عبد المالك حمروش المدير العام
عدد المساهمات : 5782 تاريخ التسجيل : 26/02/2010 الموقع : https://elsoumoudelcharif.ahlamontada.com
| موضوع: الزواج بين الشراكة والاتحاد .. بقلم عبدو المعلم الأربعاء مارس 17, 2010 1:18 pm | |
| الزواج بين الشراكة والاتحاد نعني بالشراكة المفهوم العام المتعارف عليه في شتى المجالات, ذلك أن الزواج شركة بين اثنين من جنسين مختلفين, تتسع فيما بعد إلى الأولاد في الأسرة المعاصرة, بينما تدخل في الأسرة التقليدية أطراف أخرى ابتداء من الجد إلى الأحفاد, بمعنى أن الشركة الناشئة أو المؤسسة المسماة بالخلية الاجتماعية الأولى هي الأسرة, ولنقصر كلامنا على النوع العصري منها لأنه هو الواسع الانتشار, بينما التقليدي الذي يتسع إلى كثير من الأفراد, هو في حقيقة الأمر يكاد يختفي أو هو نادر, مثله مثل الأسرة القائمة على تعدد الزوجات, والتي هي الأخرى قليلة جدا في المدينة على الأقل, وعلى حد علمي فالأمر في الريف والبوادي لا يختلف كثيرا, فهذا النوع من الأسرة يكاد يختفي في أغلب المجتمعات العربية التقليدية منها والمعاصرة أو شبه المعاصرة. إذا المسألة تنطلق من الزواج في الأسرة التي نعتمدها في هذا الحديث. بمعنى أن الشراكة الاجتماعية المقصودة هنا هي الزواج, فما هو هذا الأمر, ولماذا كان؟ وهل هو ضروري لقيام المجتمع واستمراره؟ وهل هناك بدائل ممكنة عنه؟ وما إلى هذا من التساؤلات التي تثيرها مسألة التفكير في هذه الشراكة التي تشكل في بعض من مناحيها النفسية والاجتماعية والإنسانية إشكالية عويصة في قيامها أولا ثم في نجاحها واستمرارها وإنجازها الأهداف المرجوة منها من سعادة الشريكين وبعد ذلك جميع أفراد الأسرة عندما يكون هناك أطفال يتم التكفل بهم بكفاءة تمكنهم من التنشئة الصالحة, والعيش الكريم السعيد في رحاب الأسرة التي تضمهم مع والديهم.
الزواج من غير الذهاب بعيدا في التعريفات المتعددة الأكاديمية والنظرية, نقول ببساطة تامة إن الزواج ظاهرة اجتماعية في المقام الأول اقتضتها ظروف الحياة الطبيعية القاسية في الفترة البدائية من التاريخ البشري, أي قبل نشأة المجتمع الإنساني المنظم, والخاضع لأعراف وقوانين وسلطة تشرع وتنفذ حفاظا على أمن الناس وخاصة حياتهم وأملاكهم, كان لا بد من إنهاء الصراع القاتل والتطاحن بين الناس على المطالب الحيوية الأساسية التي من أهمها الأكل والشرب والجنس, فخضع بذلك الجنس للتشريع والعرف, ثم الأديان فيما بعد, وكان حل مشكلة التطاحن على إشباع الرغبة الجنسية بتقرير الزواج كإجراء يقتضي إنشاء الخلية الاجتماعية الأولى التي هي الأسرة, حيث يختص رجل وامرأة ببعضهما في ظروف آمنة مستقرة واطمئنان تام, وهي الشروط التي تتطلبها المراحل اللاحقة من سعادة زوجية ثم أسرية عندما يتعدد أفراد الأسرة بالإنجاب. بمعنى أن الزواج هو المدخل الضروري أو كما يقال الشرط الواجب والكافي لنشأة المجتمع البشري واستمراره, إذ عن طريقه تنشأ الخلية الأولى للمجتمع التي هي الأسرة, وبعد هذه المقدمة