البديل من العبرية، كلمات عربية مقترَحة لألفاظ عبرية شائعة
عرض ومراجعة
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
تحت هذا العُنوان (حيفا: مكتبة كل شيء، إصدار مجمع القاسمي للغة العربية، أكاديمية القاسمي (ج.م)، كلية أكاديمية للتربية - باقة الغربية، ط. ١، ٢٠١٣، ١٩٩ ص.) صدر مؤخّراً كتاب ب. فاروق مواسي المكوّن من خمسين مدوّنة كانت قد نُشرت قُبيل ذلك في عدّة مواقعَ إلكترونية (كل المدونات: http://mnbrna.com/ViewArticle.aspx?Aid=5496&CatsId=11). يتصدّى المؤلِّف في هذا الكتاب لظاهرة مؤرّقة متفاقمة بمرور الوقت منذ العام ١٩٤٨ وإلى يوم الناس هذا، يمكن الإشارة إليها بـ “عبرنة” العربية في البلاد أو “تعبرُن” ناطقي العربية. حظيت عربية البلاد هذه باسماء مثل “العِرْبية” وبـاللغة “الهجينة” وباللغة “المتهودة” و”المعَبْرَنة”، أي خليط من العربية والعبرية (أنظر مثلا ص. ١، ١٢، ١٦، ١٩، ٥١، ٦١، ٩٩، ١٥٣، ١٦٥). بين دفتي هذا الكتاب قرابة الثمانمائة لفظة أو عبارة عبرية شائعة ومقابلها مقترحات بديلة عربية لها. رُكّزت هذه الألفاظ العبرية وبدائُلها العربية وفق الترتيب الأبجدي، لا حسب الجذر الثلاثي، كما هي العادة في مثل هذه الدراسات، في ذبل الكتاب دون الإحالة إلى الصفحات (ص. ١٦٧-١٩٩).
بادىء ذي بدء ينبغي القول إن مثل هذه المهمّة الضرورية والشاقّة، إيجاد أو ابتكار ألفاظ أو مصطلحات جديدة لمستجدّات العصر في شتّى ميادين العلم والمعرفة الحديثة، هي من اختصاص مجموعة من المختصّين لغويا والمختصّين في المجالات العلمية ذات الصلة. بعبارة واحدة، هذا عمل جماعي وما أندره في أوساطنا! هكذا تقوم بواجباتها كل المجامع اللغوية في العالم، لجنة خاصّة بالمصطلحات على أنواعها مثل لجنة الطبّ ولجنة الفلسفة ولجنة الشؤون البنكية ولجنة اللسانيات ولجنة الاقتصاد ولجنة العلوم الاجتماعية وهلمجرا. أحد أهداف المجمع اللغوي الهامّة هو توجيه التطور اللغوي وفق روح اللغة وطبيعتها وإمكانياتها. تعمل لجان كهذه مثلاً في أكاديمية اللغة العبرية في القدس وباستمرار منذ قرن من الزمان ونيّف. المجمع اللغوي يُصادق على ألفاظ ومصطلحات جديدة أو يعدّل أخرى قديمة إلا أنه لا يَفرضها على أحد، إذ لا سلطة له على ذلك، ومن المعروف أنه ليس كل ما يُصادَق عليه يدخل حيز الاستعمال. قسم من هذه المصطلحات يتطلّب فترة من الزمن ريثما يتقبّله أهل اللغة شفويا وكتابيا وأسباب عملية القَبول أوالرفض معقّدة جدا. ناطقو اللغة والكاتبون بها هم الذين يُغربلون أو يُنخّلون ما يُطرح من مصطلحات وألفاظ بديلة لما في “المعيار الأوروبي” المتحدّر عادة من اللغتين الكلاسيكيتين، اليونانية واللاتينية. عمل مُضنٍ كهذا في أي قطر عربي، فرديا كان أو جماعيا، يجب ألا ينسى بأنه جزء من سائر العرب، زهاء الأربعمائة مليون إنسان، آخذا مع ذلك بعين الاعتبار ما لديه من خصوصيات محلية، والتوفيق بين هذين المطلبين غير يسير.
