منتديات الصمود الحر الشريف
زيارتكم تسرنا * ومشاركتكم لنا بالتسجيل والمساهمة في منتدياتنا تسعدنا * حللتم أهلا ونزلتم سهلا في منتدياتكم الصامدة الحرة الشريفة
منتديات الصمود الحر الشريف
زيارتكم تسرنا * ومشاركتكم لنا بالتسجيل والمساهمة في منتدياتنا تسعدنا * حللتم أهلا ونزلتم سهلا في منتدياتكم الصامدة الحرة الشريفة
منتديات الصمود الحر الشريف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الصمود الحر الشريف

هذه المنتديات تجمع الشرفاء والشريفات الذين يناضلون من أجل القضايا العادلة في فلسطين والعالمين العربي والإسلامي والعالم بأسره بالوسائل التعبيرية الشريفة والشرعية - لا تتحمل إدارة المنتديات مسؤولية ما ينشر فيها مما لا يعبر عن رأيها بالضرورة
 
الرئيسيةجديد اليوم*أحدث الصورالتسجيلدخول

وضع الأمريكان دستور العراق ........................... وضع الروس الآن دستور سوريا ..................... ربما هذا يعني أن سوريا من نصيب روسيا في مشروع الشرق الأوسط الجديد .............. لقد بدأ العد العكسي لزوال الدول العربية نهائيا من خريطة العالم

 

 الأدب الوطني .. وتعاطف النقد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبير البرازي
مديرة
مديرة
عبير البرازي


عدد المساهمات : 7200
تاريخ التسجيل : 02/03/2010
الموقع : https://elsoumoudelcharif.ahlamontada.com

الأدب الوطني .. وتعاطف النقد Empty
مُساهمةموضوع: الأدب الوطني .. وتعاطف النقد   الأدب الوطني .. وتعاطف النقد I_icon_minitimeالسبت يناير 21, 2012 8:58 pm











