كتب العميد د . امين حطيط في جريدة البناء بتاريخ 6\9\2012
يونيفل في الشمال !؟ ... طلب احمق او عمالة ؟
مع نهايات العدوان «الاسرائيلي» على لبنان في العام 2006، وعندما تأكد لكل ذي نظر ان العدوان انهزم والمقاومة انتصرت في الميدان، ارتدّت اميركا الى مجلس الامن للتعويض بالدبلوماسية والسياسة عما فاتها تحقيقه بالنار في الميدان مستفيدة من حكومة يرأسها تابع لها اسمه فؤاد السنيورة تولى السلطة ومارسها خلافا للدستور ممثلا لمجموعة أميركا في لبنان التي اطلقت على نفسها اسم جماعات «14 آذار». وقد اتجهت اميركا للسير على خطين: داخلي وترجم بوثيقة النقاط السبع السنيورية الهادفة الى نزع سلاح المقاومة ( وهوموقف مذهل غير مسبوق في تاريخ الحروب، وفيه ان يجرَّد المنتصر من سلاحه) وخط دولي وعبّرت عنه بالمشروع الفرنسي الاميركي الذي أُعد للطرح على مجلس الامن وتضمن في فقرته العاشرة قرارا بإنشاء قوات متعددة الجنسيات تعمل تحت الفصل السابع وتوفد الى الجنوب لمواجهة حزب الله ونزع سلاحه.
لكن الخداع والتآمر من هنا وهناك فشلا في تمرير ما ارادته اميركا على الخطين، لكن المقاومة المنتصرة في الميدان ومن أجل الاسراع في إعادة الاوضاع الى طبيعتها في الجنوب تخفيفا من معاناة اهله الذين نزحوا تحت وطأة النار، اضطرت للقبول بقرار صدر عن مجلس الامن تحت الرقم 1701، بعد ان استجاب لبعض مواقفها خاصة انه شكل تراجعا عن القرار 1559، وحصر مهمة «اليونيفيل» في المنطقة الممتدة بين الليطاني والحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وجعل مهمتها الاساس مساندة الجيش اللبناني في تلك البقعة لدى قيامه بمهام الأمن والدفاع وبسط سيادة الدولة. فضلا عن أنه طرح مسألة مزارع شبعا وأوجب تحريرها، وفي ذلك تراجع عن مواقف سابقة اعتمدت في الداخل
اللبناني وفي الخارج. لكن القرار اتجه الى منع تسليح المقاومة ومنع وجود سلاحها في الجنوب باعتباره منطقة عمليات لبنانية – دولية لا يسمح لطرف ثالث بالتحرك فيها.
مع صدور القرار 1701، حاولت قيادة قوات «اليونيفيل» وبالتنسيق مع السنيورة - رئيس حكومة «14 آذار»، ان تفرض عرفا عمليا لجهة توسيع رقعة انتشارها وصلاحياتها باتجاهين:
- الاول من حيث الطبيعة والثاني من حيث المكان، فحاولت وضع قواعد اشتباك تعطيها الحق بالعمل منفردة بعيدة عن الجيش اللبناني او التنسيق معه والقيام بعمليات تفتيش ومداهمة وتعقّب بشكل منفرد.
- والثاني توسيع الانتشار ليشمل المعابر الدولية للبنان مع الخارج برا وبحرا وجواً ( اي التمركز في المرافئ والمطار وعلى المعابر مع سورية).