اللازمة نخوض في المفهومين الآخرين أو الحالتين والخيارين اللذين على أساسهما تتأسس الشركة الاجتماعية أو الخلية الأساسية للمجتمع, ونشير إلى أن هذا الأخير, أي المجتمع لا يبحث عن إرضاء الغرائز بل يسعى إلى تنظيم نفسه والمحافظة على أمنه وسلامته وازدهاره في ظل شروط الاستقرار الضرورية لبقائه في حالة ملائمة قدر مستطاعه, ومن هنا يمكن تفهم الكثير من المشاكل العويصة الناتجة عن مثل هذا القصد للمجتمع الذي يتجاهل بطبعه النزعات والرغبات والاهتمامات وحتى المعاناة النفسية لأفراده، لأنها قضايا ومشكلات فردية, أي أنها ليست اجتماعية, ولذلك لا يهتم بها المجتمع ولا تعنيه في شيء, إلا من حيث ربما الاحتياطات التي يتعين عليه اتخاذها لتأثير مثل هذه الإشكالات الفردية على وجوده واستقراره وازدهاره, بعد هذا التوضيح الضروري نتناول المفهومين الآخرين المذكورين في عنوان المقال:
الشراكة هذا المفهوم يكاد يكون اجتماعيا بحتا في نظري, بمعنى أن الرجل والمرأة يلتقيان ويتفقان على تكوين شركة هي الأسرة, ويتباحثان ويتفاوضان من أجل ذلك التأسيس هما مباشرة في الغالب, أو وكيلاهما في الأوساط التقليدية, إذ أن الوكالة في العائلات المدنية أو التي يمكن وصفها بالعصرية, إنما تأتي من باب احترام الشريعة والدين والتقاليد, لكنها في واقع الأمر لا تقوم بالنيابة الكاملة والحقيقية عن الطرفين المقبلين على الارتباط, فمن هذه الناحية الاجتماعية يكون الاهتمام الأول هو شروط عقد الشراكة التي ينبغي أن تكون ناجحة بفضل القاعدة الصلبة التي تقوم عليها, بعد التشاور والمناقشة بين الطرفين أو من ينوب عنهما لكل التفاصيل وبكل دقة حرصا على نجاح الشركة الناشئة أي الأسرة, بمعنى أن الانتباه هنا إنما يركز على المصلحة والجدوى والجوانب المادية والمعنوية التي تراعي عند إنشاء أي شركة اجتماعية أو مؤسسة يقع التفكير مليا في شروط إنشائها لضمان النجاح, وكأن التاريخ لا دور له في العملية, أي أن الظروف القاسية التي دفعت المجتمع في بداية نشأته في قديم الزمان, وهي الاقتتال والتطاحن في سبيل السعي لإرضاء الحاجة الجنسية, قد وقع نسيانها تماما, ولم تعد تعني المؤسسين للشراكات الجديدة, فهم يبحثون في المهور والدخل والسكن ودرجة التعليم والتأهيل أو الثراء, ولا تهمهم كثيرا القضايا النفسية والجسمية ذات الصلة الحميمة بارتباط شخصين من جنسين مختلفين, أو أن ذلك الاهتمام يظل هامشيا وثانويا لا يحسب له أي حساب لأسباب تتعلق بجعل المجتمع له واحدا من الطابوهات الأساسية التي يمنع الكلام فيها أوفي أحسن الأحوال يصاحب بالخجل والحرج وربما العجز التام عن الخوض فيها, وبالتالي يبقى هذا الجانب الأساسي والأصلي غامضا وغائبا عن الوعي, ويدخل الشريكان في الشراكة هكذا من غير إعداد أو تهيؤ لازم لهذا الجانب النفسي والجسمي من الشركة الاجتماعية التي أقدما على تأسيسها بنية الثبات والدوام وحسن التسيير والنجاح. وهكذا تبقى كل الأخطار الجسيمة متوقعة وكل المشاكل العويصة الناتجة عن هذا