[size=21]استفحل 'نباح' الكلاب في
المدينة، وعلت أصداؤه في الحواري والأزقة والساحات، سارقة
> النوم من عيون
الصغار والكبار.
> وذهبت أدراج الرياح كل أدبيات الاحتجاج ونصوص الشكاوى،
التي قدمت إلى السلطات
> المعنيّة.
> وبعد أن طفح الكيل، انطلق أحد
المواطنين 'المتنورين' إلى المركز الرئيسي لجمعية
> 'الرفق بالحيوان' – شعبة
الكلاب – وذلك بهدف إيجاد حلّ ما، أو خطة ما، أو حتى مجرد
> نصيحة ما، تمنع
أو تردع العواء، على غرار ما كان مطروحاً على الساحة الإقليمية من
> مقولات
مثل: 'الأرض مقابل السلام'، 'النفط مقابل الغذاء'، 'الأمن مقابل نزع السلاح'،
> ليقدّم هذا المواطن وباسم الأهالي، التنازلات المطلوبة، مقابل إسكات
النباح.
> وهكذا اتجه بإصرار وعناد، وهو لا يلوي على شيء، بأجفانه المتعبة
المتورمة المتهدلة،
> التي لم تعرف النوم منذ زمن 'نباحي' طويل.
>
ودخل المبنى الكبير للجمعية، حيث تصدّرت جدرانه ملصقات بالألوان لمختلف أنواع
الكلاب
> والهررة.
> وفي الباحة الداخلية للمبنى، انتصب تمثال كبير من
الرخام يمثل رهطاً من الكلاب على
> شكل متراصة، كُتِب تحتها: 'الاتحاد يولّد
القوة'! وأحاطت بالمكان مكتبة ضخمة غنية
> بالكتب والدراسات والأبحاث
العلمية والاجتماعية والثقافية، وحتى السياسية، لكبار
> 'المتبحرين' في فقه
'الكلبنة' وآدابها، منها كتاب 'قواعد الإعراب في سلوك الكلاب'،
> وكتاب
'الكلاب والضمان الاجتماعي' وكتاب 'أثر الكلاب سندويش على الشعر الحديث'!
>
وعبر هذا المناخ الذي يذكر بالزمجرة والشنخرة والهمدرة، سار صاحبنا قاصداً مكتب
مدير
> المركز. وهناك لاحظ وجود عبارات عدة مكتوبة بصيغة 'الحِكم' ومبروَزة
بإطارات تراثية،
> وتقول: 'كلب ينبح معك، ولا كلب يعوّي عليك!' وأخرى تقول:
'لا تتكالب على الدنيا'،
> وثالثة تقول: 'كلب صديق، خير من صديق
كلب!!'.
> المهم، أنهم بعد التحية والسلام، جلس صاحبنا متهالكاً أمام المدير
وأمارات الاستغراب
> تكلّل وجهه المنهك. ودار بين الاثنين حوار غلب عليه
طابع الأخذ والردّ، وطاول موضوعات
> 'حيوانية' حسّاسة وجادة. وشرح المواطن
لبّ المأساة فقال: الموضوع يا سيدي، هو أنه عند
> حلول الليل، تبدأ وبدون
انقطاع جمهرة من الكلاب الجعارية 'بالهواش' على كامل مساحة
> تراب 'حارتنا'
الوطني، وبكافة أنواع الأداء الصوتي. بدءاً من 'النباح' الآحادي
> 'السولو'
وصولاً إلى أعلى مقامات 'العواء' الترددي، المواكب دائماً عند 'القفلة
>
الحرّاقة' بأصوات جوقة 'الكورس' الكلابي، التي لا تعرف حناجرها 'الفضية' التعب، أو
أي
> درجة من درجات الإعياء، الذي يوحي أو يشي بما يشبه التوقف!
> هذا
الوضع المأساوي يا سعادة المدير، جعل ليالينا كلها 'نهارات'. فأرجوك، وأتمنى عليك
> باسم الجميع أن تساهم مؤسستكم الكريمة بوقف هذا الانفجار 'الكلابي' وهذا
الهدر
> العوائي الرهيب!
> هنا، وبكل برودة أعصاب، ومن دون أي نوع من
أنواع الهمدرة، أجاب السيد المدير: يا
> حبيبي هل تعلم بأن هذه الكلاب التي
تشتكون منها، تكاد أن تكون الوحيدة الباقية التي
> تنبح معكم؟! وذلك لتذكر
المسؤولين بمطالبكم المزمنة؟ بعد أن سكتّم طوال سنين عن كل
> التجاوزات
والانتهاكات؟ وعن كل ما هو على وزن هات؟!
> ثم انتهى اللقاء بلهجة زجرية
قاهرة وقمع ظاهر وتهديد مباشر!
> وفي الليلة التالية ومن دون مقدمات، رُفعت
بكثافة لافتات التأييد، وانضم الأهالي إلى
> 'كورس' الكلاب، وبدأ الجميع
بالعواء.
> واختلط الأمر، ولم يعرف في تلك المعمعة
> من هو الذي يلعب
'دور' الكلب،
> ومن هو 'الكلب ابن الكلب'!!!
>
[/size]