لمحة عن الكتابة لدى الشعوب السامية
ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
لمحة
د. سيد فرج راشد، أُستاذ اللغات السامية المشارك، جامعة الملك سعود /كلية الآداب، الكتابة من أقلام الساميين الى الخط العربي. القاهرة: مكتبة ومطبعة الخانجي، ط. ١، ١٤١٥ هـ - ١٩٩٤ م.، ٣٢٦ ص.
بين دفّتي هذا الكتاب الخاصّ في موضوعه في المكتبة العربية، سبعة فصول :تطوّر الأبجدية في الشرق الأدنى القديم، ص. ٣١-٥٠؛ اللغة الأكادية وفروعها، ص. ٥٣-٦٤؛ اللغة الفينيقية ودورها الحضاري، الأوجاريتية والفينيقية والپونية وبضعة نقوش ، أحيرام، يحيملك، نورا، كلمو، تبنت، ص. ٦٧-٩٥؛ اللغة العبرية ومراحل تطورها وثلاثة نقوش: نقشا قناة السلوان، ميشع المؤابي، ص. ٩٩-١٣٦؛ الدور الآرامي للآرامية: القديمة، الغربية، الشرقية، التدمرية، نقوش آرامية قديمة وأخرى نبطية، ص. ١٣٩-٢٢٢؛ علاقة العربية الجنوبية بالشمالية في ضوء النقوش: من قرية الفاو، الثمودية، الصفوية، اللحيانية، نقش النمارة، نقش زبد، نقش حران، نقش أم الجمال وخصائص الكتابة النبطية، ص. ٢٢٥-٢٨٦؛ اللغات السامية في الحبشة: الإثيوبية، الجعزية، الأمهرية، التجرينية، التجرية، ص. ٢٨٩-٢٩٨. الصفحات الأخيرة تحتوي المصادر والمراجع بالعربية والأجنبية وعددها ٨٤، ثم فهرس الأعلام. نظرة فاحصة على قائمة المراجع تُظهر أنّ مصادر أحدث من المذكورة غير واردة من جهة، وأبحاث الباحث المعروف عالميًا يوسيف ناڤيه حول تطوّر الخطّين الآرامي والعبري، ١٩٧٤؛ تاريخ الحروف، ١٩٧٩؛ بداية تاريخ الأبجدية، ١٩٨٩ وقل الأمر ذاته بالنسبة للمصادر عن السامريين، ص. ١٥١.
تُشير بداية الكتابة في التاريخ البشري إلى بداية التاريخ، في حين أنّ الكلام، اللغة المنطوقة، قد سبق التدوين بحِقب سحيقة جدا. في هذا الكتاب يحاول المؤلّف الذي درس في الغرب، وتخصّص في هذا الموضوع، ثمّ أخذ يدرّس بعض اللغات السامية، مثل الآرامية القديمة والعبرية والفينيقية والحبشية في بلاده، أن يتصدّى لما في نقوش سامية مختارة من سمات لغوية. من المعروف أنّ الكتابة، أهمُّ إنجاز حضاري في العالم، كان موطنه في أراض سامية في الشرق. هنالك آراء مختلفة بخصوص المهد الأصلي لناطقي اللغات السامية، ومعظم الباحثين يذهبون إلى أنّ الجزيرة العربية هي موطن الساميين الأصلي، ومنها ٱنطلقت موجات الهجرة نحو بلاد الرافدين، بدأها الأكّاديون، أصحاب أقدم لغة سامية مدوّنة وصلتنا، وتلاهم الكنعانيون إلى بلاد الشام وهلمجرّا. عاشت اللغة الأكادية أكثر من خمسة وعشرين قرنًا لغة دولية ولغة الحياة اليومية حتى القرن السابع ق.م.
يعود استعمال المصطلح ”ساميّ“ (Semitic) نسبة لاسم ابن نوح البِكر سام (أنظر سفر التكوين الإصحاح العاشر) إلى العام ١٧٨١ في مقال كتبه أَوچست لودڤيچ شلوتسر (1809-1739 ,August Ludwig Schlozer). والجدير بالذكر أنّ ابن سيده في مخصّصه، يورد رأيًا للخليل بن أحمد الفراهيدي، مفاده أنّ الكنعانيين ينسبون إلى كنعان بن سام بن نوح، وكانوا يتحدّثون بلغة تضارع العربية. ونذكر هنا أيضا أنّ ابن حزم الأندلسي قد لاحظ القرابة بين العربية والعبرية والسريانية بقوله ”إنّ الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينًا، أن السريانية والعبرية والعربية، التي هي لغة مضر وربيعة لا لغة حمير، واحدة تبدلت بتبدّل مساكن أهلها فحدث فيها جِرس … “ (ص. ٢٣).