الجانب قائمة, وربما يبدأ تفجرها منذ البداية المبكرة, أي من اليوم الأول الذي يشرع فيه الطرفان في الوجود معا داخل المؤسسة الجديدة, فقد يصطدمان منذ اللقاء الأول في بيتهما الجديد بحقائق يجهلانها عن بعضهما, يصعب تجاوزها, ويعسر حل ما تطرحه من معضلات, وفي الغالب تكون هذه الجوانب نفسية وجسمية, يخفيها الشريكان عن بعضهما قبلا عن قصد بسبب الحرج, أو سهوا وجهلا بالمشاكل التي قد تنشأ عنها, وخاصة منها تلك الأشياء المتعلقة بالجانب الجنسي وأيضا النفسي مثل الطباع والعادات الشخصية المتنوعة والمتمكنة والتي قد تكون ممقوتة وصعبة التحمل من الطرف الآخر وهكذا, ذلك لأن الإعداد الذي بسمح به المجتمع ويحرص عليه هو الإعداد المادي المتعلق بإنشاء المؤسسة الجديدة, كما هو الأمر تماما في أي شركة اجتماعية أخرى, أما هذه النواحي الجسمية والنفسية وخاصة العاطفية والجنسية, فنظرة المجتمع إليها مستهجنة وسلبية ويمارس من أجل ذلك ضغطا رهيبا على الإناث خاصة, إلى درجة قد تجعلهن ينفرن من العلاقة الجنسية نهائيا ولعدة سنوات بعد الزواج, إذا استمر مثل هذا الزواج, لأنهن يكن تحت تأثير الضغط الذي مورس عليهن من قبل حتى أوصلهن درجة تغيير الطبيعة في أنفسهن وأجسامهن إرضاء للمجتمع وخضوعا لقهره ولضغوطه الرهيبة, وربما أصابهن ذلك بعاهة البرود الجنسي التي قد لا ينفع معها أي علاج مدى الحياة, ومن هذه الحالات المستعصية ما يؤدي إلى الانفصال حتما, أو إن لم تسمح الظروف بذلك, تكون الحياة الزوجية عوض السعادة شقاء جهنميا لا طاقة للبشر به. وفي أحسن الأحوال وفي غياب هذه الوضعيات الحادة تكون الشراكة ربما ناجحة ماديا واجتماعيا أو مظهريا خاصة, لكنها لا تكون محصنة, ولا مؤمنة من الهزات والانزلاق, شأن كل شراكة ذات طبيعة مادية وقانونية, ما دام الجانب الآخر غائبا, أي الجانب النفسي والجسمي الفردي وهو جانب جوهري في العلاقة لا شك. ومن هنا نستطيع الاستنتاج بأن الزواج الذي يتأسس على قاعدة الشراكة وحدها, يبقى مرشحا للمتاعب وربما الانهيار التام والانفصال, مثلما هي طبيعة الشركات في كل الميادين, مما يعني ضرورة البحث عن جانب آخر من الارتباط, أو بالأحرى العناية به كل العناية, لأنه لا يقل أهمية عن الشراكة, بل هو الذي يعطيها كل الضمانات في الاستقرار والاستمرار والازدهار, وذلك هو الجانب الذي اخترنا له مصطلح الاتحاد, فما القصد من هذا المفهوم؟
الاتحاد مفهوم الاتحاد يعني الإقرار بوجود كيانين أساسا, أي فردين وشخصين رجل وامرأة, هذا هو ما يلاحظ في الظاهر, لكن التمعن في الأمر يفضي إلا أن ما يوجد في الحقيقة هو كائنات بشرية نصفية, بمعنى أن الله سبحانه قد خلق الإنسان نصفا غير مكتمل, ويبقى ناقصا إلى أن يدرك الكمال الذي يسعى إليه بطبيعته, وهو الالتحام مع النصف الآخر في شكل اتحاد, وليس وحدة, لأن مبدأ النصفين يبقى قائما وبالإمكان أن تحدث شراكة كما رأينا ويتكون اتحاد هش, وهي أغلب الأحوال في عالم المتخلفين عامة, حيث لا يصلون في شراكتهم الزوجية إلى درجة