فستان المخمل الأزرق
عبد الرحمن عمار
سأروي لكم حكاية حب رومانسية.. فاسمعوا.. واصغوا.. وانتبهوا..
في إحدى القرى كان في قديم الزمان شاب ظريف أحب فتاة جميلة، وتعاهدوا على الزواج، ثم وعد المحب حبيبتَه بفستان مخمل أزرق، ليكون ثوب زفاف لها.. وبقي الوعد وعداً.. ولم ينفّذ الشاب وعده الموعود..
وقبلت الفتاة الزواج منه بدون فستان مخمل أزرق.. لكن.. على مضض.
ومرت السنوات الأولى.. والعاشق المتيّم لم ينفذ وعده.. ولم يشتر فستان المخمل الأزرق.. مستغلاَ بذلك رضا محبوبته وقناعتها وطيبة قلبها..
وكان العاشق المتيم يتقن المماطلة والتسويف.. وبين عام وعام كان يقول لها بأسف متصنّع: لم أستطع حتى الآن أن أشتري لك فستان المخمل الأزرق.. فكما تعلمين.. الحالة تعبانة يا ليلى...
وليلى التعبانة تهزّ رأسها وتبلع أساها بصمت مرير.. وظلت صابرة .. وصابرة ... وصابرة..
ومرة رآها أحد أولادها حزينة.. بائسة.. يائسة.. وقلبها يئن كأنين النواعير، لأنها لم تحصل على فستان المخمل الأزرق.. فلم يحتمل الولد ما يجري لأمه من عذاب وحرمان، فوقف أمام أبيه، ووجهه محتقن من الغضب، وطالبه بتنفيذ ما وعد وتقديم فستان المخمل الأزرق لأمه المسكينة.. المحرومة.. فرفض الأب، وانهال عليه ضرباً ولطماً ورفساً ولكزاً.. ولم يترك في جسده مكاناً إلا وفيه ضربة من عصا أو لطمة من كف أو طعنة من رمح..
وعندما شاهد أولاده الباقون ما جرى لأخيهم ارتعبوا.. وتبعثروا، وهم لا يدرون ماذا يفعلون، وكانت نهاية المطاف أن التزموا جحورهم وأغلقوا أفواههم وألصقوها بملصقات لا تزول.. ولكن.. سمح لهم الأب أن يتركوا ثقوباً صغيرة يهتفون منها: بالروح.. بالدم.. نفديك يا والدنا.. نعم... نعم.. نعم.. للسيد والدنا..
ثم مرت الأعوام والسنين.. وعاشت ليلى التعبانة تعبانة فعلاً.. فالشيب غزا رأسها، وتخلخعت أسنانها وأضراسها.. وصارت تمشي بثقل ووهن واضطراب على ثلاث؛ قدميها والعكازة.. ومع ذلك لم تحصل على فستان المخمل الأزرق..
وهكذا.. مرّ نصف قرن من الزمان.. وكبر الأحفاد، وشاهدوا جدتهم محرومة من فستان المخمل الأزرق.. فأصرّوا على أن تحصل جدتهم على فستان المخمل الأزرق..
حاولت جدتهم أن تصرفهم عن المطالبة بفستان المخمل الأزرق، ووضعت يدها على خدها وانطلق صوتها الرخيم الحزين يقول
شو بقي من العمر.. إلا شو بقي غير الشقا.. وغير هالوعد النقي..!!!!!!!.
لكن الأحفاد أصرّوا.. وأصروا على حق الجدة بالحصول على فستان المخمل الأزرق.. وجاءوا إلى جدهم بخطى واثقة.. وكأن الشاعر إبراهيم ناجي يعنيهم بقوله " واثق الخطوة يمشي ملكاً "... وأخذوا يهتفون: جدتنا تريد فستان المخمل الأزرق..
ونحن نريد فستان المخمل الأزرق..
فردّ الصدى من أنحاء الدار كلها...
نــ..حـــــ..ن نـ...ريـ..د فـ...سـ..تـ..ان الــ..مــــ..خــ..مــ..ـــــل الـــ..أ..ز...ر...ق
.........................................................................
نــ..حـــــ..ن نـ...ريـ..د فـ...سـ..تـ..ان الــ..مــــ..خــ..مــ..ـــــل الـــ..أ..ز...ر...ق
..........................................................................
نــ..حـــــ..ن نـ...ريـ..د فـ...سـ..تـ..ان الــ..مــــ..خــ..مــ..ـــــل الـــ..أ..ز...ر...ق
عندئذ حاول الجد تهدئتهم قائلاً: ســأحاول.. بل سوف أحاول أن أشتري لجدتكم فستان المخمل الأزرق..
فهل ستحصل الجدة على فستان المخمل الأزرق...!!!!!؟.