هنا لا مندوحة من تفريق واضح قاطع بين نمطي العربية الرئيسين، اللغة المعيارية (MSA) واللغة المحكية (spoken, colloquial) والأولى توحّد كل العرب الذين أنهوا لنقل المرحلة الثانوية على الأقلّ والمحكية تُفرّقنا في بعض الحالات، كما يعرفه الجميع. لا نُضيف جديدا إذا ما قلنا بأن هناك بعض الفروق المعجمية بين معيارية المغرب العربي مثلا ومشرقه مثل: وزارة الفلاحة، الوزير الأول، تاريخ الازدياد، عند الزوال في المغرب ويقابلها في المشرق: وزارة الزراعة، رئيس الوزراء، تاريخ الولادة، عند العصر.
العالم العربي مفكّك ومقسّم في أقطاره الكثيرة وفيه مجامع لغوية منذ زمن طويل (مثلاً: دمشق ١٩١٩، القاهرة ١٩٣٢، بغداد ١٩٤٧، عمّان ١٩٧٦، الخرطوم ١٩٩٣، تونس ١٩٩٣) وحتى في ديارنا المقدسة نجد أكثرَ من مَجْمع لغوي والمصطلح العلمي ما زال يُعاني من معضلة توحيده لأسباب عديدة منها بالأساس غياب الإرادة السياسية للدولة فقلّة التنسيق بين المجامع فقصور فاضح في تعميم المصطلحات. قد يستغرب البعض أن المستشرق الإيطالي كرلو- ألفونسو نلينو ( Carlo-Alfonso Nallino، ١٨٧٢-١٩٣٨)، عضو مجمع القاهرة، كان أوّل من دعا إلى توحيد المصطلحات العربية رسميا في ثلاثينات القرن الماضي وأيّده في ذلك علي الجارم (١٨٨١-١٩٤٩). على الشعوب التي تأخذ ولا تُعطي أن تكدّ مؤسساتُها اللغوية والعلمية في سبيل توفير المصطلحات العلمية الجديدة والمتزايدة على الدوام. بعض الشعوب نجحت في تحقيق ذلك، فهنالك الصينيون والڤيتناميون والفرنسيون والروس واليابانيون والإسرائيليون، كلهم عملوا جادّين مخلصين من أجل ترجمة العلوم الحديثة إلى لغاتهم وتدريسها بلغاتهم القومية. تمتّعت دول تلك الشعوب بإرادة سياسية مستقلة، رسمت، خطّطت، نفّذت، تقدّمت. أذكر هنا أن تجربة العبرية الحديثة في نقل العلوم الغربية كانت سريعة وسهلة وتقبّلها المتلقون بسرعة إذ كانوا على مستوى علمي عالٍ من جهة وكانت اللغة العبرية المحكية حديثة العهد وبحاجة ماسّة لضخّ دماء جديدة في شرايينها من الناحية الأخرى.