الاتحاد, لقصورهم وذهولهم عن ذلك المقصد الرفيع, ولو أن هناك حالات من الاتحاد قليلة تقع حتى في المجتمعات المتخلفة بصورة عفوية طبيعية أو بصورة واعية مقصودة كما يحدث لدى البعض من النخب المثقفة الراقية الراسخة القدم في الإنسانية وبياض السيرة, معنى الاتحاد هو ترسيخ الشراكة وجعلها في مأمن من كل التقلبات والأخطار, فلا يمكن مهما كانت الظروف والأسباب أن يحصل انفصال بالطلاق أو بغيره ما دام أحد الطرفين, أو قل النصفين على قيد الحياة, حتى في حالة المرض الذي قد يسبب حالات من العجز مثل الشلل أو ما أشبه ذلك, بل إن الاتحاد في حصول هذه المحن يزداد قوة, بسبب أن الطرف المصاب أو النصف يكون في أمس الحاجة إلى النصف السليم لرعايته وإشعاره بالأمان والاطمئنان, مما يخفف عنه وقع الإصابة, وربما يجعله على قدر كبير من السعادة, قد تصل درجة الحالة التي كان عليها وهو يتمتع بالصحة والعافية. بطبيعة الحال ليس من السهل إدراك هذا المستوى من السلوك الملائكي, إلا أن الواقع يشهد بوجوده أحيانا لدى حتى أبسط الناس في الأوساط الشعبية الأمية التي تعيش على الفطرة السليمة, وتقع بين رجالها ونسائها بنسبة ليست بالقليلة حالة الاتحاد هذه, التي غالبا ما تحدث عفويا بعد الشراكة والانسجام الذي يحصل فيها مصادفة لأسباب عديدة, منها التجاوب الطبيعي الذي لم يكن مقصودا غير أن الحظ يكون قد جمع بين نصفين لهما الكثير من صفات التوافق والتكافؤ فترتقي شراكتهما إلى درجة الاتحاد. هذا الاتحاد يحصل قبل الشراكة في المجتمعات المتطورة الديمقراطية, ذلك لأن العلاقات بين الجنسين عندهم لا قيود عليها, ولكونهم يعيشون الشراكة الفعلية لا الرسمية, بدون زواج لمدة قد تستغرق سنوات عدة, بعدها إما أن يذهب كل واحد لحال سبيله, يبحث عن نصفه الآخر إن كان ينوي الارتباط الرسمي, أي الزواج, أو يسعى لإيجاد النصف الذي يمكنه الاتحاد معه, وإعلان الشراكة الاجتماعية الرسمية, وإنشائها كمؤسسة ذات وجود شرعي قانوني, وربما وقع الاتحاد وظل كذلك غير رسمي أي من غير زواج موثق, وقد يقع الإنجاب أو يمتنع الاتحاد عن الإنجاب, وهي الحالات الغالبة الآن في الغرب, الذي يكاد يتخلص من الأسرة الرسمية نهائيا, وقد يكون ذلك الأمر سلبيا, كما يتخوفون هم أنفسهم, لكون الأسرة تمثل الوحدة الأساسية للمجتمع, أو الخلية, ولا يعرف لحد الآن ما هي الأخطار الجسيمة, التي سوف تترتب عن اختفاء هذه الخلية أو الوحدة الأساسية؟ وهل بالإمكان أن يستمر المجتمع بدونها, أو ينهار؟ وبماذا يعوضها إن كان لا بد من التعويض, تجنبا للانهيار والاندثار؟ المهم هو أن الحرية الشخصية, وحرية العلاقات بين الجنسين تبعا لذلك مكفولة في المجتمعات الغربية وتلك التي تشبهها, مما يجعل الاتحاد بين النصفين سهلا ميسورا, كون البحث عن النصف الآخر ليس بالأمر الصعب في جو الحرية الشخصية القائمة مما يجعل الشراكة الاجتماعية في حال حدوثها منيعة, بل إنها تبقى منيعة حتى في حالة البقاء على العيش معا, دون شراكة اجتماعية رسمية, أقصد دون زواج رسمي, ومثال الفيلسوفين الوجوديين الفرنسيين "جان بول سارتر" و"سيمون دي بوفوار", لا زال ماثلا للعيان, لقد أقاما اتحادا حرا دون زواج, وعملا بفلسفتهما القائمة على الحرية الفردية التامة, بحيث يحتفظ كل واحد منهما بحريته الكاملة بما في ذلك إقامة العلاقات العاطفية والجنسية مع أنصاف أخرى وبعلم النصف المتحد معه, الذي لا حق له في الاعتراض, غير أن ذلك لم يحدث إطلاقا, فقد كان الالتزام المترتب عن الحرية التامة, والذي أدى للاتحاد مانعا للآخر من إقامة العلاقات العابرة النفعية أو النزواتية منعا كاملا, وهذا هو معنى الاتحاد ومصداقيته, حيث إنه يمثل الاكتفاء بنصفيه اللذان يجتمعان في اتحاد, بعد حصول الانسجام التام, والشعور بضرورة العيش معا, التي قد تظل خارج الزواج في الغرب وأشباهه, ومن المهم أن نشير هنا إلى أن من بين ما يكون عنصرا بالغ الأهمية في الانسجام المؤدي إلى الاتحاد هو التوافق الجنسي, إلى درجة الاقتناع التام والاكتفاء, وبالتالي حصول الاتحاد على ذلك الأساس وغيره من الأسس الجوهرية في الشراكة, والاتحاد الذي هو من المتانة بحيث يستحيل فك عراه, أو على الأقل فإن ذلك شبه مستحيل, بطبيعة الحال مثل هذه التجربة مستحيلة في مجتمعاتنا, ومن ثم وجب تعويضها بما يضمن التأكد منها بطرق أخرى نظرية, وهو أمر ممكن إلى حد بعيد, وسنعود إليه لاحقا. لسنا هنا بصدد التعريف بالوضعية الغربية أو تقييمها, غير أنه من المجدي أن نعرفها معرفة دقيقة, نظرا لتأثيرها فينا بشكل أو بآخر ولأنها تجربة مهمة وناجحة عمليا إلى درجة كبيرة, ومن ثم أمكن الاستفادة منها بالطريقة التي نراها مناسبة لوضعيتنا, وبالطريقة التي تجدها مجتمعاتنا المحافظة مقبولة, وفي كل الأحوال فالعلم بالشيء خير من الجهل به. نعم إن الحرية الفردية الكاملة في الغرب, تجعل الشراكة تقوم بسهولة كبيرة وخارج الزواج, وقد تبقى كذلك العمر كله, وقد تتنوع بين أنصاف متجددة, وقد تترسم وتتحول إلى شراكة اجتماعية مقننة أي زواج, وقد ترقى إلى اتحاد وتظل كذلك مدى الحياة, وقد يرسم الاتحاد شراكة اجتماعية قانونية أي زواج, ويكون مفعما بالسعادة والاستقرار والدوام مدى الحياة, ما دام قد بلغ مرتبة الكمال البشري الذي هي اتحاد النصفين المرأة والرجل لتكوين كيان بشري واحد قادر على ممارسة الحياة كاملة, وضمان استمرار الحياة وحفظ بقاء النوع الإنساني, بإقامة الحياة الجنسية في أمتع صورها وأروعها, لأنها تتم في جو من التكافؤ والانسجام والاقتناع المتبادل, والرغبة الجامحة في النصف الآخر المحبوب, مما يؤدي إلى الإنجاب, ولكون الوسط الاجتماعي راقيا, فإن تنشئة الصغير أو الصغار إن أنجبوا أكثر من واحد تكون راقية ورشيدة ومرفهة, مما يؤدي إلى الأسرة السعيدة المزدهرة, وبالتالي المجتمع السعيد المزدهر, وهذا ما هو حاصل في الغرب, إلا أن هناك مشكلة طغيان الحرية الفردية التي أدت بالإضافة إلى الأنانية الطاغية المرتبطة بها إلى الاكتفاء في الغالب بالشراكة والاتحاد غير الرسميين وغير