وهنا كان موقف حازم للقوى والشخصيات الوطنية التي حرّرت مذكرة تفصيلية رفعتها الى الأمين العام للأمم المتحدة والى الحكومة اللبنانية تعبّر عن رفضها ذلك، مستندة الى نص القرار 1701 وروحه ومهددة بأن الخروج عنه سيتسبب بأوخم
العواقب، وقد فهم من يعنيه الأمر الرسالة وطوى الملف في حينه موقتاً، لكنه ظل يعود اليه بطريقة أو بأخرى في كل مرة يطرح فيها التجديد السنوي للقوات الدولية في الجنوب، حيث كانت وقبل اسابيع من الموعد ترتكب قوى سلفية او ما يماثلها من الجماعات المسلحة او الإرهابية التي تعمل بتوجيه غربي وباحتضان «14 آذار» ترتكب اعتداء بمتفجرة او صاروخ يطلق في بقعة عمليات القوات تلك او على خط انتقالها من الجنوب الى بيروت وبالعكس، لكن كل ذلك فشل في اخراج مهمة «اليونيفيل» عن نص القرار 1701. وفي السياق نفسه كانت «القوى الـ 14 آذارية» وعملاً بإملاءات اميركية تثابر بين الحين والآخر على المطالبة بنشر مخافر للقوات الدولية على الحدود مع سورية لتحقيق اهداف ثلاثة
:
1) إظهار مساواة بين سورية و»اسرائيل» من حيث طبيعة العلاقة التي تربط لبنان بهما، والتأكيد على ان سورية عدو للبنان كما هو حال «اسرائيل»، من أجل ايجاد بيئة للمقايضة مستقبلا بين العداوتين تقوم على إسقاط العداوة مع سورية مقابل إسقاط العداوة مع «اسرائيل»
.
2) جعل لبنان بكليته تحت الوصاية الامنية الدولية التي تتحكم بها الولايات المتحدة (في عصر الأحادية القطبية الذي افل اليوم) الأمر الذي يمكّن الفريق «الـ «14 آذاري» من الاستمرار في السلطة مهما تغيّرت اهواء الشعب اللبناني.
3) ضمان وضع كل المعابر اللبنانية تحت السيطرة الدولية (يعني الاميركية الصهيونية) ما يمكِّن من محاصرة المقاومة ومنعها من نقل اي سلاح من الخارج الى لبنان خاصة عبر سورية.
لكن المحاولات تلك فشلت وبقيت الاهداف هذه أوهاما في خيال اصحابها، وبالعكس كان تصاعد في قدرات المقاومة وفريقها واضطرار بعد العام 2008 للتسليم اللبناني الاجماعي بالصداقة والاخوة مع سورية، ثم كانت الكارثة السياسية التي لحقت بالحكم « الحريري الـ 14 آذاري» حيث سقط وآلت السلطة الى خصومه ولو شكلياً.
ومع هذه الخسائر، لاحت للجماعات الفاشلة والخارجة من السلطة، فرصة الأزمة السورية، فانخرطت كلياً بالمشروع الغربي ـ الصهيوني ـ الخليجي ضد سورية الرامي الى إسقاط النظام السوري المقاوم، فالتحقت بالمشروع استجابة للإملاء الغربي وبعد ان ظنت ان سورية وجبة سهلة التناول، وانها ستنال حصتها الوفيرة من الكعكة السورية اقلها عودة الى الحكم وانتقام من المقاومة.
لقد ترجمت جماعات «14 آذار» انخراطها في المشروع العدواني ضد سورية بأكثر من سلوك ونذكر على سبيل المثال:
1) المشاركة العميقة في الحرب النفسية والهجمة التحريضية، وبات إعلام هذه القوى يتصرف بعدائية مطلقة ممتهنا الكذب والتضليل والتزوير للمسّ بسورية شعبا وجيشا وحكماً.
2) تمويل العمليات الإرهابية سواء بالمال النقدي او بتوفير الأسلحة والذخائر والتجهيزات.
3) تأمين الحماية السياسية والامنية للجماعات الإرهابية المنطلقة من لبنان، الى الحد الذي انشأت فيه 3 قواعد عسكرية اصبحت بمثابة المناطق الآمنة للارهابيين على الحدود اللبنانية في كل من عرسال ووادي خالد وعكار مقابل تلكلخ.
4) تأمين الاحتضان الشعبي والاجتماعي وتقديم الخدمات الصحية للإرهابيين وبعض عائلاتهم المستقدمين الى الشمال اللبناني.
5) منع الجيش اللبناني او إشغاله لعدم تنفيذ قرارات الحكومة المتحدة تحت شعار النأي بالنفس والتي لو نفذت لاستحال انتقال السلاح والإرهابيين الى سورية عبر لبنان.
مع هذه الاعمال العدائية، ومع عجز الحكومة اللبنانية عن وضع قرارها النأي بالنفس موضع التنفيذ، اضطرت القوات السورية وفي موقف دفاعي لا يمكن لاحد ان ينكره عليها، لمواجهة عمليات التسلل والتهريب عبر لبنان، وكانت تسقط احيانا في معرض السلوك العملاني الدفاعي هذا قذيفة هنا اوهناك داخل اراضي لبنان، قذائف اتخذتها جماعات «14 آذار» المعادية لسورية والمنخرطة في المشروع الغربي ـ الصهيوني ضدها، ذريعة للضغط والتصعيد ضد سورية عبر المطالبة بقطع العلاقات معها ونشر قوات الطوارئ الدولية على الحدود معها كما هو الحال مع «اسرائيل» زاعمة ان القرار 1701 يوفر الغطاء لهذا التصرف.
طبعا نحن لن نناقش كثيرا في مسألة عدم صلاحية «اليونيفيل» للعمل خارج بقعة عملياتها في الجنوب، لان من يدخل في نقاش في هذا الموضوع لا يعدو كونه احمق لا يفقه السياسة ولا القانون. كما اننا لن نهدر الوقت في القول بان هذا المطلب عقيم غير قابل للتحقق في ظل الواقع القائم، لان إقراره في مجلس الامن تحت الفصل السادس يستوجب طلبا من الحكومة اللبنانية وهو امر لن تقدم عليه هذه الحكومة، واقراره تحت الفصل السابع يصطدم بعقبتين: تقريرية وفيها «الفيتو» الروسي- الصيني، وتنفيذية وفيها إحجام الدول عن ارسال جنودها للقتال في لبنان والكل يذكر ان احدا لم يرسل جنديا اجنبيا في العام 2006 الا بعد ان اطمأن الى قبول كل الافرقاء اللبنانيين بهذا الأمر.
فاذا كان الأمر كذلك، فان السؤال الذي يُطرح يدور حول سبب قيام الـ «14 آذاريين» برفع هذا الطلب، فهل هو الحمق والعمى ام هو شيء آخر؟
ان هذه الجماعات لا تنّزه عن الحمق اصلا، لكن قد لا يكون هذا هو السبب هنا، اذ قد يكون الدافع شيئا آخر يمليه واقع الارتهان للخارج، حيث ان الغرب قد يكون امام عجزه عن التحرك العسكري ضد سورية وامام فشله في منع انهيار الجماعات الإرهابية العاملة باوامره في الداخل السوري، وامام استحالة اقامة المناطق العازلة والآمنة للارهابيين داخل سورية، رأى ان اقامة منطقة آمنة لهم في لبنان وتحت اشراف دولي قد تكون ممكنة، اذا انخرط لبنان فيها، بشكل يعطل قدرة روسيا على «الفيتو»، وبالتالي يكون لطلب الـ «14 آذاريين» بنشر قوات دولية على الحدود مع سورية وبالاضافة الى الاهداف السابقة هدف جديد هو انشاء هذه المنطقة الآمنة ووضع القوات الأممية في مواجهة مع الجيش السوري. ويعزّز هذا الرأي ما تسرب أخيرا عن إقدام جبهة العدوان على سورية على تركيب المحطات الفضائية ومراكز الاتصال العملاقة والمتطورة من أجل قيادة الحرب النفسية والميدانية انطلاقا من الشمال اللبناني (وحكومة لبنان تغمض عينها وتنأى بنفسها عن هذا الانتهاك)
.
ويبقى اخيرا السؤال: هل سينجح الـ «14 آذاريون» في مسعاهم؟
قبل الاجابة لا بد من التنويه بان هؤلاء قدموا خدمة للباحث في الشأن السوري من حيث القول بان اوراق العدوان المستعملة ما زالت قاصرة عن تحقيق المطلوب، ما يحمل المعتدي على ادخال اوراق جديدة، كما فعلت مصر فمنعت بث فضائيات سورية عبر شبكة النيل سات، اما الجواب البديهي الآن على السؤال فهو النفي، اذ انه لا يوجد اي عاقل او عنصر يمكنه القول بإمكانية نشر «اليونيفيل» في الشمال او الشرق اللبناني، لكن رغم الفشل الاكيد يبقى للطلب دلالات خطرة سترتد على لبنان أجلا أم عأجلاً حيث نسأل هؤلاء المقامرين المرتهنين: هل يحتمل لبنان عداوة سورية واغلاق حدوده معها؟ لأن القوات الدولية لا تنتشر الا على حدود بين دولتين عدّوتين متنازعتين او في منطقة فصل بين عدوين!!!
العميد الدكتور امين محمد حطيط