الأدب الوطني .. وتعاطف النقد




الأدب الوطني .. وتعاطف النقد البردوني





بقلم الشاعر الكبير/ عبدالله البردوني
29/09/2010

الأدب الوطني .. وتعاطف النقد


اقترن النقد بالأدب كرفيقي طريق لأن الأدب الإنشائي يثير بخصائص عدواه مكامن الإعجاب، وبعد دهشة الإعجاب ترنو الملاحظات النقدية إلى أغوار الأدب الإنشائي لكي تكتنهه وتستجلي مزاياه ومعائبه، وهذا بفضل تنبيه الأدب الإنشائي لملكة النقد، إذ كان النقد يتقولب في مقولات تعميمية أو في تصحيح استعارة أو تصويبها أو في خطأ مجازي أو صواب ذلك المجاز، أو في تبرير سرقة لأنها أضافت إلى المعنى القديم، أو تهجينها لأنها لم تضف شيئاً. وهذه النقدة هي أول ما تميز بين التأثر الطبيعي وبين المحاكاة الآلية، حتى تسمى علم البيان والنحو اللغة (علماً للأدب) بعد. أن كان داخلاً في نطاق الأدب العام، وكان الأدب القديم لا يتموضع الوطنية ولا يبوح في وجدانها، لأن الصراع السياسي كان يقوم على أفضلية عائلة الحاكم أو تفضيل عائلة المعارض، فكان الأدب خاضعاً للنقد الفني ولكن من وجهة بيانية لغوية، فالنقد والأدب من مستوى واحد، إذ لا تختلف ثقافة الناقد عن ثقافة الشاعر وإن كان يشترط في الناقد زيادة المعارف اللغوية وسعة الرواية لكي يكون نقده مسدداً للأدب الإنشائي لكي لا يقع الأدب الآتي في الخطأ، فكان النقد والأدب رسميين، على حين كانت النزعة الوطنية قبلية أو بيتية، والجميل في هذا النقد أنه أسس مغالبة الدهشة التي كان يحدثها الشاعر والعراف والحكاء والقاص، وعندما أصبح النقد منهجياً بفضل (الموازنة) "والوساطة" وما نحا منحييهما إلى جانب مدد الثقافة الفلسفية كأن لا يخرج المنهج عن تشكيل اللغة والإضافة إلى المعنى وابتكار المعنى النادر، وكان الأدب المعارض للسلطات يحظى بتعاطف النقاد لسعة انتشاره بين الناس ولسريته عن الرقباء فتركز النقد على الرسميين كنقد قول أبي نواس في الرشيد:
وأخفت أهل الشرك حتى أنها
لتخافك النُطفُ التي لم تُخلقِ
كذلك تعاطف النقد مع الثوريين بمقدار ما تغاضى عنهم، لهذا أثيرت الضجة حول (أبي تمام) (البحتري) دون أن تحدق إلى اشعار (دعبل) وأمثاله من الثوريين لمحة نقد بل بالغ الرواة في تائية دعبل حتى نسبوا إيحاءها إلى شيخ الجن ضبيان بن عامر. فتبارى شعراء في تشطير تلك التائية وتخميسها ثم اشتد الاختلاف عن كمية أبياتها، لأن الإضافات إليها ظلت تتوالى حتى أصبحت ثمانين بيتاً وكانت لا تصل إلى الخمسين في حياة الشاعر، كما حقق هذا ياقوت الحموي مع أن القصيدة من هذا الضرب الشيعي:
مدارس آياتٍ خلت من تلاوةٍ
ومنزل وحيٍ مقفر العرصاتِ
ولعل هذا أول أساس للتعاطف مع الأدب الثوري قبل أن تتبلور الوطنية كقضية سياسية يدافع عنها الكل ويردد صدى بوحها القارئ المتذوق والناقد المتعاطف، وعندما تبلورت قضية الوطن وقتاله مع الاستعمار تحول الأدب إلى خندق، كما تحول النقد إلى خندق أيضاً. ولعل مدرسة (الديوان) ومدرسة "الغربال" في عشرينيات هذا القرن أول نقد وطني للأدب غير الملتزم أو غير المعبر عن قضية جماعية. وإذا لاحظنا موقع النقد وموقع المنقود فسوف نتبين ان نقد العشرينيات كان ينطوي على سياسة وطنية في وجه الأدب الرسمي، اذ من المعروف أن (عباس العقاد) و(إبراهيم المازني) كانا أقرب إلى الحس الوطني والدفق الجماهيري، فصوبا إلى (شوقي ) و(حافظ) أعيرة نار غضبهما، لأن شوقي كان شاعر القصر، ولأن حافظ كان يتأرجح بين القصر والشعب، فكان كتاب الديوان للعقاد والمازني أول منصات الوثوب على رسمية الشعر وعلى تقليديته لكونه رسمياً، لهذا نهج كتاب الديوان منحيين: الدعوة إلى جديد بمفهوم رومنتيكي، والتمرد على التقليدي لكونه رسمي المعجم والوجهة.
