الخمر غير محرم فى الاسلام
د. مصطفى راشد
حاصل على العالمية من جامعة الأزهر كلية الشريعة
فرع دمنهور عام 87
ما زال التحليل والتأويل والتفسير والقياس الفقهى لنصوص القرآن والآحاديث ، رهين عقليات المفسرين من البشر منذ مئات السنين دون أن ننظر إلى المفسرين والفقهاء هل هم فعلا أسوياء يملكون المنطق والعقل الراجح ، أم أن الكثير منهم كان مصاباً بالعطب العقلى والعته الفكرى ، وجعلنا منهم أئمة ومرشدين وقادة ،ولأن الدين مهنة من لا مهنة له ، وجدنا الكثير من فقهائنا ومفسرينا يقررون وينظّرونَ حسبما نشأوا --- ، فوجدنا فقهاء منطقة الخليج متأثرين بطبيعة بلادهم الرملية الجافة القاحلة والقاسية ، فاختلفت تفسيراتهم للنصوص مع فقهاء الشام الذين نشأوا فى الحضر، وكذا الاختلاف مع فقهاء مصر أصحاب الارث الحضارى والثقافى ، حتى نصل للأكثر مدنية وتحضراً ، وهم فقهاء الأندلس ، امثال ابن رشد وابن عربى – واختلاف فقهاء هذه المناطق ، يوضح لنا أزمة الاسلام ، وحاجته لمؤسسة دولية وسطية مثل الأزهر ، تعكف على تنقية هذا الإرث المتضارب فى الكثير من جوانبه ، والمخالف لمقاصد الشرع الصحيحة – ولأننا قررنا منذ فترة السير فى هذا العمل تطوعا لتنقية التراث مما هو مخالف لصحيح ومفهوم النصوص ، نجيب على سؤال المستشار- سالم محمد النشيف الوارد على موقعنا بخصوص( موقف الإسلام من الخمر) ذلك بإسناد الرأى والفتوى فيها إلى النصوص دون َتزيد ، لذا سوف نبدأ بتعريف الخمر الذى أختُلف فى تعريفه فمنهم من قال أن الخمر لغة : - هى كل ما خامر العقل وغلبه –
وفى الاصطلاح الفقهى : - هى أسم لكل مسكر
واٌخر يعُرف الخمر لغة وشرعاً : - كل مسكر سواء كان من العنب أو غيره .
ولتحديد وضع الخمر فى الاسلام ، إن كان محرماً أم لا ، سوف نناقش الآيات والأحاديث المتعلقة بموضوع الخمر بالشرح والتفسير، حتى نستطيع الوصول للرأى الفقهى لوضع الفتوى بوضوح واطمئنان وثبات الحجة : -
اولا : - قوله تعالى فى الآية 219 من سورة البقرة ( يسأ لونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما ) ( ص )
والآية هنا توضح أن الخمر والميسر فيهما أثم ومنافع لكن اثمهما أكبر من نفعهما ، وهذا ليس بنص تحريم بل يضع الخمر فى درجة المكروه ، لأن نصوص القرآن عودتنا على الالفاظ القاطعة الواضحة اذا كانت المسألة تتعلق بالتحريم مثل قوله تعالى فى سورة البقرة 173 ( حُرِّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) وكذا الاية 3 من سورة المائدة وايضا قوله تعالى فى الاية 96 من سورة المائدة ( وحرم عليكم صيد البرما دمتم حرما ) وكذا سورة النحل الاية 115 ، مما يعنى أن الخمر مكروه وليس محرما وإلا لماذا لم تقل الاية حرم عليكم الخمر .
ثانيا : - قوله تعالى فى الاٌية 43 من سورة النساء ( يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) ( ص )
وقد نزلت هذه الاية بعد أن كان بعض الصحابة يصلُّون وهم فى حالة سكرٍ مزرٍ فيخطئون فى قراءة الآيات -- ويفهم ضمنيا من الآية هو أن السكر حتى الغياب عن الوعى ممنوع اثناء الصلاة ونص الاية لا يمنع فى غير اوقات الصلاة.
ثالثا : - قوله تعالى فى الآية 90 من سورة المائدة ( يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فأجتنبوه ) ( ص )
وهنا الآية واضحة فى طلب إجتناب الخمر والاشياء الاخرى وهذا لا يدل على التحريم بل يضع الخمر فى درجة المكروه. وفرقُ كبيرُ بين حكم المحرم والمكروه رابعا : - قوله تعالى فى الآية 91 من سورة المائدة ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكُم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) ( ص ) .
ايضا لم تقطع هذة الاية بحرمة الخمر والميسر بل تطالبهم بالتوقف عنهما حتى لا تصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة ، ثم يأتى القرآن ليؤكد أن الخمر ليس محرم فى ذاتة بل فى علة الوقوع فى السكر الذى يصد عن ذكر الله وعن الصلاة بقوله تعالى فى الآية 15 من سورة محمد ( مثل الجنة التى وعد المتقون فيها أنهار من خمرٍ لذةٍ للشاربين ) ( ص )
خامسا : - بالنسبة للحديث الذى رواه مسلم رقم 3733 بأن كل مسكر حرام.
ابتداءً نتحفَّظ على سند الحديث لأن التحريم وهو أعلى درجات الأحكام فى الشريعة الأسلامية لا يكفيه حديث يصدر عن أحد أو بعض الرواة— لكن على اى حال فنص الحديث لا يحرم الخمر فى حد ذاته بل يحرم السكر أى الوقوع فيه .
ونحن إذ نفتى بعدم حرمة الخمر فى الاسلام قد وضعنا أمام أعيننا قوله تعالى فى الآية 116 من سورة النحل ( ولا تقولوا لما تصفُ ألسنتكمُ الكَذبَ هذا حلالُ وهذا حرامُ لتفتروا على الله الكذبَ ) ( ص ) والله من وراء القصد والابتغاء .
الشيخ د - مصطفى راشد
حاصل على العالمية من جامعة الأزهر كلية الشريعة
فرع دمنهور عام 87