تأثيل “آدم” من “أديم” و“المسيح” من المسح بالزيت
أ.د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
كلّ طالب في مساق اللغويات السامية يعلم ما أثبت في العنوان. “آدم”، أبو البشر في الديانات السماوية الثلاث، الذي عاش، حسب ما ورد في التوراة، مائة وثلاثين سنة (تكوين ٥:٥)، تكرّر اسمه قرابة ستمائة مرة في العهد القديم وينظر في المعجم المفهرس (concordance). تتطرّق التوراة في مواطنَ عديدة إلى موضوع تأثيل الأسماء وتقول “وجبل الرب الإله آدمَ ترابا من الأرض، ونفخ في أنفه نسَمة حياة. فصار آدم نفسا حيّة” (سفر التكوين ٢: ٧). ومثل ذلك ورد في القرآن الكريم “إنّ مَثَلَ عيسى عند الله كمثَل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون” (سورة آل عمران ٥٩ وانظر السجدة ٧-٨). يُذكر أن “آدم” في أسفار العهد القديم مخلوق بين الله القادر على كل شيء وبين الحيوان. في اللغة السنسكريتية أطلق على آدم، الإنسان الأول، اسم manu المشتقّ من جذرمعناه “يفكر” وهو الملك الأول ومؤلِّف مجموعة القوانين السنسكريتية. “مانو” هذا هو اسم بطل الطوفان في التقاليد الهندية مثل “نوح” لدى الساميين. في اللغة اللاتينية homo أي “رجل” وhumanus أي إنسان من “humus” أي “الأرض”.
لفظة “مسيح” متحدّرة من الآرامية “משיחא’’ والعبرية משיח (أشار إلى ذلك أبو بكر الرازي ت.٩٢٣م.) وقد وردت إحدى عشرة مرّة في الكتاب المقدس مضافة إلى יהוה عادة مثل سفر صموئيل الأول ٢٤: ٦، ١٠؛ ٢٦: ١٦؛ صموئيل الثاني ١: ١٤، ١٦، ٢١؛ دانيال ٩: ٢٥، ٢٦ وفي حالات أربع أخرى ترد هذه الكلمة صفة للكاهن، سفر اللاويين ٤:٣، ٥، ١٦؛ ٦: ١٥ وهناك أيضا ”مسيح الرب” في سفر صموئيل الثاني ١: ١٤. يعود استعمال لفظة messiah في الإنجليزية إلى بداية القرن الرابع عشر وهي مأخوذة من اللغة اللاتينية المتأخرة Messias المأخوذة بدورها من اليونانية Messias وهذه مستمدّة من اللفظة الآرامية والعبرية المذكورة بمعنى “مسح، دهن بالزيت” المقدّس في المعبد بغية التبريك والتقديس وحلول روح الربّ على الممسوح، Xristós المشتق من الفعل χρίω أي يمسح. يُدعى عادة زيت الزيتون هذا المطيّب بزيت المسحة (الميرون =الزيت المقدس، أنظر سفر التكوين ٢٨: ٨؛ سفر الخروج ٣٠، ٤٠؛ سفر الملوك الأول ١٩: ١٦). يُذكر أن شاؤول كان أوّلَ ملك مُسح بأمر ربّاني وأطلق عليه اسم “مسيح الرب” (سفر صاموئيل الأول ١٠:٥-٧) ثم مسح هو الفتى داؤود ليحلّ محلّه (صاموئيل الثاني ٢٣: ١-٣)، ثم مسح الكاهن صادوق وناثان النبي سليمان ملكا إلخ (أنظر سفر اللاويين ٤: ٣-٥؛ المزامير ١٣٢: ١٠). من المعروف أن صيغة “فعيل” المصوغة من فعل متعدٍ تأتي بمعنى “مفعول” نحو “أسير، جريح، خضيب، رجيم، صقيل، طريح، قتيل، كسير” وكذلك المسيح أي الممسوح بالزيت.
بعد هذه المقدّمة القصيرة (أنظر مقالا على الشبكة بعنوان: التأثيل الشعبي والتلاعب بالألفاظ لكاتب هذه السطور) أورد ما يذكره الدكتور جمال نصّار حسين بصدد تأثيل/تأصيل اللفظتين آنفتي الذكر، آدم والمسيح. إنه يدّعي أن آدم معناه “مغطّى بالشعر” وأن المسيح معناه “مُعرَّى من الشعر”. إليكم بالحرف الواحد ما في كتابه من تأثيل شعبي (folk etymology, associative or popular etymology) لا مكانَ له في الدراسات العلمية الحديثة إلا للنمثيل والشرح والتحرّي لرحلة الكلمات عبر العصور والأماكن: د. جمال نصار حسين، نشوء وإرتقاء آدم وحواء، قراءة في أصول المشكلة الإنسانية وحلّها. بيروت: دار العلم للملايين، ط. ١، ٢٠٠٥، ٥٤٤ ص.