وإذا كان كتاب الديوان موضوع النقاش في رؤيته النقدية وفي تقويمه للشعر فإن النزوع الوطني أعلى من النقاش، لأنه عاطفة جماعية قائمة على العقل الجماعي. مثل مدرسة الديوان مدرسة الغربال لميخائيل نعيمة، فهذا الكتاب النقدي من نفس مقلع الديوان للعقاد والمازني وان اختلف الرأي بينهما وبين ميخائيل نعيمة في مسألة اللغة وقدرتها على التشكيل المعاصر، وكان (نعيمة) يذهب مذهب الرابطة القلمية، على حين كانت جماعة الديوان تذهب مذهب (ابوللو) وعلى وقوفها في وجه شوقي فإن شوقي أصبح مديراً لجماعة أبوللو عام 24 وافتتح أول اجتماع لها بقصيدة مطلعها:
أبوللو مرحباً بك يا أبوللو
فإنك من عكاظ الشعر ظلُّ
برغم أن مذهب مدرسة ابوللو يتوخى الخروج عن عكاظ وتقاليده، فإن شوقي يثبت فكرة واحدية الفن الشعري على اختلاف أزمنته ومدارسه.
وكان شوقي يرفع هذا النداء عام 24 أي بعد صدور كتاب الديوان بعامين، فهل يدل هذا على رسمية شوقي ووطنية نقاده؟
نعم: لأن إدارته لجماعة (أبوللو) ترجع إلى مكانته الرسمية والمالية، لأن مدرسة أبوللو كانت تحاول الخروج على كلاسيكية الشعر التي ترى شوقي أعرض عناوينها، كما ترى العقاد والمازني ألمع دعاة جديد العشرينيات، غير أن نقدهما لم يفصح عن نضال وطني بالحرف وإنما دل عليه موقع الناقدين وطبقة المنقود، إذ لا يتناول الديوان خديويات (شوقي) وإنما تناول وطنيات شوقي من أمثال مرثاته لمصطفى كامل ومحمد فريد، مع أن هذين الموضوعين من صميم الوطنية.
فهل كان هناك صراع على المكانة الأدبية؟
إن بداية كل الأعمال تحمل الكثير من أنانية الطفولة، فلا يخلو نقد (العقاد) و"المازني" من ذاتية خاصة ومن حِسٍ عام وان كان الحس العام غير واضح الملامح، إلا أن مكان الناقد والمنقود يشكل دلالة، لأن "العقاد" كان معارضاً للخديوي، على حين كان "شوقي" أمير مادحيه، وكان "العقاد" متأثراً بالرومنتيكية الإنجليزية كالمازني، بمقدار ما كان (شوقي) كالمنفلوطي امتداداً لتقاليد البيان العربي بما فيه من تقاليد المدح والرثاء وإكبار الملوك والأمراء.
بتحديد المكانين تتبدى طفولة النزوع الوطني، وإن ارتدت النقد الذاتي أو التنازل الأدبي، ومن المعروف ـ في ذلك الحين ـ ان فكرة الجديد كانت غامضة، كما أن مذهب التجديد كان واضح التنازع لأنه يبني على أصل أصيل. لقد أسست هذه الفترة أول نواة للأدب الوطني نقداً وإنشاءً، فعندما أهلت الثلاثينيات تصاعدت قامات أدب جديد، كان بعضه امتداداً لأدب القرن الثامن عشر في أوروبا وكان بعضه مزيجاً من التيار الأوروبي ونداء الحاجات الوطنية، وكان "أبو القاسم الشابي" و"علي محمود طه" و"بشارة الخوري" أقطاب مدرسة الرومنتيكية بشقيها: الإبداعي والجمالي والثوري الإبداعي.. وعلى مواتاة الشهرة لعلي محمود طه بفضل تلحين قصائده ونشر مجموعاته فإن الشاعر التونسي "أبا القاسم الشابي" ألصق بقلوب الجماهير العربية وأشفى