مَعين مثل هذه المصطلحات العلمية الحديثة بالنسبة لمعظم لغات العالم هو ما يُشار إليه اختصارا بـ SAE (أي: Standard Average European) أي “المعيار الأوروبي” وهو بالأساس يضمّ اللغات العالمية الثلاث: الإنجليزية والفرنسية والألمانية (أنظر مثلا: http://www.linguistik.hu-berlin.de/institut/professuren/korpuslinguistik/mitarbeiter-innen/amir/pdf/, LT_Hebrew_SAE.pdf؛ http://www.voiceofarabic.net/index.php?option=com_content&view=section&layout=blog&id=8&Itemid=372, إبراهيم السامرائي، تعابير أوروبية في العربية الحديثة، بغداد، ١٩٥٩؛ יהושע בלאו, תחיית העברית ותחיית הערבית הספרותית. ירושלים תשל‘‘ו). هنالك في بحثي السامرائي و بلاو وأبحاث شبيهة
(ּأنظر مثلاً ما يلي وأكتفي هنا بذكر المؤلف وكتابه فقط: عبد الرحمن أيوب، اللغة والتطور؛ إبراهيم أنيس، طرق تنمية الألفاظ في اللغة؛ اللغة بين القومية والعالمية؛ أحمد محمد خلف الله، معالم التطور الحديث في اللغة العربية وآدابها؛ إبراهيم السامرائي، الجديد في اللغة والمعجم العربي الحديث؛ في تاريخ المشكلة اللغوية؛ في الجديد اللغوي؛ من سعة العربية؛ العربية تواجه العصر؛ أحمد الأخضر غزال، المنهجية الجديدة لوضع المصطلحات العربية؛ حسن حسين فهمي، المرجع في تعريب المصطلحات العلمية والفنية والهندسية؛ مراد كامل، دلالة الألفاظ العربية وتطورها؛ إسماعيل مظهر، تجديد العربية؛ حفني أفندي ناصف، الأسماء العربية لمحدثات الحضارة والمدنية؛ أحمد عبد الرحمن حمّاد، عوامل التطور اللغوي، دراسة في نمو وتطور الثروة اللغوية؛ محمد السعيد بدوي، مستويات العربية المعاصرة؛ شحادة الخوري، “اللغة العربية والتقدم العلمي والثقافي في الوطن العربي”، مجلة همزة الوصل ع. ٦، ١٩٧٣، الجزائر: وزارة التربية الوطنية؛ تمام حسان، نحو تنسيق أفضل للجهود الرامية إلى تطوير اللغة العربية، اللغة بين المعيارية والوصفية؛ حلمي خليل، المولد، دراسة في نمو وتطور اللغة العربية بعد الإسلام؛ محمد علي الزركان، الجهود اللغوية في المصطلح العلمي الحديث؛ محمود فهمي حجازي، الأسس اللغوية لعلم المصطلح، اللغة العربية في العصر الحديث، قضايا ومشكلات؛ صالح الحرفي، اللغة العربية وهويتها القومية، من قضايا اللغة العربية المعاصرة؛ محمد رشاد الحمزاوي، العربية والحداثة؛ عبد الصبور شاهين، العربية لغة العلوم والتقنية؛ الأمير مصطفى الشهابي، المصطلحات العلمية في اللغة العربية في القديم والحديث؛ يعقوب بكر، العربية لغة عالمية؛ سعيد الأفغاني، اللغة العربية وتحديات العصر؛ عبد الكريم خليفة، اللغة العربية والتعريب في العصر الحديث؛ فؤاد طرزي، في سبيل تيسير العربية وتحديثها، أمان لو تتحقق؛ عدنان علي رضا النحوي، اللغة العربية بين مكر الأعداء وجفاء الأبناء؛ عبد القادر الفاسي الفهري، السياسة اللغوية في البلاد العربية)
كم هائل من الأمثلة التي تُظهر مدى تأثير “المعيار الأوروبي” مثل: روضة الأطفال، مستوى المعيشة، الضوء الأحمر، سؤال مفتوح، أخذ صورة، الجدار الناري، التحصي اللعابي، حاضون، المجموع الكلي، فتّاحة القناني، طاحونة قهوة، محمية طبيعية، مياه جوفية _ גן ילדים, רמת חיים, האור האדום, שאלה פתוחה، לקח תמונה, חומת אש, פטרת בלוטות הרוק, מחשב ברכיים, סך הכל, פותחן בקבוקים, מטחנת קפה, שמורת טבע, מי תהום. ما مثل هذه الاستعمالات إلا بمثابة انعكاس أو نسخة calque من الإنجليزية عادة، كما لا يخفى على الكثيرين. هذا التأثير المعجمي المشترك على العربية والعبرية حديثا يُساهم في زيادة أوجِه الشبه بين هاتين الأختين الساميتين رغم الصراع الدائر منذ فترة بين ناطقيهما. في بعض الأحيان تختلف اللغتان لاختلاف مصدر التأثير فمثلا عرّبت العربيةُ اللفظةَ الفرنسية الإغريقية oxygen بلفظة “أوكسجين” (بواو أو بدونها) أما العبرية الحديثة فسارت على هدي الألمانية Sauerstoff فاشتقت חַמְצָן.