“ فعدم وجود الشعر على جسم المسيح كان يعني الشيء الكثير والكثير جداً ولكن القوم عُمِّيت عليهم، وكما هو شأنهم دائماً! وقبل أن نقفل راجعين الى حيث كنا نرى ان نُعرِّج على بعض اللغويات ذات الدلالة والتي بمستطاعها اقامة الدليل القاطع على كون اسم المسيح قد اشتُق مما له علاقة بكونه غير مغطّىً بالشعر جسمه! ان جسم المسيح كان قد مسحه الله فمحا عنه شعره فجعل ذلك منه مسيحاً أي ممسوح الشعر أملس الملمس. تدبّر في الكلمتين: محا ومسح. ان كلاً من كلمة مسح ومحا تفيد الأزالة والتخلُّص والتنظيف! فلقد كان المسيح أملس الجسم عديم الشعر؛ خالياً من الشعر! ممسوح الجسم من الشعر؛عارياً من الشعر. ولنا ان نتصوّر مبلغ التفرُّد الذي تميز به المسيح، بجسمه الممسوح من الشعر، عن قومه الذين كان يميزهم شعرُ جسم كثيف للغاية؛ اذ كانوا من العرق السامي المتفرِّد بكثافة شعر الجسم! [أنظر سفر التكوين ٢٧: ١١ “فقال يعقوب لرفقة أمّه: هوذا عيسو أخي رجلٌ أشعرُ وأنا رجلٌ أملسُ”، إضافة: ح.ش.] كان المسيح مُعرَّى من الشعر وذلك على خلاف آدم الذي كان مغطّى بالشعر. ان اسم آدم هو ضديد اسم المسيح؛ فآدم اشتُق اسمه ليدل على كونه مُغطّى بالشعر. تدبَّر في الكلمات: دمَّ، ردم، طمَّ، طمرَ، أديم. تفيد هذه الكلمات معنى التغطية (أديم الأرض هو قشرتها الفوقية وغطاؤها الذي يستر باطنها)” ص. ٢١٨، أنظر ص. ٣٠٣. يضيف المؤلف حسين في الصفحة التالية ما نصه “فلم يكن المسيح هلوعاً جزوعاً بل كان انساناً خالياً من الاعتلالات النفسية! كما ان انعدام الجنس لديه كفل له ان يبقى جسمه مسيحاً من الشعر خالياً من أية مواد جنسية”.
أمام القارىء عامة والمهتمّ بموضوع التأثيل الشعبي خاصة مثالان يضافان إلى أمثلة أخرى معروفة بل شائعة أحيانا مثل: الإنفلونزا من أنف العنزة؛ شكسبير من الشيخ زبير؛ نابلس من نابُ لُس (اسم أفعى)؛ هامبورغر من هام = لحم فخذ الخنزير وبورغر؛ اللات من يلت السويق عند صخرة؛ بابل من بلبلة الألسن كما ورد في سفر التكوين ١١: ٩؛ die Erde الألمانية متحدرة من لفظة “الأرض” العربية!؛ bonfire من “نار جميلة” والصحيح ““نار عظام”؛ OK من zero killing, דיוקן من דיוק؛ אלכּוהול من עַלכּול, נשר لأن شعره ينثر، يسقط.
أنظر مثلا:
إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ١٩٥٨.
أحمد مختار عمر، علم الدلالة. القاهرة: عالم الكتب ط. ٢، ١٩٨٨.
محمد علي الخولي، علم الدلالة (علم المعاني). عمان: دار فلاح، ٢٠٠١.
محمود عكاشة، الدلالة اللفظية. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ٢٠٠٢.
גב‘‘ע צרפתי, העברית בראי הסמנטיקה. ירושלים: האקדמיה ללשון העברית, תשס‘‘א, פרק 12.
רפאל ניר, סמאנטיקה עברית. תל אביב : האוניברסיטה הפתוחה, תשמ"ט.
תמר סוברן, שפה ומשמעות: סיפורי הולדתה ופריחתה של תורת המשמעים. חיפה 2008.
.Anatoly Liberman, Word-origins: Etymology for Everyone. Oxford Univ. Press, 2009