تجديدات إسرائيلية، في مواجهة المصالحة الفلسطينية !
د. عادل محمد عايش الأسطل
على الرغم من صورة الليونة، التي ظهرت على السطح السياسي، لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" حينما جاء على لسان رئيس مكتبها السياسي السيد "خالد مشعل" بأن الحركة بصدد انتهاجها المقاومة الشعبية كوسيلة مهمة – مقدمة- على أي وسيلةٍ أخرى، في هذه المرحلة ضد الاحتلال الصهيوني، وذلك في أعقاب الاجتماع الذي ضمه مع الرئيس الفلسطيني"محمود عباس" في القاهرة، وذلك في ضوء التفاهمات، بشأن المصالحة الوطنية الفلسطينية، التي تم التوصل إليها من قبل الأطراف الفلسطينية المختلفة وخاصةً حركتي فتح وحماس. على الرغم من ذلك لم يُعجب قادة إسرائيل، الذين سارعوا إلى إعلان غضبهم وثورتهم ضد المصالحة، من خلال الوعيد والتهديد، والعمل بمبدأ التحذيرات والعقوبات المختلفة، المالية والاقتصادية والسياسية، وأيضاً متعلقات السفر والانتقال، وهذا ما كان واضحاً من خلال تصريحات المسئولين في "إسرائيل" بدايةً من رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو" ومروراً بوزراء حكومته إلى مسئولي الجيش والمؤسسات السياسية الأخرى، لكن الذي لم يكن واضحاً وكان مفاجئاً أيضاً، هو لجوء إسرائيل إلى إجراءات إضافية أخرى والتي لها صدىً مؤثر على الساحة السياسية المضطربة في الأساس، نتيجة التطورات السياسية المتآكلة على الصعيد التفاوضي، والممارسات الاستيطانية المتسارعة على الأرض، إضافةً إلى الاستفزازات الصهيونية ضد السكان الفلسطينيين في أماكن تواجدهم.
إن إسرائيل وكما في كل مرة، ليست في حاجة إلى تبرير أي قولٍ أو فعلٍ يصدر عنها، وليست في حاجة أن يكذبها أو يصدقها أحد، وليست بحاجة إلى معرفة الصواب من الخطأ، لأنها ببساطة تعتبر نفسها هي التي تقرر وهي التي تنفذ.
فإسرائيل ومنذ ظهور النويات الأولى، لفكرة المصالحة الفلسطينية، ما فتئت تبحث عن أي وسيلةٍ لتخريبها أو تعطيلها على الأقل، مع علمها المسبق بصعوبة إتمام الفكرة بحذافيرها، ولكنها تثبت دائماً أو تحاول الادعاء بالخشية من جر الحبل.
ولذلك فقد رأت اللجوء إلى وسائل ذات نوعية أخرى غير مباشرة تماماً، يكون من شأنها هدم مسيرة الفلسطينيين نحو المصالحة، ووأدها في خطواتها الأولى، تماماً كما فعلت الإدارة الأمريكية، في شأن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية داخل مجلس الأمن، حيث لجأت إلى الأساليب الضاغطة على الدول في المجلس، بهدف عدم حصول مشروع الدولة، على الأصوات الكافية لتمريره، دون أن تُرغم إلى اللجوء إلى اتخاذها حق النقض"الفيتو" الأمر الذي يعفيها من الحرج المحلي والدولي.
لأجل تحقيق الهدف لجأت "إسرائيل" إلى إتباع وسائل غريبة، حين أفادت أنباء غربية، بأن جهاز الأمن الإسرائيلي جنّد فلسطينيين من حركة فتح، ليقوما بتجنيد ناشطين من حركة حماس، لتنفيذ عمليات مسلحة باسم الحركة، بهدف خلق صراع بين حركتي فتح وحماس في الضفة الغربية، من شأنه أن يغلق ملف المصالحة بين الحركتين.