خطر الانقراض يتربّص بمئات اللغات سنوياً ويبدو جلياً أن اللغة الإنجليزية تتّسع سيطرتُها وتتعمّق في عصر العولمة هذا والسؤال الذي يُربك الكثيرين: هل نحن سائرون نحو عالم آيل إلى أُحادية اللغة، الإنجليزية؟ هذا لا يعني أن سكّان الكرة الأرضية سيستخدمون الإنجليزية في يوم ما بل المقصود أنهم سيفكّرون بطريقتها وعلى منوالها. بناء على معلومات اليونسكو فإن ٣٠٠٠ لغة، أي حوالي نصف لغات العالم اليوم، مهدّدة بالاندثار في غضون فترة معيّنة.
من الواضح أن الأستاذ الشاعر فاروق مواسي، الغيور على العربية بشقّيها الأساسيين، المعيارية والمحكية والبعيد عن السلفية اللغوية أو الفكرة الجامدة، قد انبرى ضد ظاهرة العبرنة والتعبرن فقام بجهد مشكور مستخدماً الاشتقاق والاقتراض والنحت والتوليد في مسعاه لإيجاد بديل للألفاظ العبرية التي تغزو عربيتنا المحكية بالأساس. أرى أن الأستاذ الصديق مواسي قد أولى عملية التعريب قدراً كبيراً ممّا تستحقّ من توفيق بين المصطلح ومدلوله في كل سياقاته، الإيجاز مع الإيضاح والحفاظ على سلامة اللغة. عَرَضَ ما كان في جعبته من مقترحات بأسلوب سلس فيه مسحة واضحة من الدعابة والطرافة في الكتابة الصحفية، متكئا أساساً على معرفته باللغتين العربية والعبرية ومستعيناً ببعض المصادر اللغوية والمعجمية مثل معجمي البعلبكي وابن شوشان وببعض المختصين في مجالات علمية ومهنية معيّنة. حبذا الاثبات لهذه المصادر في نهاية الكتاب كالمألوف في الدراسات المعاصرة.
طبيعة هذه الكتاب، خمسون مدوّنة صحفية، أدت إلى بروز الإعادة والتكرار هنا وهنا إذ أن هذه المدوّنات نُشرت في الكتاب كما هي دون تعديل. يبدو لي أن همّ المؤلِّف الأساسي كان “تطهير” عربيتنا المحكية من أي لفظ عبري عبر إيجاد بديل له أحلى منه (أنظر: ص. ١٣، ٢٨، ٦٣، ٦٤، ٨١، ٨٥، ٩٦، ١٠٧، ١١٥: “… صدقاً لُغتنا العربية أجمل وأرقى بكثير”، ١٢٣، ١٢٧، ١٣٠). بناء على أُسس اللسانيات (علم اللغة، Linguistics) الحديثة لا فضلَ للغة على أخرى والجمال أمر شخصي ذاتي ولكل لغة طريقتها في وصف الحياة، والنقطة الجوهرية عدم السير ضد روح اللغة وطبيعتها. كل شعب يدّعي أن لغته أجمل لغة في العالم (أنظر: حمزة المزيني، التحيّز اللغوي وقضايا أخرى). في اعتقادي مثلاً استعمالات من قبيل “ هذا مقبول عليّ” ، “تعال نسكر الموضوع” أشد وطأة على العربية المكتوبة والمنطوقة من זה מקובל עלי, בוא נסגור עניין، لأن الأول يتغلغل ويُصيب صميم العربية أي صرفها في حين أن الثاني يطفو على السطح ومعروف أصله وفصله “علْمكشوف”. وهذا يذكّرني بـالعبارة “الكتابة التامة والكتابة الناقصة” التي يعسُر على العربي الذي لا يعرف العبرية فهم المقصود منها (أنظر ص. ١٦٧، أراد القول: كتابة مشكولة/بالحركات إزاء الكتابة بلا حركات وهذه مشكلة عويصة في العبرية اليوم). هذا لا يعني بالطبع الإحجام الكلّي عن الاقتباس والتلاقح اللغوي بين اللغات إذ لا وجود للغة مكتفية بذاتها وإلا لأصبحت في عداد اللغات الميتة، المنقرضة.
