كلام آخر
الاستعمار الجديد والحروب القادمة
الثلاثاء 29 أكتوبر 2013 مصطفى هميسي
- See more at: http://www.elkhabar.com/ar/autres/makal/363561.html#sthash.9wJlv0MY.dpuf
هل المنطقة العربية مقبلة على حروب؟ تقديري نعم. بل أقول إنها تعيش هذه الحروب في الكثير من بلدانها. لقد دخلنا، حسب الباحث الأمريكي في الاستراتيجية العسكرية، د. ماكس مانوارينغ، مرحلة “الجيل الرابع من الحروب”. ويرى الباحث أن أهمية هذا “الجيل الرابع” تتمثل في أن الحرب لن تستخدم الأسلحة والتدخل العسكري واختراق حدود الدول، وإنما تتم عبر استخدام ما يطلق عليه “القوة الناعمة” التي تستخدم الإعلام بالدرجة الأولى، خاصة منه الوسائط التي تستطيع الوصول مباشرة إلى المتلقي (الإنترنت أو المحطات التلفزيونية والإذاعية الفضائية). والهدف، حسب الباحث، ليس “تدمير” نظام سياسي معين أو القضاء عليه وإحلال آخر محله، وإنما صار “إنهاك إرادة الدول المستهدفة، ونسف قدراتها ببطء ولكن بثبات” وذلك من أجل “اكتساب نفوذ” داخل هذه الدولة أو تلك، في البداية، ثم “إرغامها على الامتثال لإرادة الدولة الغازية” فيما بعد. وحسب د. مانوارينغ، فإن بإمكان هذا “الجيل الرابع” من الحروب أن ينتج “دولا فاشلة” يسهل “التحكم فيها” بل و”الذهاب إلى ما هو أبعد من التحكم كلما أمكن ذلك”. وبطبيعة الحال، فإن هذه الحرب ليست سريعة خاطفة، بل هي عبارة عن “سيرورة يجري تنفيذها ببطء، ودون أن يكون أحد منتبها لما يقع..”. ذلك توصيف لملامح الحرب الجديدة، حسب هذا الباحث، وهي تمثل بشكل من الأشكال المنطق الغربي الجديد في مواجهة الأوضاع في مناطق كثيرة من العالم وخاصة في المنطقة العربية. نعم، الكثير من البلدان العربية تقف على مشارف الدولة الفاشلة، والسبب ليس إسقاط الأنظمة الديكتاتورية الفاشلة، كما يحاول أن يوهم البعض، ولكن مجموعة عوامل متداخلة ومتفاعلة ومنها “الحروب الناعمة”. من الناحية العملية يمكن أن نرى ذلك من زوايا ثلاثة: الزاوية الأولى: مثلما استخدم الغرب بعض الإسلاميين ضد النخب الوطنية والثورية، يمكنه أن يستخدم نخبا ليبرالية أو لائكية علمانية أو غيرها من أجل عدم تمكين الإسلاميين من تجسيد أي برنامج حقيقي. وقد تتحرك تلك القوى تلقائيا أو قد تُحرّك إراديا من قبل هذا الطرف أو ذاك، لاسيما إذا ما تعلق الأمر بأي مس حقيقي بمصالح الغرب وأمن إسرائيل. الزاوية الثانية: الحروب قد تأتي في شكل حروب أهلية محدودة، كما هو الحال في العراق وسوريا والسودان، ويكفينا النظر في الخرائط الجغرافية وتوزيع الأقليات لنفهم هذا الخطر. وقد تأتي في شكل مواجهة مع جماعات مسلحة يتم تسليحها أو تأهيلها تحت هذه الواجهة أو تلك. وذلك ما يؤدي، كما هو الحال الآن، إلى دول فاشلة يصبح هاجس الأمن والاستقرار فيها هو الأولوية وليس التنمية ولا بناء دولة المؤسسات والقانون والديمقراطية. أكثر من هذا أقول إن دراسة متأنية للجغرافيا السياسية للمنطقة العربية، وهي من وضع بريطانيا وفرنسا بالخصوص، تجعلنا نستنتج أنها خريطة معطلة لكل تنمية ولكل نهضة. إنها خريطة تترك الباب مفتوحا دائما لألوان من النزاعات ومن الشكوك المتبادلة. شيعة سنة عرب أكراد عرب أمازيغ مسلمون مسيحيون مسلمون أقباط، وهكذا تظل قاعدة فرق تسد مطبقة بشكل متواصل من قبل أنظمة الحكم ومن قبل الغرب والمصالح الكبرى، وهو ما ينهك اقتصاديات بلدان المنطقة ويدفع إلى توجيه أموالها وأولوياتها باتجاه آخر. الزاوية الثالثة: المجتمعات العربية تتحرك في الغالب بإعلان أهداف عامة وما زالت النخب غائبة و/أو عاجزة عن ما أسميه “ترشيد حركة الشعوب”. والغرب عمل على احتواء هذه الحركة بوسائل ومناهج مختلفة وإن لم يتمكن منها فلن يتورع عن الدفع إلى حرب أو حروب في المنطقة. هل الدولة الفاشلة تبدأ من الفشل المزمن للسياسي؟ إن استمرار الدولة الكولونيالية والهياكل الأركائيكية للدولة القديمة القائمة على الأمن والبيروقراطيات المختلفة، صار عاملا يشجع أو يدفع في اتجاه الحروب على المستوى الداخلي ويجعل النخب إما تابعة أو عاطلة أو معطلة؟ ألا نرى بوضوح كامل أن الأحزاب في شكلها التقليدي، وكثيرها يعد امتدادا للسلطة القائمة وما تستند له من أجهزة في أغلب البلدان العربية، لا تستطيع التجنيد على أساس برامج بل تلجأ لاستخدام العرقية أو الطائفية أو الدين ككل. وذلك يفتح الباب أمام تغذية “النزاعات” التي تستدعي التدخل الخارجي لمزيد من التأجيج لتلك النزاعات، وتلك أدوات الاستعمار الجديد وهي حروب مدمرة ومعطلة لزمن آخر يحسب على الفشل.
mostafa.hemissi@hotmail.com
http://www.elkhabar.com/ar/autres/makal/363561.html