إن تباشير ما وصلنا من أنماط كتابة، ترجع إلى حضارة الوركاء في أواخر الألف الأوّل ق.م.، وقد تكون الكتابة الأولى، عبارة عن علامات على الطين الليّن بالأظافر والعيدان. ومشوار الكتابة كان طويلًا جدّا، مرّ بمراحلَ وبتطوّرات كثيرة جدًّا، من الكتابة التصويرية السومرية أو الهيروغليفية إلى الحروف الأبجدية. ويذكر أن بعض الشعوب السامية مثل الأكاديين - الأشوريين والبابليين، العبرانيين/اليهود، الآراميين والعرب قد عاشوا بالقرب من شعوب غير سامية مثل الحثيين والسومريين والحوريين والعيلاميين، وجرى تلاقح لغوي وحضاري بين الأطراف. إنّ بعض اللغات السامية كالأكادية والأوغاريتية كُتبتا في البداية من اليسار إلى اليمين. والرأي السائد حديثًا يذهب إلى أنّ الشعب الفينيقي الذي جاب البحار وزاول التجارة، كان أوّل مخترع للأبجدية. ونذكر أنّ اللغاتِ الساميةَ في بداياتها لم تستخدم الحركاتِ بل ِٱعتمدت على أربعة أحرف ترد أحيانًا صامتة وأُخرى صائتة وهي أهوي (أمّهات القراءة، matres lectionis). وكان الإغريق قد أخذوا الأبجدية الفينيقية في حوالي القرن العاشر ق.م.، ومنها انبثقت في ما بعد أبجديات اللغات الأخرى؛ كما غيّر الإغريق اتّجاه الكتابة من اليمين لليسار لتصبح من اليسار لليمين.
نصيب الأسد في هذا الكتاب مخصّص لإيراد عيّنة من النقوش في اللغات السامية المذكورة في فهرس الموضوعات وعددها يزيد عن الثلاثين. يأتي المؤلِّف أولًا بصورة فوتوغرافية للنقش الأصلي (في بعض هذه الصور لا يظهر شيء واضح، مثلا ص. ٦٣، ١١٩، ٢٦٥)، بعد إيراد بعض المعلومات الضرورية عنه، ثمّ نقحرة النصّ للعربية فترجمته للعربية، فدراسة موجزة لبعض ألفاظ النقش. في ما يلي بعض الأمثلة من بعض النقوش.
نقش قناة السلوان يعود إلى حوالي العام ٧٠٠ ق.م؛ اكتشف في سنة ١٨٨٠ على الجدار الأيمن لبركة السلوان بجوار القدس، تمّ حفْر النفق في زمن الملك حزقيا ملك يهوذا، ٧٢٦-٦٩٨ ق.م.، ارتفاعه نصف متر وعرضه ٦٦سم. أبجدية هذا النقش شبيهة جدّا بحروف نقش مؤاب الشهير (ص.١٢٤-١٣٦). وفي نقش سلوان هذا ترِد الحروف اللينة - أهوي- للدلالة على الحركات في أواخر الكلمات فقط. يذكر المؤلّف مصادرَه في قراءة النقوش وترجمتها وتحليلها.
نقحرة أوّل سطرين وترجمتهما للعربية (ص. ١١٨-١٢١):
١) (ت م ت). هـ ن ق ب هـ. و ز هـ. هـ ي هـ. د ب ر. هـ ن ق ب هـ. ب ع و د (هـ ح ص ب م. م ن ف م).
٢) هـ ج ر ز ن. أ ش. أل. ر ع و. و ب ع و د. ش ل ش. أ م ت. ل هـ ن. (ق ب. و ي ش م ) ع. ق ل. أ ش. ق.
١) (أُكمل حفر أو هذا) النفق، وكان هذا خبر النفق بينما (يرفع النحّاتون)
٢) معاولهم جنبًا إلى جنب، في حين (بقي) ثلاثة أذرع (وهُنا سُمع) صوت رجل…
ونأتي بعينّة من نقش آخر، آرامي، واللغة الآرامية لعبت دورًا هامًّا جدّا في غضون قرون كثيرة، فكانت بمثابة الـ lingua franca في منطقة الشرق الأوسط، ويبدو أنّ أوّل ظهور للفظة آرام اسمًا لدولة، في شمال بلاد الرافدين، كان في القرن الثالث والعشرين ق.م. وتقسّم الآرامية إلى عدّة فروع مثل الآرامية القديمة، آرامية الدولة، آرامية العهد القديم، الآرامية الغربية وأهم لهجاتها: النبطية والتدمرية واليهودية والسامرية والمسيحية الفلسطينية؛ الآرامية الشرقية وأهم مكوّناتها: آرامية التلمود البابلي، المنداعية أو المندائية، السريانية. لا نكشف أيّ سرّ إذا قلنا بأنّ اللغة العربية، بشقّيها الأساسيين الفصيحة والمحكية، قد اقترضت آلافًا من الألفاظ السريانية في شتى ميادين العلم والمعرفة، في الزراعة، الدين، الفلك، الطب، الصناعة، الفلسفة، منذ ظهور الإسلام وحتّى القرون الوسطى. من هذا الدخيل نذكر هنا بضع كلمات: لطا، نبش، معمودية، خوري، صلاة، زكاة، فانوس، إجّاص، أثفية، منتوش، شوب، تفشكل، شرش، واوا، برّاني، جوّاني، سَكّر، صَنِّه.