الأغلبية الساحقة من هذه الثمانمائة لفظة أو عبارة عربية معروفة للمهتمّين ومذكورة في المعاجم الثنائية والمؤلِّف يُشير إلى ذلك في أكثرَ من موضع، فهو يذكّر إن نفعت الذكرى (أنظر ص. ١٠١ “ولا أدعي أنني أجدد بقدر ما أذكّر”، ١٠٢، ١١٦). إقحام العربي لكلمات وعبارات عبرية في نسيج حديثه العربي اليومي بشكل آليّ، ليس ناتجاً، كما أشرتُ في مناسبة أخرى، عن تقصير في لغته بل ينمّ عادة عن خلخلة في الهوية القومية والجري خلف لغة الحاكم رمز الحداثة والتقدم (هذا ما ذكره كما يعلم الكثيرون ابن خلدون في فصله السادس من مقدمته) وفي أحيان معينة يكون السبب مجرد الكسل والموضة.
من جهة أخرى هنالك في تقديري بعض الألفاظ العبرية الشائعة ومن الصعوبة بمكان الاتّفاق على بدائلَ عربية ملائمة لها مثل כְּדַאי, דַוְקָא, הָלִיךְ, חֲוָיָה, מַה פִּתְאוֹם, מְמֻשְמָע, בְּסֵדֶר, סְתָם (مجرد، هيك), מְעַנְיֵן, לְפַרְגֵּן, שַׁלָּט وأرى أنّ ما اقترحه الأستاذ مواسي جدير بالاهتمام والمناقشة. أرى أن مثل هذه الألفاظ المستعصية بحاجة لبحث منفرد ومفصّل يأخذ في الحسبان ما في المعاجم الثنائية ومن ضمنها معجم الدكتور ربحي كمال العبري-العربي (ط. أولى، دمشق ١٩٧٥) ثم جرد شامل لكل استعمالات الألفاظ المذكورة لمحاولة تحديد البديل العربي الأقرب والأنسب.
في بعض الحالات استخدم مواسي طريقة النحت في إيجاد البديل المنشود حاذيا حذو العبرية “الغنية بنحتها واختزالها واختصاراتها” (ص. ٣٦، ٥٨) مثل: بيمديني، شارَصيف، الواسي، ضَقا، مُثيه، شَوْسَم، حتن، مَعَل، مَثاه، يَسيكة، قهيب. نعم هذه السمة في العبرية الحديثة شائعة وهي ناجمة عن تاريخ هذه اللغة، كانت لغة كتابة فقط مدّة سبعةَ عشرَ قرناً تقريباً، ثم ما سمّي بـ “إحياء” (תְחִיָּה، revival) في أواخر القرن التاسع عشر للعبرية والطابع العسكري لإسرائيل الذي يتطلّب التعامل بسرعة وباختصار وبسهولة، لا سيما في صفوف جيش الدفاع الإسرائيلي المعروف بالاختصار “تساهل” لفظا و”صاهل” كتابة, ويُنظر في الاختصارات العسكرية التي لا تُحصى في الصحافة اليومية حتى. أظن أن الإكثار من محاكاة العبرية في هذا الجانب قد يمسخ العربية في آخر المطاف إذ أن هذه الظاهرة ليست في عداد سماتها وخصائصها لا قديماً ولا حديثا. هذا لا يعني تجنّب اللجوء إلى هذه الوسيلة بالرغم من أن المختصرات العربية القديمة قد اقتصرت بالدرجة الأولى على الدين مثل “حمدل وسبحل وسمعل وطبقل”. قد يقول البعض لِمَ لا نحذو حذو العبرية في اشتقاق كلمات عربية مثل “الشوسم” أي “الشوكة والسكين والملعقة” على غرار סַכוּ‘‘ם أي סַכִּין, כַּף וּמַזְלֵג، وكما