لنفوسها، فإذا بقصائده (إرادة الحياة) و"النبي المجهول" و(نشيد الجبار) أسيَرَ على الشفاه والمسامع من أغنية الجندول وكليو باترا لعلي محمود طه. ونتيجة لاختلاف الموقفين عند الشاعرين في جملة أعمالهما اختلف موقف النقد، فتعاطف مع (الشابي) إلى أقصى الحدود بينما أهمل (علي محمود طه) أو تناوله تناولاً جانبياً. حتى أن شوقي ضيف في كتابه دراسة في الأدب العربي المعاصر، قال:إن شعر علي محمود طه مجرد ألفاظ صاخبة لا تبدي صورة فذة ولا تنطوي على تصور. على عكس عمر أبي ريشة فإن شوقي ضيف أبدى إعجابه بصوره الفنية وكان الأنسب أن يضع مكان أبي ريشة أبا القاسم الشابي الذي كثرت حوله البحوث والكتب..
فما سبب هذا التعاطف النقدي مع الشابي؟
إنه يرجع إلى قوة إفصاحه عن الشعب بما فيه قراء الأدب ونقاده، لأن الناقد كالشاعر، كالمواطن كلهم يريدون انتصار الوطن وترديد حداء قوافله لكي تبلغ المرفأ المنشود، ومن العجيب أن شهرة "الشابي" وصلت إلى كل قطر عربي على وفرة الحواجز بين الشرق العربي، والشمال الافريقي يومذاك، فكان المواطنون في كل قطر يرددون صوت الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل ان ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
حتى تحولت هذه القصيدة إلى أغنية فنية كاستجابة لدعوة النفوس التي تهاتفت بهذه القصيدة من مطلع الثلاثينيات إلى الخمسينيات، فإذا بالناس يحسون تشابه التجربة بين مواطن "صنعاء" ومواطن "تونس" وبين مواطن "بغداد" ومواطن "تونس" أيضاً، بهذا كان "الشابي" موضوع تقدير النقاد فلا يتناولونه الا بالتقدير والإعجاب لأنه كشف لهم سراً عن معاناة (تونس) فأحسوا نفوسهم في صوت الشابي الذي تجند للقضية الوطنية طيلة حياته الفنية والزمنية، على حين لم يلتفت علي محمود طه إلى الموضوع الوطني الا في آخر سني عمره، أو على التحديد سنة موته التي نشر فيها قصيدته "أخي جاوز الظالمون المدى" بعد عام من قيام الدولة الصهيونية على الموطن الفلسطيني.
فهل تعاطف النقد مع الأدب الوطني مشروع؟
ليس هناك مكان لفلسفة هذه النقطة. ولكن كيف يمكن الناقد ان يتهجم على عواطفه؟
إن الناقد هنا أعجز من أن يتخلى عن عواطفه التي لحنها الشاعر.
وهذا الحس يحجب عن الناقد ما في هذا الشعر من هنات، بينما يجسم له ما فيه من فرادة وابتكار ومزايا تجديدية وجديدة، وقد امتد هذا الأسلوب النقدي إلى الخمسينيات، فإذا بالدراسات التي صدرت عن "الشابي" كلها تبرز مزاياه وتأسى على انقصاف عمره في ربيعه الباكر وتساير خواطره وآهاته وكأنها شعر في شعره وأصداء لحنينه، حتى عندما تعالت الضجة بين العمودي والتفعيلي كان "الشابي" أهم محور الدراسات الاعجابية والنقد المتعاطف.. من أمثال كتاب "رجاء النقاش" "أبو القاسم الشابي حياته وشعره" وكثير من البحوث الأدبية، برغم محاولة الوقوف في وجه الشعر العمودي الذي كان ينسج الشابي على غراره.
إذن فالقضية وطنية وضدها، لأن "الشابي" انصهر بالوطنية وتجربتها فكان تعبيراً عن الناقد والمواطن، مهما كان نوع الشكل الذي يتخذه. فإنه أول من بشر بانتصار الوطن كما في قصيدته إرادة الحياة، وكان تبشيره منوع التشكيل والشكل، تارةً يعد بالنصر عن طريق النضال المتصاعد، وتارةً يبشر بتوهج الشعب من خلال التفاعل الزمني كما يقول:
اسكني يا جراح
واسكتي يا شجون