نقش زنجيرلي، تاريخه بين عامي ٧٤٥ -٧٢٧ ق. م.: بر-ركب، عثر عليه عام ١٨٩١ في قرية سورية صغيرة على الطريق من أنطاكية إلى مرعش، ورد فيه (ص. ١٦١-١٦٦):
١) أ ن هـ. ب ر (ر) ك ب
٢) ب ر. پ ن م و. م ل ك. س م
٣) أل. ع ب د. ت ج ل ت ف ل ي س ر. م رأ.
٤) ر ب ع ي. أر ق أ. ب ص د ق. أ ب ي. و ب ص د
٥) ق ي. هـ و ش ب ن ي. م ر أ ي. ر ك ب أ ل.
الترجمة للعربية:
١) أنا بَرْ رَكَبْ
٢) ابن پَنَمُّو ملك سَمْأل
٣) عَبْد تِجِلّات بلاسّر سيّد
٤) الجهات الأربع بسبب عدل أبي
٥) وعدلي. أجلسني سيّدي ”ررَكبْ إيل“
نقش النمارة، ٣٢٨م، ذو خمسة سطور محفورة على قبر الملك امرىء القيس بن عمرو المتوفى عام ٢٢٣ بتاريخ بُصْري الموافق عام ٣٢٨م.، اكتشف عام ١٩٠١ في قصر النمارة بالقرب من دمشق وإلى الجنوب من منطقة الصفا. هذا النقش المكتوب بالحرف النبطي محفوظ الآن في متحف اللوڤر (ص. ٢٦٥-٢٧٥).
١) تي نفس مر القيس بر عمرو ملك العرب كلّه ذو أسر التج
٢) وملك الأسدين ونزرو وملوكهم وهرّب محجو عكدي وجاء
٣) بزجي في حبج نجرن مدينة شمر وملك معدو وبيّن بنيه
٤) الشعوب ووكّلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه
٥) عكدي. هلك سنة ٢٢٣يوم ٧ بكسلول بلسعد ذو ولده.
الترجمة للعربية:
١) هذا قبر امرىء القيس بن عمرو، ملك العرب جميعا، الذي عقد التاج
٢) وملك قبيلتي أسد ونزار وملوكهم، وأخضع (قبيلة) محج!! حتى اليوم وحقق
٣) نجاحًا في حصار نجران عاصمة شمر، وملّك (قبيلة) معد، وقسّم على أبنائه
٤) (أرض) الشعوب وجعلها فرسانا للروم، فلم يبلغ ملك مبلغه.
٥) حتى اليوم. مات سنة ٢٢٣ في اليوم السابع من شهر كسلول (كانون الأول)، لتنعم ذريته بالسعادة.
لا ريب في أن القارىء العربي المهتمّ بموضوع اللغات السامية ولغة النقوش بنحو خاص سيجد ضالّته في هذا الكتاب.
وقعت في هذا الكتاب بعض الشوائب والهفوات من حيث المعنى والتعميمات أو المبنى نذكر منها التالية.
العربية أدق اللغات السامية نظامًا، ١٧
ما من لغة يملك أهلها أسباب الزهور بها والحرص عليها كاللغة العربية، ٢١
العربية أقرب الصور إلى اللغة السامية الأم التي اندثرت وتفرعت عنها مجموعة ”اللغات السامية“، ٢١
كما أن السومريون لم يتعدّوا مرحلة الكتابة المقطعية، ص. ٣٣ ملحوظة رقم ١.
من المهم أن نشي هنا إلى أن كتابة بيبلوس، ص. ٤٠، ملحوظة رقم ١.
جوزيف نافه والصحيح يوسيف ناڤيه، ص. ٤٩ ملحوظة ٢. (ذكرت هذه الجزئية لأنّ المؤلف معلم للعبرية وله: اللغة العبرية - قواعد ونصوص، الرياض، ١٩٩٣).
وهما الشعبان الساميان اللذّين، ص. ٦١.
”المِسُورِتْ“، ص. ٩٩، ١٠٠ والصواب مَسُورِت.
(جَأُونَيم) ص. ١١١ والصحيح: چِئونيم.
هل شعراء اليهود في الأندلس نظموا بالعربية؟!، ص. ١١١. من المعروف أنّ الكتاب اليهود كتبوا النثر بالعربية بحروف عبرية في حين أنّ الشعراء كتبوا قصائدهم بالعبرية.
سعديا الفيومي توفي عام ٩٤٢ وليس ٩٤٥، ص. ١١٢
ألِيعاز بن يهودا، ص. ١١٤
كذلك كان الآراميون في كثيرن من الأحيان، ص. ١٥٧.
حجر ارتفاعه ١٣١ سم وعرضهم ٦٢ سم، ص. ١٦١.
سمّي الأنباط بهذا الاسم لاستنباطهم ما يخرج من باطن الأرض، ص. ١٧٥، هل الإحالة للسان العرب كافية في بحث لغوي عصري؟
ولقد وقفنا طويلا عند أحد هذه الروايات، ٢٦٤.
عرفان عارف شهيد (قعوار) وليس Shalid، ص. ٣٠٦.