حدث بالنسبة لـ “دفيئة” على نسق חֲמָמָה وليس على هدي greenhouse، في رأيي المتواضع “إشي ومِنّه”، أي لحدّ ما، لئلا ننحو بعيدا عن العربية المعيارية في الوطن العربي. قد يستسيغ الذوق العربي العام “شوسَم” مثلا في المطاعم والمنتزهات والله أعلم! من التأثيرات العبرية على العادات العربية استعمال “صَحّتين” كمقابل (equivalent) لـ בְּתֵאָבוֹן وشتّان ما بينهما، في العربية ينطق الشخص باللفظة جوابا على دعوته لتناول الطعام عند قدومه ومائدة الطعام ممدودة وحولها الطاعمون أما في العبرية فتقال اللفظة لمتناوِل الطعام على منوال bon appétit الفرنسية و bonan apetiton في الإسپرنتو و hyvää ruokahalua (شهية طعام جيّدة) بالفنلندية و guten Appetit, Mahlzeit بالألمانية وكلها من اللاتينية bonum appetitionem (قارن ص. ١٢٦). جانب جدير بالنظر أيضا هو ترديد العرب لألفاظ عربية الأصل دخيلة في العبرية وبلفظ عبري ولكن المعنى في لغة الأصل عنه في لغة الهدف مثل: אבו ארבע, אוּדרוב, אחלה, אסְוד, באסה, דאוואוין, כיף, סאחבק.
اللغة تجعل من الإنسان إنسانا لأنها تُبلور نظرته للوجود وقد تأتي اللغة في المرتبة الثانية من حيثُ الإشكالية والتعقيدُ بعد قضية الوجود. أميل إلى تبنّي تجربة مصطفى عبد الله الدنّان في تعليم العربية المعيارية الميسّرة بالفطرة والممارسة منذ مرحلة رياض الأطفال. هل سيبقى تعريب التعليم الجامعي في كافّة المواضيع حُلماً يراود الغيورين على العربية؟ إن التعليم بلغة أجنبية يقضي، في آخر المطاف، على القومية والشخصية العربية. التعليم باللغة القومية توطين للعلم ومحافظة على الهوية وفيه دماء نقية تضخّ في عروق اللغة باستمرار.
الأستاذ فاروق مواسي طرح ما بجعبته، بضاعته، في هذا الموضوع الحسّاس والهام بغيرة وبجرأة والدهر سوف يرينا ما سيختاره أصحاب اللغة في أحاديثهم وفي كتاباتهم. فعل مثل “حَتْلَن” المصاغ على منوال עִדְכֵן يبدو أنه دخل الاستعمال، على الأقل، في “إذاعة الشمس” النصراوية في حين أن الفعل “حتن” المشدّد (أنظر ص. ٣، ٦ ) الذي ابتكره مواسي في سبعينات القرن العشرين (ص. ٣) له أيضا وجوده في منابرَ أخرى. للزمن أيضاً القول الفصل بصدد اختيار واحدة أو أكثر أو لا كلمة من “ماركة، طراز، وسيمة”. آمل أن يلقى هذا الكتاب ما يستحقّه من عناية ودراسة جادّة خدمة لعنوان هويتنا ووجودنا في الوطن.
(ملحوظة: في طبعة ثانية آمل أن تصوّب أخطاء التشكيل الكثيرة جدّاً في الألفاظ العبرية مثل קוּצֵב والصحيح קוֹצֵב، ص. ٨، فقرة ثالثة، وكذلك معنى מחמאה الواردة في سفر المزامير ٥٥: ٢٢، وهنات أخرى سأرسلها للمؤلّف).