لمن يعتبر من السياسيين السنة في لبنان و ليفهمهم بان كل من يخرج عن القرار السعودي سينسف و يدمر و يصبح اثرا بعد عين ، و لهذا فان احد اهداف النار الطرابلسية الان هو معاقبة الميقاتي و التخلص منه باحراق مقامه السياسي و اسقاط حكومته في مهلة لا تتعدى نهاية هذا العام .
تلك هي الاهداف التي يعول عليها من اضرم النار في الشمال ، فهل ستتحقق ؟
طبعا من السابق لاوانه القطع بالنتائج المرتقبة رغم ما يبدو من ارتفاع نسبة احتمال ذلك ، لكن من السهل القول بان السيطرة على النار و اطفائها امر لن يكون ممكنا في وقت قصير .
العميد الدكتور امين محمد حطيط