مات عهد النواح
وزمان الجنون
وأطل الصباح
من وراء القرون
بهذا الوعد التصوري والتبشير المباشر تعاطف النقد مع الشابي، وليس معنى هذا أن "الشابي" كشاعر فوق النقد، ولكن عواطف الوطن وخلجاته فوق أعلى الرؤوس وأعرض الأكتاف. كان "الشابي" هو الحلقة الثانية في النقد مع الأدب الوطني، فكما أذهل "الخزاعي" النقاد القدماء وجر تعاطفهم إليه، تعاطف النقاد المعاصرون مع "الشابي" رغم اختلافه عن "دعبل الخزاعي" واختلاف النقاد المعاصرين عن أجدادهم، فإذا لم يعب النقاد القدماء "دعبل الخزاعي" فإن نقاد العصر أكثر إغراقاً في الإشادة بالشابي وطريقة شعره وتنويع إبانته عن سر الوطن، لأن رومنتيكية "الشابي" نأت عن الجوانب المريضة في الرومنتيكية كالتهافت في الطبيعة، كالتغزل بالأوجاع، كاحتقار البشر، لأن رومنتيكية "الشابي" لم تنشأ عن تأثر مسيحي كأدباء المهجر وأساتذتهم من الفرنسيين والإنجليز، وإنما عن توقد وطني وعن أوجاع تجريبية عاناها الشابي في نفسه، والتحم معها في سواهن، لهذا جاء نقد "الشابي" دراسياً تفسيرياً دون أي إلماح إلى غميزة أدبية أو هفوة لغوية أو قصور تعبير أو نقص رؤية. وهذا التعاطف ينتمي إلى نزوع وطني من جهة وإلى حميمية الصلة بين الفن الوطني والناقد الوطني، صحيح أن "الشابي" عانى تجريحاً من رجعية موطنه ولكنه عوض عن هذا التجريح والتجاهل بشهرة عاطرة على امتداد موطن لغة الضاد، حتى اكتشف أجيال موطنه قيمة تضحيته بعد تحرر تونس، ومثل "الشابي" (كمال عبدالحليم) صاحب ديوان (إصرار) فعلى قلة شعره ومباشرته فإنه أشهر شعراء الأربعينيات خارج "مصر" ولم يلتفت إليه قراء الأدب بمصر إلا بعد تنديد (إسماعيل صدقي) بأشعار صاحب (إصرار) وعنف تطرفها، والى الآن لم يظفر ديوان (إصرار) وصاحبه بأقل ما ظفر به ديوان "أغاني الحياة" وشاعره فما السبب في تجاهل كمال عبدالحليم حتى في الدراسات العامة؟
لعل السبب يرجع إلى قلة شعره، لأن العربي يعول على الكثرة أكثر مما يعول على النوع من أيام "الجُمحي" وكتابه (طبقات الشعراء) وربما كان السبب هو الانتقال من فاعلية الشعر السياسي إلى فاعلية السياسي نفسه بعد انفجار ثورة 23 يوليو 52. إذ لم يحظ ديوان (إصرار) بالإشادة التي نالها "الشابي" فإنه لم يشر إليه أي تعييب أو نقص في الأداء النفسي والشكل التعبيري، إذن فقد كان النقد الأدبي حميمي التعاطف مع الأدب الوطني، لأنه يقتصر على الإشادة أو يسكت عن التعييب على الأقل، وصار هذا كتقليد حتى عندما أصبح النقد إبداعاً كالفن المنقود فإن التعاطف مع الأدب الوطني ظل كتقليد حتى عاب هذا التقليد الشاعر محمود درويش:"أرجو أن لا تقتلونا بالحب"
وكانت هذه الملاحظة من محمود درويش بعيدة النظر كثيرة المسوغات أدبياً ونضالياً، فقد أصبح الأدب الفلسطيني من آخر الخمسينيات وعلى امتداد الستينيات مثار الاهتمامات الدراسية، وكانت كل الرؤى إليه تلاقيه بالدهشة كأنه مفاجأة صاعقة، لأن هذا الأدب العظيم تفجر من الأرض المحتلة. فاستغرب الأدباء العرب في كل قطر إشراق هذا الأدب من تحت وطأة الحرب الصهيونية، وكان الناس يظنون أن الشعب الفلسطيني قد مات فاحمرت أصوات محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد لكي تدل هذه الأصوات الحمر على قدوم فجر التحرر، صحيح أن للأدب الفلسطيني