القانونيين, بمعنى من غير زواج, مما يجعل الإنجاب نادرا في هذه الحالات, وإن كان لا مانع فيه اجتماعيا, بل هو مرحب به من أجل النمو الديمغرافي المنشود, وبالتالي فإنهم قلقون جدا من هذه الوضعية, ومتخوفين لحد الرعب من انقراض الأسرة, وبالتالي تراجع النمو الديمغرافي والسير نحو اضمحلال مجتمعاتهم, التي صارت مهددة بالمهاجرين من العالم الثالث, الذين يحتفظون بخصوبتهم, وبالتالي بنمو نسبتهم سريعا في المجتمعات الغربية, مما يجعلها مرعوبة من تهديد تحولها إلى أغلبية ساحقة من تلك التركيبة المهاجرة من العالم الثالث, وبالتالي تحول هويتها نهائيا من مجتمعات غربية إلى مجتمعات جنوبية في عنصرها البشري, بما في ذلك هاجس تحول الجالية المسلمة فيها إلى مكون أساسي نظرا لعدده المتعاظم ونسبته المتطورة باطراد وسرعة مذهلة. هذا ما يمكن نعته بالجانب السلبي من الشراكة والاتحاد في البلدان المتطورة الغربية, فضلا عن تعارضه مع الجانب الديني بالنسبة إلينا, وإن كان هذا الأمر فيه الكثير من التحفظ, لأنهم هم كذلك لهم دياناتهم, التي لا تبيح الشراكة والاتحاد خارج الشرعية, ولكنهم ساروا في ذلك الطريق لمبررات ليست بالهينة أو العبثية مما جعلهم – ربما – يأخذون بأخف الضررين, ومهما كان الأمر فإننا غير راضين ولا مستعدين للاستفادة من تجربتهم كما وقعت عندهم, أي خارج الشرعية الدينية على الأقل في مراحل نشأتها الأولى, ومع ذلك تبقى الاستفادة منها ضرورية في صور ممكنة داخل الشرعية الدينية التي نتمسك بها كل التمسك.
إمكان الاتحاد لدينا هذا المستوى الرفيع من اللقاء بين الجنسين نسبته قليلة في مجتمعاتنا المحافظة المتخلفة, وفي الحالات القليلة التي يحصل فيها, يكون نتيجة للمصادفة وحدها, كم يحدث في الأوساط الشعبية الريفية أو الحضرية, وذلك لأن الحظ يكون قد ابتسم لشخصين من الجنسين, واتفق أن كان الانسجام بينهما تاما والتكافؤ والتجاوب في القمة, بما في ذلك ومن أهمه الانسجام الجنسي, نظرا لصفات نفسية وجسمية متجاذبة بطبعها, مما يؤدي إلى ارتقاء الشراكة الاجتماعية بالزواج إلى سمو كبير وإلى حالة الاتحاد والالتحام التام, في الكيان الكامل المنشود, كما يحصل الاتحاد في أوساط النخب المثقفة خاصة, وذلك بسبب ارتفاع الوعي, وبسبب إقامة شراكة ذات جوانب مختلفة تسمح بها ظروف تلك النخبة قبل الزواج, بما في ذلك التأكد من الانسجام الجنسي نظريا, حيث إن المستوى الثقافي الرفيع يمكنه تعويض التجربة الجسمية المباشرة كما يحصل في الغرب, وفي هذه الحالة من الاتحاد الكامل المقصود والواعي تكون السعادة غامرة والشراكة متينة لا يخشى على مستقبلها الآمن المطمئن, مما يؤدي إلى جانب الشروط المادية والمالية الوفيرة أو الكافية على الأقل إلى نشأة أسرة سعيدة, هي أفضل الأسر للتنشئة الاجتماعية والتربوية للأطفال الذين سوف يتمتعون بتربية صالحة وبحياة سعيدة مزدهرة داخل أسرة النشأة, مما يجعلهم مؤهلين لتكرار التجربة مستقبلا, أو أنهم أقرب بكثير إلى ذلك. وأيضا فإن النخب الأخرى