كتب العميد د. امين محمد حطيط في جريدة البناء اللبنانية بتاريخ اليوم 13\7\2012
قرار انتشار الجيش على حدود الشمال: هل سيحقق الامن المتوخى ؟
عندما ادخلت اميركا منطقة الشمال اللبناني في مسرح عمليات الحرب الكونية التي تقودها ضد سوريا ، ظن ادواتها و عملاؤها اللبنانيون بانها فرصتهم للانتقام من سوريا ، برميها بنار مخصصة لاحراق الجسد االسوري دون ان تحرق اصابعهم او تمس البيئة التي يتحركون فيها....
أ. و لكن الاحداث خرجت عن مسارها لدى التنفيذ الذي ابتدأ بالاعلان عن " انطلاق المارد السني " ايذاناً ببدء الحرب من لبنان على سوريا، اعلان طلقه التيار الذي سجل في الانتخابات النيابية الاخيرة احتكارا للصوت السني في الشمال و لاقته جماعات 14 اذار للانخراط في الحرب العدوانية تلك و لم تتردد و للاسف جهات رسمية لبنانية بالادلاء بدلوها حماية لمصالح شخصية ضيقة ، جهود تضافرت الى حد جعل لبنان بصيغة او خرى بيئة حاضنة للعمل ضد سوري حيث سجلت ممارسات نذكر منها :
1) التهويل على الدولة اللبنانية و الضغط عليها من باب " الرعاية الانسانية للنازحين السوريين " بقصد توفير الظروف المناسبة للمسلحين الذين يتقاطرون من بلاد عربية و اسلامية لتكوين " الجيش الاميركي" من اجل شن الحرب على سوريا لاسقاطها كما اسقطت دول سابقة . و استطاع هذا التهويل ان يرغم الدولة على الانكفاء من الشمال الى الحد الذي ادعى فيه ما اسمي " جيش سوري حر " بانه بات يسيطر على معظم الحدود السورية مع لبنان .
2) قيام الهيئة العليا للاغاثة اللبنانية – وبضغط من الجهات نفسها - باحتضان المسلحين و الارهابيين السوريين الذين يلجأون الى لبنان بعد ارتكابهم اعمال القتل و التدمير في سوريا ، ثم التكفل بامور الاستشفاء لهم و الرعاية و الاقامة ، حتى باتت هذه الهيئة و رغم سياسة " النأي بالنفس " الشهيرة المعلنة، توفر للقتلة المجرمين رعاية و امانا اجتماعياً في لبنان بدل ان يترك امرهم لاجهزة الدولة المختصة ليصار الى تسوية وضعهم و تقرير مصيرهم على ضوء القواعد القانونية و الانساتية ،بالتنسيق مع الاجهزة السورية ذات الصلة .
3) الاعتراض على عمل الجيش و رفض تحركه لضبط الاوضاع العسكرية و الامنية في الشمال بعد ان بات علنياً في تلك المنطقة نقل السلاح و ارتداء البزات العسكرية ، و اقامة معسكرات التدريب ، و تركيز مخازن الاسلحة و الذخائر المهربة من الخارج و التي لم تكن باخرة لطف الله 2 الا غيض من فيضها.
4) استهداف الجيش في امنه و معنوياته الى الحد الذي سمح البعض من تلك الجماعات لنفسه بوصف العسكريين بانهم مجموعة من "القتلة المقوننيين " و دعا اخرون منهم الى انشقاق في الجيش ثم اطلقوا النار عليه ، و رغم ان هذه الافعال تقع تحت طائلة القانون الجزائي ، فان القضاء اللبناني ، كما السلطة السياسية اللبنانية سكتوا جميعا و لم تتحرك الدعوى العامة، لا بالعكس كان السلوك حيث تمت ملاحقة العسكريين الذين قاموا بواجبهم لدى تنفيذ مهمة عملانية نظامية مأمورة و مخططة ، و كان فظيعاً ان نجد من ينفذ القانون حبيس اقفاص الاتهام و ظلمات السجون ، و من خرق القانون طليقاً لا يلاحقه احد . ممارسة شجعت البعض على المزيد من الاعتداء على معنويات الجيش و المطالبة باحالة هؤلاء العسكريين امام المجلس العدلي في سابقة لم يعرفها جيش في العالم .
ب. لقد ادت هذه السلوكيات مع ما رافقها من غوغاء و تحريض الى ضمور تواجد الجيش و انتشاره في اكثر من منطقة من مناطق الشمال خاصة القريبة من الحدود مع سوريا ، و تسبب ذلك في فراغ امني استغل من اجل خدمة الهدف الاميركي الاساس – اقامة الملاذ الامن للارهابيين – و سجل مشهد شمالي فيه ما يلي :
1) استشراء الظهور المسلح و قطع الطرقات و محاصرة الاهالي في منازلهم ، و الاعتداء على بعضهم وصولا الى تسجيل ارتكابات مخلة بالاداب و الاخلاق العامة .
2) تحول الحدود اللبنانية – السورية في الشمال الى خط مواجهة و قتال بين الجيش العربي السوري الذي يدافع عن امن سوريا ، و بين الارهابيين المتمركزين في الجانب اللبناني من الحدود و الذين تعدى عديدهم – وفقا لبعض التقارير الصحفية الاجنبية ال الفي مسلح - ما تسبب في ارهاق المواطنيين اللبنانيين من الجو الذي اشاعته هذه الاشتباكات و االذي ما كان ليحصل لو ان لبنان مارس سلطته و تحمل مسؤولياته في منع تحول ارضه الى قواعد للارهب ضد سوريا .