نكهته الخاصة وسماته المميزة، ولكن لا ينفصل في جملته عن جملة الأدب النضالي في بيروت أو صنعاء و القاهرة أو دمشق، غير أن النقاد في كل الأقطار تعاطفوا مع هذا الأدب أقوى من تعاطفهم مع الشابي، لأنه يفصح عن قضية أرض محتلة من واقع المرارة الحقيقية، ولأنه جاء على غير انتظار. فوقف منه النقد موقف الدهشة والحنان والأمل الواثق في انتصار الشعب، وهذا هو المبرر لصيحة محمود درويش بعد أن كادت كتابة النقد المادح أن تقتل الأدباء الفلسطينيين بالغرور أو بالحب على حد تعبير محمود درويش. على أن النقد الذي تناول أداء النقد، ثم تحول النقد إلى تفسير، وصدرت في هذا عدة كتب وفصول مثل: محمود درويش شاعر الأرض المحتلة، شعراء الأرض المحتلة، أدب المقاومة.. إلى جانب الكثير من الدراسات والطروحات، وكلها تتقصى مزايا هذا الأدب: حرارته وفرادة نكهته وحداثة رؤيته وشمول إنسانيته:
فلتخلعوا عني جواز السفر
فإن جوازي قلوب البشر
ولا يتطرق النقد إلى أية هنة في شعر أي شاعر، فهل هذا التعاطف واحدية القضية؟؟
هذا سبب واحد، أما الثاني فهو تميز هذا الأدب بلونين:
العمودي المتطور، والحداثة القائمة على فن معروف.. لهذا تتراءى القافية المتراوحة والرتيبة في كل الشعر الفلسطيني فتتآخى الخليلية والتفعيلة والحداثة والأصالة، وكان ظهور هذا الشعر بعد وصول الشعر الجديد أمام طريق مسدود، لأن الرواد لم يفتتحوا آفاقاً مجهولة في مطلع الستينيات ولم يقتدر الستينيون على مد الخمسينيين أو إبداع أدب مغاير في نظرية المعنى وفي قسمات الأسلوب. لهذا كان ظهور الشعر الفلسطيني مفاجأة أدبية وبشرى نضالية، وعندما ألف النقاد هذا الأدب وتعاملوا مع تطوره أخذت الدراسات تقارن بين شعراء الأرض المحتلة وشعر زملائهم، وبعد نكسة حزيران طوى الأدب صفحة الستينيات وأشعل صيحة الغضب، فتعاطف النقاد مع الصيحة الجديدة، لأنها ضد الهزيمة ومحاولة اجتيازها وتلمس أسباب حدوثها، وتمادي الأدب في تجريح السلطات وتعرية مواقع الخلل فيها، وكان النقد يقف من هذا الأدب موقف التعاطف والتمازج كأن الأدب والنقد وجه واحد لقضية واحدة، ومن مطلع السبعينيات تصدى النقد الرسمي لما سماه أدب التجريح، ورأى بعض الأكاديميين ان هذا التجريح الغاضب قد يؤدي إلى العكس فيصبح قبول الهزيمة أمراً واقعاً بدلاً من أن يكون الأدب مثيراً لكوامن القوة، غير أن أغلب النقاد ظلوا متعاطفين مع أدب النكسة لصدوره من حساسية وطنية ومن موقع شعبي، هنا بدأت بعض الدراسات تتناول الأدب الفلسطيني بعدة مقاييس نقدية كفن، بغض النظر عن القضية التي صدر عنها.
فهل هذا تحول عن التعاطف أو تصحيح له؟
إنه تصحيح للتعاطف، لأن النقد الخلاَّف كالأدب الإبداعي كلاهما يضيف إلى الآخر جماليات وكشف عوامل جماليات، ولكن ما سبب هذا التصحيح للتعاطف؟
لعل السبب انتقال القضية الفلسطينية إلى معركة البندقية والكلمة معاً بعد أن كانت الكلمة هي السلاح الأوحد، ولما تزاملت مع الزنود النارية أصبح الأدب الفلسطيني قابلاً للمناقشة، لأنه لم يعد المقاتل الوحيد وإنما الفن المعبر عن القتال، لهذا خضع الأدب الفلسطيني للنقد الموضوعي بلا تعاطف أو بتعاطف موضوعي، لأنه لم يعد دهشة وإنما صار موضوعاً،وهكذا عندما يصبح الأدب الوطني تراثاً، يصير قابلاً للمقاييس النقدية على مختلف المناهج، وليس