التجارية والصناعية والسياسية وغيرها, هي أقرب إلى بلوغ درجة الاتحاد من الأوساط الفقيرة والغارقة في شقائها المادي وجهلها ومعاناتها القاسية, ذلك أن هذه النخب إضافة إلى ظروفها المادية المرفهة, هي على قدر من الثقافة أو على الأقل من التعليم كبير أو مقبول, وبالتالي يكون وعيها متطورا, مما يجعلها قادرة مثل النخب المثقفة ولو بدرجة أقل على إقامة الشراكة الاجتماعية على أساس الاتحاد, أو الوصول إليه بعد أن تحدث الشراكة, لذلك فإن هذه الأوساط المتشبهة عامة بالغرب في طرائق عيشها, لديها أسر يمكن وصفها في الغالب بالسعيدة والمستقرة وذات الإمكانات الكبيرة في التنشئة الاجتماعية والتربوية الصالحة والسعيدة للأبناء, بعد ما توفره لطرفي الاتحاد من ظروف عيش كريمة وارتباط وثيق يضفي على العلاقة جوا من الهناء والثقة العميقة التي لا تتزعزع, وما إلى ذلك من الانسجام والتكافؤ والتجاوب والتجاذب الذي كان سببا في حصول الاتحاد بين العنصرين في كيان كامل مثالي وهنيء.
توضيح - الثقافة والتربية الجنسية: نحن أشد حاجة إلى هذا الأمر من المجتمعات الغربية, ذلك لأنهم يستطيعون الحصول على هذا التكوين الضروري للفرد عمليا, وهم أصلا يتلقونه في المدارس وعبر كل الوسائل وعن طريق التنشئة الاجتماعية, ثم إن الطريقة الحرة التي يقيمون بها الشراكة الطبيعية التي قد تصبح شراكة اجتماعية سواء حصل الاتحاد بين الطرفين أو لم يحصل, إنما هي مدخل للتأكد من وجود الانسجام والتكافؤ والتجاوب والتجاذب وغيرها من شروط الشراكة أو الاتحاد, أما نحن علينا فيستحيل في مجتمعاتنا المحافظة إقامة الشراكة الطبيعية, ومن ثم وجب تعويضها بالمعلومات النظرية المعمقة في الثقافة والتربية الجنسيتين, وإلا كنا مغامرين تماما عند إنشاء الشراكة الاجتماعية وهي الطريقة الوحيدة الممكنة لارتباط الطرفين لتكوين الأسرة, لكن الواقع يشهد على أننا لا زلنا نمنع هذه الثقافة على الأفراد, ويتجنب المجتمع لأسباب غامضة القيام بالتربية الجنسية الرسمية في المدارس وعبر كل وسائل الإعلام والاتصال لأفراده من الأطفال والشباب خاصة, مما يعني الامتناع عن الوقاية الضرورية ورعاية الأسرة المستقبلية وحمايتها من الفشل, الذي يعرضها لخطر الزوال والتفكك بالطلاق, أو على الأقل التعاسة وسوء التربية للأطفال. - إن إرضاء الرغبة الجنسية هو الأصل في نشأة الأسرة وإقامة الشراكة الاجتماعية, وهذا ما نتجاهله تماما عند الإقبال على الارتباط, وخاصة الأولياء الذين يتولون الوكالة وكل الإجراءات المتممة للارتباط, وحتى الطرفان المعنيان فهما وإن كانا على قدر من الاهتمام بالجانب الجنسي, لكن ذلك يقع سرا وفرديا, دون الجرأة على الحديث في الأمر بينهما, ولا تبادل ما يمكنهما من معلومات قد يعرفانها عن أنفسهما, أو عن مصادر علمية وثقافية صحيحة ودقيقة قد تكون لدى أحدهما, في صورة أشرطة وكتب وغيرها من وسائل المعرفة والتثقيف, كل هذا بسبب الخجل والحرج الناتج عن المنع التام للخوض في هذا الأمر بأي شكل من الأشكال, حتى ولو