3) تحول جزء من المستشفيات اللبنانية الى ما يشبه المستشفيات العسكرية الميدانية للارهابيين تتولى حراستها اجهزة امنية غير رسمية .
4) نزوح الكثير من اللبنانيين عن قراهم من الشمال ، و احجام شرائح كبيرة منهم عن الذهاب الى المنطقة وفقا للمعتاد من السلوك لجهة قضاء فصل الصيف هناك ، احجام سببه الخوف من الاختلال الامني و التحول الذي حمل احدى الراهبات المسيحيات على القول :" المنطقة لم تعد لنا " .
ج. و كان لا بد لهذا المشهد الخطر من اي يفرض تدخل الدولة للاضطلاع بمسؤولياتها من اجل امن الوطن و المواطن و سيادة القانون و الوفاء بالتزامات لبنان الدولية التي تحددها قواعد القانون الدولي العام و الاتفاقيات الثنائية بين لبنان و سوريا ، تدخلاً يضع حداً " للمنطقة المعزولة " التي تقوم واقعيا اليوم في الشمال اللبناني . تحركت الدولة و قررت انتشار الجيش على الحدود الشمالية و لكن ...؟
لقد ضيعت الدولة فرصا كثيرة خلال الاشهر ال 16 الماضية من عمر الازمة السورية ، و الان يبدو انها في في قرارها الاخير (انتشار الجيش على الحدود) و بالصيغة و الطريقة التي صدر بها ، اضاعت فرصة جديدة حيث انها لم تتكئ على صراخ المواطنيين اللبنانيين الذين كفروا بسياسات الانتهازيين من قادتهم السياسيين ، و اطلقوا الصرخة التي تناشد الجيش فرض الامن ، و لم تمارس صلاحياتها كما ينبغي و يفرض الواقع الميداني ، بل جاءت بقرارا لا نعتبره في مستوى الخطر و التهديد ، ثم ان محضر جلسة مجلس الوزراء ذاته الذي ادرج فيه القرار ، حمل قرارا اخر اجهض الصدمة المعنوية للقرار العملاني هذا من خلال الضغط على القضاء اللبناني للتوسع في التحقيق حول قضية الكويخات ، توسعة تخفي جنوحاً للاستجابة الى الغوغاء و الاستمرار في خرق القواعد العسكرية في محاسبة العسكريين ما يعني ببساطة عدم ثقة بقرارات القضاء العسكري ، و رغبة في ابقاء سيف الملاحقة مسلطاً على رقاب العسكريين ليكونوا عبرة لسواهم حتى لا يتجرأ احد بعد ذلك على اطلاق النار على ناقل سلاح حتى و لو اطلق هو النار عليه. ؟!!......
اننا نرى في موقف الحكومة اللبنانية المتضمن للقرارين اعلاه ، ثغرات و عوائق تؤدي الى تعقيد عمل الجيش و غل يديه عن حفظ امن ينبغي ان يصنعه السياسيون ، و هنا نذكر بان اساس القوة العسكرية هو الهيبة و المعنويات ، و ان شعور العسكري بان دولته تعاقبه من غير جرم ارتكب ، و تحجم عن حمايته ، سيؤدي به الى التراخي في تنفيذ المهمة . و لهذا كان اولى بالحكومة ان تتخذ موقفاً حاسماً لاستعادة الامن للشمال و للوطن عبر :
1) اعلان المنطقة شمالي خط عرسال طرابلس ، منطقة عسكرية و تكليف الجيش بحفظ الامن فيها استناداً للمادة 4 من قانون الدفاع الوطني ،و منع اي ظهور مسلح او قطع طرق او اقفال مناطق ، لان الامن لا يكون امنا سطحيا ً على خط ، بل اساسه امن منطقة و اقليم متكامل في الجبهة و العمق .
2) وضع حد للمس بمعنويات الجيش و سحب ملف عسكريي حاجز الكويخات من التداول الاعلامي ، و السير فيه وفقاً للاصول المسلكية و القضائية المطبقة في الجيش و بسرية تامة .
3) الملاحقة القضائية الجدية بحق كل من يمس بسمعة الجيش و معنوياته كائنا من كان وذلك تطبيقاً للقانون الجزائي. و وضع حد نهائي لكل السلوكيات التي سبق ذكرها اعلاه ضد سوريا من لبنان .
و من غير هذا ، سيبقى قرار نشر الجيش على الحدود محدود التأثير من الناحية الامنية و لن يستعاد الشمال الى لبنان و لن يجهض مشروع الملاذ الامن الاميركي ، و اكثر من ذلك نخشى ان تكون الدولة قد وقعت في فخ نصب لها ، فوضعت الجيش اللبناني في مواجهة الجيش العربي السوري ، و تركت الداخل ل"جيش الارهاب الحر" ما سيسمح لاميركا مستقبلا ان تتباكى على السيادة اللبنانية في حال سقوط قذيفة دفاعية سورية في لبنان . و هي اميركا ذاتها التي تسكت عن احتلال الغجر و مزارع شبعا و لم تحرك ساكنا بل ايدت احتلال اسرائيل للجنوب اللبناني لنيف و 22 عاما ، لم يوضع حد لها الا على يد المقاومة التي يحتفل لبنان و كل احرار العالم في هذه الايام في الذكرى السادسة لانتصاراتها التي منعت اقامة الشرق الاوسط الاميركي الجديد .
العميد الدكتور امين محمد حطيط