هذا وقفاً على الشعر الفلسطيني وعلى أدب النكسة، وإنما على كل أدب وطني يصبح تراثاً من أمثال الأدب الحزيراني الذي خضع للنقد آخر السبعينيات، وحل محل التجريح النداء إلى تحليل الواقع، لأن الأدب الحزيراني قد تحول في آخر السبعينيات إلى تراث، والتراث لا يستدعي التهجم ولا الإشاعة وإنما الدراسة المستبطنة لكونه تراثاً يشكل حلقة امتداد، وقد جربنا هذا في أدبنا، إذ كان أدب "الزبيري، والموشكي، والعزب" مثار الإعجاب المطلق، لأنه كان صوت القضية من مطلع الأربعينيات إلى ضحوة الستينيات، وعندما اختلف وجه القضية الوطنية واستجدت قضايا مختلفة بانقراض عهد ونشوء عهد أصبح أدب الأربعينيات وما تلاها موضع الدراسة ومواقع الرأي والاسترئاء، لأن هذا الأدب قد أصبح تراثاً له حرمة التراث وضرورة معرفة الاستفادة من هذا التراث بتحليل أطواره وحلقاته الزمنية لصلته بواقع اليوم، فالتعاطف مع الأدب الوطني ينشأ من سخونة القضية وحرارة التجاوب معها، عندما تستجد قضايا مختلفة تستدعي أدباً جديداً ونقداً مستبصراً لأدب القضايا السابقة لكي نتكشف القائم منها والبائد والممتد والمنقرض، وهذه الدراسة للتراث القريب العهد تشكل إحياء للقديم ومنهجاً لتناوله لكي ينشأ أكثر جدة وأكثر صلاحية لمواجهة القضايا المستجدة، على ان اختلاف القضايا وتغير المراحل لا يقطعان الصلة بالتراث ولا يفصمان العرى بين القديم والجديد كفن، لأن الفنية تفكيراً وتعبيراً هي الطابع الوحيد الذي يجمع كل الفنون ويدل على مسار تطورها واختلاف تنويعها وأنواعها، وحتى أدب التراث فإنه غير محروم من التعاطف باعتبار موقعه في أيام إنشائه، فلأدب النضال في التراث صلة الصيرورة بالجديد..
لهذا تكوِّن الجماهير من النقاد ومن الأدباء رأياً ينشأ عن موقف إزاءهم، فترى التهجم على الأدب الوطني نقصاً في وطنية المتهجم بل دليلاً على خيانته، كما ترى في الأدب المتلهي عن القضية انحرافاً عن أهداف الوطن وأماني جموعه، كما ترى في صمت الأديب خيانة وبالأخص في أوان القول، وكما أن الجماهير أصبحت مصدر السلطة تبدت كذلك مصدر الرأي النقدي ومنبع الإلهام الأدبي، فأصبح التعاطف مع الأدب الوطني دليلاً على صدق العاطفة الوطنية لكي يصبح الأدب والنقد كلمة الشعب دائماً، لأن الجيش الثقافي قوة التغيير، فلا يقل أهمية عن حملة البندقيات، لأن أول كل عمل عظيم تفكير عظيم، تقولب في كلمة أو تعنقد في اشراقة رأي، ولا أبهى وأبقى من إرادة الوطن كمصدر للكلمة منقودةً وناقدةً.


http://www.addustoor.net/details.php?recordID=132
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elsoumoudelcharif.ahlamontada.com
 
الأدب الوطني .. وتعاطف النقد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موقع النقد السينمائي في خارطة النقد بالمغرب .. موقع النقد السينمائي في خارطة النقد بالمغرب
» مفهوم الأدب في الدول
» عن أزمة قلة الأدب – فهمي هويدي
» تاريخ النقد الأدبي عند العرب نشأته وتطوره
» إطلالة على الأدب النسائي‏ ‬العربي‏ ‬الحديث .. أ. د. حسيب شحادة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الصمود الحر الشريف :: Votre 1ère catégorie :: votre 3ème forume - المنتدى الثقافي :: المنتدى الأدبي :: النقد الأدبي-
انتقل الى: