النظام الرأسمالي .. اغتصاب وبراءة !
د. عادل محمد عايش الأسطل
لطالما سعدت الدول الغربية ذوات النظام الرأسمالي، والذي تقوده الولايات المتحدة، بسقوط النظام الاشتراكي الشيوعي، الذي كان يقوده الاتحاد السوفياتي سابقاً في العام 1991، وسعدت أكثر لإثباتها في ذلك الوقت، صعود نجم نظامها الرأسمالي، الذي ساهم في تقدم تلك الدول اقتصادياً ومعيشياً، ومن ناحية أخرى كان بلا ريب، سبباً رئيساً في انهيار المنظومة الاشتراكية، بسبب عدم قدرتها مواصلة "سباق التسلح" خلال فترة الصراع الأيديولوجي بين المعسكرين الغربي والشرقي، فيما عرف بالحرب الباردة التي دارت رحاها وبقوة، على مدى عدة عقود من الزمن وبالتحديد في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945.
لقد علمت الولايات جيداً في عز مجدها الاقتصادي، بمساوئ النظام الاشتراكي، ولهذا عملت على تقويضه وإسقاطه، ولكنها تعامت تماماً عن عيوب نظامها الرأسمالي، وكأنها لا تدري واقتصاديّها، أن مساوئ نظامها الاقتصادي ستطفو على السطح، في القريب وما هي إلاّ مسألة أيّ النظامين أطول عمراً فقط.
النظام الشيوعي انتهي سريعاً وخلال فترة وجيزة، بغض النظر عن بعضه هنا وهناك (وليس صافياً تماماً)، لكن النظام الرأسمالي سينتهي حتماً، ولكن ستصحبه معاناة شديدة، يصارع من خلالها طويلاّ، وهذا أصعب ما في الأمر.
منذ عدة سنوات وفي بدايات عام 2007، حين برزت الأزمة المالية العالمية ابتداءً برأس النظام الأمريكي، وتحركت في اتجاهٍ صحيح نحو الدول الغربية، لتطال كل اقتصاد له ارتباطات معينة بتلك الاقتصادات الرأسمالية الغربية، لنجد العالم الرأسمالي بمجموعه، يتخبط في اقتصادياته المتعفنة يمنة ويسرة، حتى عاد ليأخذ من حسنات النظام الاشتراكي وتبدأ المصارف المركزية، تتدخل لدعم سوق السيولة. من خلال ضخ المليارات من الدولارات، في السوق المتهالكة، وإلى الآن وحتى إشعار آخر، ولم يشفِ ذلك ألماً، ولا يُذهب تعباً ولا نصباً، فكانت المؤسسات الاقتصادية تنهار تباعاً، وتتهاوى البنوك الكبرى بعضها خلف بعض، جراء عدم تمكن الأفراد تسديد تسليفات الرهن العقاري (الممنوحة لمدينين لا يتمتعون بقدرة كافية على التسديد)، الأمر الذي سبب أولى عمليات الإفلاس في مؤسسات مصرفية متخصصة، تبع ذلك تتدهور البورصات أمام مخاطر اتساع الأزمة، وتلجأ أكثر المصارف الكبرى لتعلن انخفاضاً كبيراً في أسعار أسهمها بسبب أزمة الرهن العقاري وغير ها.
وعلى خلاف ما يتوقعه بعض الاقتصاديين، من أن الأزمة المالية يمكن إصلاحها، وخاصةً حينما يظهر بعض التحسن عند نمو اقتصاد دولة ما، ولكن سرعان ما يتراجع ذلك النمو وبزيادةٍ أكبر، ففي الولايات المتحدة، يقرون باستفخال الأزمة، ومنطقة اليورو بأكملها مهددة بالاندثار، حتى أصبحت تلك الأزمة من العاهات المزمنة، التي تهدأ من داء، ولا تنتفع بدواء.
ولا شك فإن أزمة وول ستريت، هي الشاهد الأبرز على استفحال تلك الأزمة، التي ستنهي تقريباً حياة الرأسمالية، وذلك من خلال الاحتجاجات المتصاعدة، من الكثرة التي تمثل ضعفاء العالم الرأسمالي الظالم، حيث تتفاقم هذه الاحتجاجات يوماً بعد يوم، ومن خلال برامج منسقة برزت في جماعات مناهضة للرأسمالية العالمية ونظام العولمة، من خلال برنامج عمل ضخم حمل اسم "احتلوا وول ستريت" حيث انضم إليها العديد من المؤسسات المختلفة، وأعضاء مجالس بارزين ومنها أعضاء من مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، والتي تطالب بمزيد من المساواة والعدالة.
لم تكن حركة الاحتجاجات التي رفعت شعار "احتلوا وول ستريت" تحركاً بلا أثر، فقد أظهرت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية أن ما يقارب من 55% من الشعب الأمريكي يتفهمون مطالب المحتجين، الذين اعتبروا أن التدهور الاقتصادي في بلادهم، والظلم الاجتماعي الذي يعاني منه السواد الأعظم، لم يكن من لا شيء، بل كان نتيجة لسياسة الاحتكارات الاقتصادية والمالية، التي يتحكم بها القلة القليلة من أصحاب رأس المال في تلك البلاد، وخاصة من اليهود، الذي يمسكون بتلابيب الاقتصادات العالمية وخاصةً الأمريكية.
إذاً هذه هي خلاصة النظام الرأسمالي، الذي يأكل أغنيائه كل شيء، ولا يُبقون لفقرائه أي شيء، وهم دائماً على صواب، ولو ذهب نصف الناس جوعاً، أما فقراءه، فحالهم كما يُقال كالذي يمسك عشيقاً لزوجته في غرفة نومه، فإنه مذنب بمجرد أن يفغر فاه. حتى ولو اتفق أهل الحي أنه برئ.
ولكن من المذنب حقاً ؟ ولا شك فإن المذنبون كثر، وبدايةً لابد من التسليم بأن الأزمة هذه، لم تحصل فجأة، ولم تنشأ من فراغ، ولكن كانت هناك أخطاء تراكمية، نشأت منذ زمن بعيد، وفي هذا الشأن، فإن كل زعيم أوروبي أو رئيس أمريكي من أولهم وحتى "أوباما"، كان له قدراً من الذنب، حين ارتكبت وكما يقول الأخصائيون، أخطاء مريرة، حتى جعلوا المستهلكين يزيدون أضعافاً في الاستهلاك ومن غير حساب، حتى نشأت الأزمة.
إن قادة دول أوروبا والولايات المتحدة، لا يمكنهم اتخاذ قرار ضد مالكي المال، وليس بوسعهم فعل أي شيء لأجل المؤسسات المنهارة أكثر مما فعلوا، وأيضاً لا يجرؤون على الذهاب ضد الجماهير المدهوسة.
إذا فليس هناك من حل، ولا حتى في الوقت المنظور، وسيتوجب على قادة النظام الغربي الاعتراف بسقوط النظام، كما سقطت من قبل أنظمة أخرى.