في الجزائر، نظام صلب ومجتمع متأزم.. أي مستقبل؟
19-04-2013
elkhabar
محمد دخوش*
حسب الكاتب والمفكر الفرنسي الكبير ''ميشال كروزييه''، فإن الأنظمة الصلبة لا تحاول إصلاح ذاتها إلا في الوقت الذي تعصف بها أزمات عنيفة، يمكنها أن تقلب النظام السياسي ككل، لكن النظام ما يلبث أن يعود إلى مواقفه أشد صلابة حين تمرّ الأزمات. والمجتمع المتأزم تعصف به الأزمات الحادة، لكنه لا يصلح ذاته ولا يغيّر في هيكليته وتراتبيته، وإنما يعيش في وهم التغيير.
إن المتأمل لواقع المجتمع الجزائري يدرك، بوضوح شديد، أنه مجتمع متأزم، ونخبته المثقفة استقالت من الشأن العام، وتخندقت في مواقع رسمية وغير رسمية، وتنازلت عن دورها التأطيري، ولم تحاول المساهمة في إنتاج المعرفة التي تخدم المجتمع.
أما نظام الحكم في الجزائر، فإنه ينادي بالإصلاح والتغيير والتنمية في وقت الأزمات التي تهدّد وجوده، ويوظف كل الوسائل والآليات لدرء الخطر عنه، سواء العنف المادي ممثلا في مختلف مصالح الأمن، أو العنف الرمزي ممثلا في وسائل الدعاية والإعلام العمومي، أو عبر توظيف الريع النفطي. وعندما تخف حدّة الأزمات، يعود لسابق عهده، في غلق العملية السياسية وضبط الحراك السياسي.
أي طبقة سياسية عندنا؟
أغلب الأحزاب السياسية في الجزائر تحوّلت إلى ما يشبه ''الدكاكين الانتخابية''، لا نكاد نسمع لها صوتا إلا في المواسم الانتخابية، وتبدأ عملية ''النخاسة السياسية''، وتصبح المناصب وصدارة القوائم لمن يدفع أكثـر، ومنه يصبح المال هو المحدّد الرئيسي في عملية التجنيد السياسي للنخب، بغض النظر عن المؤهلات والقدرات والاستعدادات، الثقافية والفكرية والنفسية، للنخب، فلا ينتظر منها أحد أن تغيّر شيئا، كل هذا يحدث تحت سمع وبصر النظام الذي إن لم يجد هذه الوضعية لخلقها، ذاك أن طبقة سياسية من هذا النوع تؤمّن له استمراريته ويسهّل عليه شراءها وتوظيفها بما يخدم مصالحه، فقد علمنا منطق التاريخ أن هدف كل نخبة حاكمة هو الاستمرارية وإعاقة تشكل بديل نخبوي يخلفها. وها نحن نشاهد، اليوم، كيف تنادي بعض الأحزاب بعهدة رابعة للرئيس قبل أن يعلن هو نفسه عن رغبته، رغم أنها مؤسسة حديثا يفترض فيها أن تعكف على بناء مؤسسات حزبية قوية، وإعداد كوادر تكون في مستوى التحدّيات الحالية والمستقبلية للجزائر. فعلا، إنهم ملكيون أكثـر من الملك. إن الواقع المؤسف للممارسة السياسية، في الجزائر، هو سبب نفور غالبية الجزائريين من العمل الحزبي.
المسألة الشبانية وتضارب الأولويات
إن تضارب الأولويات هو إفراز طبيعي وحتمي لاختلاف المشارب والرؤى الفكرية والاهتمامات بين مختلف فئات المجتمع. في الوقت الراهن، يشكل الشباب، في العالم العربي، ما يسمى بالفواعل الثورية الجديدة، حسب التعبير السوسيولوجي، هؤلاء الشباب لديهم الكثير من المشاكل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، هم فئة نشطة حاملة لقيم وتطلعات التغيير والتجديد ومواكبة روح العصر، لذلك تتجسد تطلعاتها في تحقيق الذات، وتحسين الظروف المادية التي تسمح له بتوفير حياة كريمة وتأسيس أسرة، ومنه تحقيق الاستقرار والأمان النفسي.
أما الجيل القديم الذي تنتمي الأغلبية الساحقة من عناصر النخب الحاكمة له، فإنها تملك أولويات مختلفة تماما عن تلك التي عند الشباب، فهي متواجدة في السلطة لسنوات عديدة، ومنه تتمثل أولوياتها في ضمان استمرارية تحكمها في السلطة ومنه التحكم في الثـروة، وهي مستعدة في سبيل ذلك لفعل أي شيء، تعديل الدستور، توظيف الريع النفطي... إلخ.
أي مستقبل؟
نظرا لاختلاف الأولويات، فإن الصراع والصدام حتمي، بدأ سلميا، وهو ما تجسد في الحراك الشباني الأخير من إخوتنا، سواء في الجنوب أو مختلف مناطق الوطن، الذي طالب بحقه في العمل والتوزيع العادل للثـروة الوطنية. لكن، كالعادة، بدأت المعالجة بالصيغة الأمنية، كما شاهدنا في الإنزال المكثف لقوات الأمن في ورفلة وغيرها من الولايات الجنوبية، ثم الإنزال الوزاري في الجنوب الذي جاء ليؤكد مدى تخوّف النظام من إمكانية استفحال الأوضاع بشكل لا يمكن التحكم فيه.
وعليه، إن لم تتم معالجة المسألة الشبانية بجدية وبمسؤولية، فإنها مرشحة لتأخذ أبعادا أخرى ويتحوّل الحراك الاجتماعي إلى حراك سياسي، وتنفجر الأوضاع ويصبح من الصعب ضبط الأمور. وبداية المعالجة السليمة، في رأيي، تكون في مجيء نخب سياسية تحظى بثقة الشعب، وخاصة الشباب، حتى تخلق جوا من الثقة يساعد في حلحلة الأوضاع، وكذا ضرورة محاسبة رؤوس الفساد، حتى تستعيد مؤسسات الدولة شيئا من مصداقيتها.
*طالب دكتوراه في العلوم السياسية ـ جامعة الجزائر 3
d.mohammed2013@hotmail.fr
http://www.elkhabar.com/ar/autres/mousahamat/332216.html