تعلق الأمر بالطرفين المقبلين على الارتباط, مما يعني دفع المجتمع لهما إلى المغامرة التامة والإقدام الأعمى على كل احتمالات الخطر والفشل بالطلاق أو المعاناة مدى الحياة, ويكفي أن الضغط الذي تتعرض له البنت في هذا الشأن من تخويف وترهيب وتهديد يمارسه المجتمع عليها بصورة مباشرة عن طريق الأم خاصة, هذا الضغط الكبير يؤدي في الغالب إلى إصابة البنات بعاهات نفسية حقيقية, منها البرود الجنسي المكتسب, ورفض العلاقة الجنسية تماما ونهائيا, مما يجعل الفتاة بعد الزواج تنفر من الاتصال الجنسي, أو تتمنع عن القيام به إلا مضطرة وهي كارهة, وقد يتطلب الأمر إن استمرت الرابطة لظروف قاهرة سنوات طويلة من أجل إعادة الطبيعة السليمة إليها, وتقبلها الاتصال طوعا وربما الرغبة فيه, بعد أن تكون قد أنجبت مرة أو أكثر, ولكون الطرفان يجهلان تماما طبيعة الممارسة الجنسية فقد تظل المرأة طوال حياتها لا تصل إلى الهدف من الاتصال أي إلى النشوة وربما لا تبحث عنها أصلا, ويظل زوجها جاهلا لهذا الأمر لأنه يحصل على مبتغاه وهو يظن أن زوجته قد حصلت آليا على نفس الشيء بسبب جهله لطبيعة الأمر عندها, أو لعدم اكتراثه بالأمر أصلا, ولكونها لا تستطيع أن تطالب بهذا الحق حياء وخجلا ولا تستطيع السعي إليه أو الحديث فيه وتوضيح الأمر لشريكها وطلب المساعدة الضرورية منه لبلوغها نشوتها الطبيعية والمشروعة, لكنها لا تفعل جهلا أو حياء وخجلا بسبب قمع المجتمع لها وإهماله التام لهذا الجانب الأساسي في الزواج والسعادة الزوجية وسلامة بناء الأسرة وقيامها بوظيفة التنشئة الاجتماعية السليمة لأبنائها. هذا هو الوضع القائم, والذي يمنع قيام الشراكة الاجتماعية السليمة إلا بالمصادفة وحدها, أم الاتحاد المرغوب فيه والضامن لنجاح الشراكة الاجتماعية نجاحا تاما فيكاد يكون مستحيلا بسبب غياب هذه الثقافة والمعرفة والتربية الجنسية الضرورية. ونحن في هذا نسلك سلوك النعامة التي تواجه الخطر بغرس رأسها في الرمال حتى لا ترى مصدره ولا يهم أن يلتهمها إن كان حيوانا مفترسا ما دامت لا تراه, والغريب في الأمر أننا نميل إلى تبرير تقاليدنا البالية في هذا الخصوص تصريحا أو تلميحا بالدين, بينما الحقيقة هي أن الله سبحانه هو الذي خلقنا على شكل نصفين مختلفين جنسا, ولا يمكن لنا أن نكون كائنا كاملا إلا بالاتحاد, وليقع ذلك ويستمر وجودنا كنوع بشري زودنا الخالق الحكيم بآليات قوية هي الجاذبية الطبيعية بين الجنسين, والرغبة الجنسية القائمة على أساس غريزة أساسية وضعها مدبر الكون جل شأنه فينا, كما جعل اللذة الجنسية أقوى اللذات وأمتعها وأكثرها رغبة وسعيا لدينا لتحقيقها, وشرع لنا الزواج لتنظيم كل هذه العلاقة الصميمة, ورغم كل ذلك نريد إلصاق تقاليدنا الجاهلة البالية الهدامة في هذا الشأن بالدين الحنيف, ولله في خلقه شؤون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. عبدو المعلم
عدل سابقا من قبل عبدو المعلم في السبت ديسمبر 31, 2011 1:14 pm عدل 10 مرات (السبب : تنظيم) | |
|