وكان أغربها، ولأجل الهدف نفسه، حادثة معاودة اعتقال رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الدكتور "عزيز الدويك"، الذي كان أطلق سراحه في يناير/كانون الثاني عام 2009، وتحت مزاعم إسرائيلية مفتراة، بأن الجيش الإسرائيلي خالجه الشعور بانتعاش في نشاط حركة حماس في الضفة الغربية، في أعقاب إتمام صفقة التبادل مع إسرائيل، وكان بنى مزاعمه، ليس على نشاطات "الدويك" السياسية، التي كانت تنامت بشكلٍ ظاهرٍ وملموس، سواء على مستوي الضفة الغربية، أو عرب الداخل وحسب، حيث كان اتُهم بتجديد نشاطاته السياسية مع شخصيات فلسطينية من الداخل، مثل "حنين الزعبي" النائبة في الكنيست الإسرائيلي، و"عبدالله نمر" و"إبراهيم صرصور" و"رائد صلاح" رئيس الحركة الإسلامية، وغيرهم، بل أيضاً على خلفية الاشتباه من قبل الجيش الإسرائيلي، بضلوعه بمساعدة تنظيمات فلسطينية "معادية لإسرائيل".
والأصعب أنها ربطت بين تلك النشاطات السياسية، وبين حادثة اعتقال عدة خلايا فلسطينية كانت - كما تدعي "إسرائيل"- في طريقها لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية. وكأن الدكتور "الدويك" هو من قرر ذلك.
وكانت بنفس السبب قد أوغلت المصادر الإسرائيلية، في تعداد أسباب اعتقال النائب عن "حماس" أيضاً السيد "خالد طافش" حيث جاءت في معظمها بناء على معلومات جمعتها القيادة المركزية التابعة للجيش الإسرائيلي، بالتعاون من جهاز الأمن العام "الشاباك" حيث قاما مؤخراً – على حد زعمهما- في ظل جهودهما بمحاولات منع تفعيل النشاط العسكري لتنظيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، التي شهدت نوع من اليقظة القوية بعد أتمام صفقة شاليت.
ولا شك فإن من الأهداف الإسرائيلية من وراء تلك الحوادث، بالإضافة إلى محاولة إبعاد مسئولية فشل عقد المزيد من المفاوضات الاستكشافية، التي ترعاها العاصمة الأردنية، عن "إسرائيل" لأنها في حقيقة الأمر لاتريدها، لتتحمل السلطة في رام الله تلك المسئولية أمام المجتمع الدولي، فإن عملية اعتقال "الدويك" كان أحدثت تأثيراً مباشراً، من حيث عدم اكتفاء حركة "حماس" بإدانة الرئاسة الفلسطينية، لإقدام السلطات الإسرائيلية على اعتقاله، فى كبح الغضب لدى الحركة على السلطة، لا سيما بعد مطالبة رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة "إسماعيل هنية" بوضوح، بوقف المفاوضات الجارية، التي كان وصفها "بالفاشلة" بين السلطة وبين الكيان الصهيوني، معتبراً أن الاعتقال محاولة من الاحتلال لتعطيل الحياة البرلمانية الفلسطينية، وسعياً لضرب جهود تحقيق المصالحة.
وعليه فإن ما تقوم به "إسرائيل" من سياسات وممارسات مختلفة ضد الفلسطينيين، إنما تنم عن تخبطها التائه، وسياستها المعلولة، حيث لا تروق لها أي فكرة تدل إلى المصالحة، وألِفت الافتراق الفلسطيني، وباتت تكره الدخول في عملية سلام حقيقية، ومرجع ذلك قد يكون لعلة أنها اُعجبت بفكرة رئيس أركانها "بيني غانتس" التي تقول، ليس بالعودة إلى احتلال الأراضي الفلسطينية وحسب، بل إلى إمكانية معاودة سيناريو حرب عام.1967
البريد الإلكتروني للمرسل: d.adelastal@hotmail.com