حكمة أنفاق غزة
سهيل الخالدي
يبدو أن إسرائيل في هذا العدوان الذي بدأ يوم 7 / 7 لم تستطع أن تخيف الفلسطينيين ولا أن تجنب جيشها بوادر مأساة بشرية ومعنوية كالتي حدثت لها في سنوات سبقت، فاضطرت إلى الانسحاب، فلماذا أقدمت إذن على هذه المغامرة؟
ما زلت أعتقد أن ليس لدى إسرائيل حسابات إسرائيلية مستقلة أجبرتها على هذه المغامرة المجنونة، بل أن هذه الحسابات مختلطة أو مخلوطة بحسابات إقليمية ودولية اعتقدت إسرائيل أنها يمكن أن تجيرها لحسابها مثل:
1- تعويم نظام السيسي عربيا وإسلاميا ودوليا بإظهاره أنه قادر على فعل شيء في منطقة تهم العالم بأسره. وقد فشلت.
2- الإجهاز على حركة حماس الحاكمة في القطاع
ونشر الفوضى فيه فيقتتل الفلسطينيون على أرضه، مما يتيح الفرصة لتدخلات دولية ربما تمهد لدولة سيناء التي يجري التخطيط لها. وواضح الفشل الإسرائيلي؛ فمن الملاحظ أن حماس رغم ما تعانيه من إنهاك تخرج حتى الآن أقوى مما كانت عليه قبل يوم واحد من العدوان
3- إتاحة فرصة لحلفاء إسرائيل السريين والعلنيين من العرب بإمساك القضية الفلسطينية كلها بأيديهم وصولا إلى التخلي عن مشروع الدولتين الذي أقره المجتمع الدولي، ومن الواضح أن محمود عباس استعاد بعض قوته أمام المجتمع الدولي بفضل صواريخ حماس وكل الفصائل الفلسطينية المقاتلة.
4- إعطاء المجتمع الدولي سببا وحجة لنفض يده من الموضوع الفلسطيني وتحويله إلى موضوع إرهاب
ويبدو أن إسرائيل حشدت فشلا غير قليل في عواصم المجتمع الدولي.
وتبدو المحصلة الأولية لهذه الحرب المجنونة على غزة ملفتة للانتباه، وتطرح أسئلة في منتهى الخطورة.
1- هل تمكنت حماس وسائر الفصائل من تضليل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والمصرية والعالمية وحفرت هذه الأنفاق في داخل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل وبدقة هندسية مكنت مقاتليها من مفاجأة الجنود في معسكراتهم؟
2- كيف تمكنت حماس من إدخال كل هذه المعدات والأسلحة والمعابر مع مصر مغلقة والأنفاق مهدمة؟ وإذا كان ذلك كذلك، فما معنى هذه "المرجلة" التي يبديها نظام السيسي وقبله مبارك بإغلاق معبر رفح وهدم الأنفاق؟
3- كيف تحول موقف بعض السياسيين العرب بسرعة البرق من موقف المنتقد لرفض حماس مبادرة السيسي إلى محاولة لملمة هذه المبادرة وإنقاذ ماء وجه السيسي بإدخال طلبات الشعب الفلسطيني ـ وهي في الأصل التزامات إسرائيل في اتفاق2012 اشترطت حماس تنفيذها ـ حتى أن كيري وزير خارجية أمريكا بدأ يشير إلى تلك الاتفاقية؟
ماذا يعني كل ذلك؟
إنه يعني ـ في اعتقادي ـ أن الطرف الإسرائيلي والعربي والأمريكي سقط في الأيام الأولى لهذه الحرب سقوطا أخلاقيا يحتاج زمنا لتجاوز نتائجه.
- يعني سقوط الحكام في ما سمي بدول الربيع العربي فجماهير هذه الدول رغم ما يسلط عليها من إرهاب وإرهاب مضاد خرجت جنبا إلى جنب مع الجمهور الفلسطيني تحيى المقاومة وبسالتها؛ بل امتد هذا الموقف الجماهيري إلى دول أوروبية وغير أوروبية. وهو ما يؤكد أن الحكام الذين وصلوا على سدة الحكم في العالم العربي بعد 2011 انتهت مدة صلاحيتهم مثل الحكام الذين قبلهم.
ماهو الحل؟
ليس للقضية الفلسطينية حل سوى ما يريده الشعب الفلسطيني.. والشعب الفلسطيني في أعماقه يريد زوال الاستعمار بكل أشكاله وألوانه وبكل إفرازاته من إسرائيليين ومن حكام عرب وغير عرب. وهل يمكن ذلك؟
عند السياسيين وأصحاب القراءات والتحاليل السياسية وما تقتضيه من مرحلية، فإن ذلك يبدو بعيدا وبعيدا جدا ويطالبون بحلول مرحلية سقفها عودة مفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
لكن عند أصحاب الفكر الاستراتيجي الذين يقرؤون ويستقرئون حكمة الشعوب، ويرون الشجرة التي تمشي، هي غير ذلك، فالشعب الفلسطيني ـ هو الذي انطلق من غزة ذاتها فغير تاريخ مصر فكان الهكسوس الذين أخذ منهم أخناتون فكرة التوحيد، وتغير العقل الإنساني
ـ ومن ناصرته خرج المسيح فتغير العالم، وعلى أرضهم ربطت الأرض بالسماء في حائط البراق ولا تزال،
- وفي العصر الحديث هزم نابوليون على أبواب عكا وراح بعد هزيمته يقترح على اليهود دولة في فلسطين.
وعلى ذلك يبدو أن هزيمة اليهود وأشياعهم وأتباعهم بدأت على أنفاق غزة ويأخذون معهم في هزيمتهم كل الحكام العرب؟ فحكمة الشعوب لا يمكنها أن تكذب، فهي بشارة الضوء الذي في آخر النفق.