تاريخ النقد الأدبي عند العرب نشأته وتطوره
يمكن أن يكون الحديث عن تاريخ النقد الأدبي والتطور التاريخي لهذا العلم الادبي المهم من خلال
العناصر التالية :
أولاً : النقد عند العرب في الجاهلية
النقد الأدبي عند العرب في الجاهلية كان تأثرياً آنياً يعتمد على الذوق الفطري ويتضمن أحكاماً
جزئية وتعميمات ومبالغات كثيرة ، وليست له قواعد محددة .
ثانياً : في عصر صدر الإسلام :
أحدث الإسلام ارتقاء في الفكر والذوق عند العرب ، فتقدم النقد الأدبي خطوة إلى الأمام وظهرت
أحكام نقدية فيها شيء من التدقيق والتعليل ، تهتم بالصدق والقيم الرفيعة في العمل الأدبي .
ثالثاً : في القرن الهجري الثاني :
أثرت الحركة العلمية الإسلامية في النقد الأدبي فظهرت طائفة من النقاد اللغويين والرواة الذين
جمعوا الشعر القديم ، ونظروا فيه ، ووازنوا بين الشعراء ، وحكموا على أشعارهم ، وبينوا صفاته
الفنية ، أشهرهم : أبو عمرو بن العلاء والأصمعي ويونس بن حبيب .
رابعاً : في القرن الهجري الثالث :
نما النقد الأدبي وارتقى ، وظهرت مؤلفات مهمة فيه ، تهتم بالقضايا التالية :
توثيق الشعر القديم ( الجاهلي والإسلامي ) لإثبات الصحيح منه وكشف غير الصحيح ، وتقويم
الشعراء وإجراء الموازنات بينهم ، ودراسة بعض الشعر دراسة تبين المعاني الجيدة والرديئة فيه ،
والأساليب القوية والضعيفة ، وأسباب قوتها وضعفها .
ومن أشهر النقاد في ذلك القرن : محمد بن سلام الجمحي صاحب كتاب : ( طبقات فحول الشعراء ) ،
وابن قتيبة صاحب كتاب : ( الشعر والشعراء ) ، والجاحظ الذي ضمن آراءه النقدية كتابيه : ( البيان
والتبيين والحيوان ) .
خامساً : في القرن الهجري الرابع :
نضج النقد الأدبي عند العرب ، وظهر نقاد بارعون صنفوا مؤلفات كثيرة قيمة ، وعالجوا قضايا
نقدية أساسية أهمها : تعريف الشعر والخطابة ودراسة عناصر هما والعلاقة بينهما ، ودراسة بناء
القصيدة ، والعناصر الجمالية في العمل الأدبي ، وأثر البديع في الشعر والنثر ، والموازنة بين
الشعراء موازنة تفصيلية دقيقة ولا سيما الموازنة بين أبي تمام والبحتري ، وبين المتنبي وكبار
الشعراء الآخرين ، وما أخذه بعض الشعراء من شعر غيرهم ، وهو ما عرف باسم ( السرقات
الشعرية ) .
ومن أشهر النقاد في هذا القرن : الحسن بن بشر الآمدي صاحب كتاب : ( الموازنة بين أبي تمام
والبحتري ) ، والقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني صاحب كتاب : ( الوساطة بين المتنبي
وخصومه ) ، وقدامة بن جعفر صاحب كتاب : ( نقد الشعر ) .
سادساً : في القرن الهجري الخامس :
واصل النقاد تأليفهم في قضايا الشعر والنثر وأضافوا أبحاثاً دقيقة في الإعجاز القرآني ، وأسرار
الجمال البياني ، وعمود الشعر العربي ، والسرقات الشعرية .
ومن أشهر النقاد آنئذ : ابن رشيق القيرواني صاحب كتاب : ( العمدة في محاسن الشعر وآدابه
ونقده ) وعبد القاهر الجرجاني صاحب كتابي : ( دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة ) .
ويعد القرن الخامس مرحلة النضج والعمق في التأليف النقدي عند العرب .
سابعاً : في الفترة الممتدة بين القرن السادس الهجري والعصر الحديث :
توقف النقد الأدبي عن التقدم ، ثم أخذ بالجمود والتقلص تدريجياً حتى وصل في القرون المتأخرة
إلى الضعف والتخلف ، والسبب في ذلك : قلة الإبداع ، وانفصال البلاغة عن النقد .
ولكن لم تخل تلك القرون من نقاد بارزين كتبوا مؤلفات نقدية قيمة أمثال : ابن سناء الملك : الذي
دون قواعد الموشح في كتابه : ( دار الطراز ) وأسامة بن منقذ صاحب كتاب : ( البديع في نقد
الشعر ) وابن الأثير وهو أهم النقاد في تلك القرون صاحب كتاب : ( المثل السائر ) .
ثامناً : في العصر الحديث :
( أي منذ منتصف القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي ........ حتى الآن ) :
بدأت حركة إحياء نقدية على يد عدد من النقاد أشهرهم الشيخ حسين المرصفي ، تطبق المقاييس
النقدية التي كانت سائدة في القرنين الرابع والخامس الهجريين ، ثم تقدم النقد الأدبي مع تقدم الأدب
وبدأ مرحلة تغيير كبير على يد عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني بكتابهما المشهور
( الديوان ) ، ثم واصل النقد الأدبي تقدمه ، وبلغ في زمننا هذا درجات عالية من النضج ، وصارت له
مناهج كثيرة واتجاهات مختلفة ، أهمها :
1 ــ اتجاه يعتمد على الذوق المدرب والثقافة العربية الخالصة المتأثرة بالقرآن الكريم والحديث
النبوي .
ورائد هذا الاتجاه مصطفى صادق الرافعي .
2 ــ اتجاه يجمع بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية مع المحافظة على الأصالة العربية ،
ورائد هذا الاتجاه : عباس محمود العقاد .
3 ــ اتجاه تطغى عليه الثقافة الغربية ، ويطبق نقاده مناهج غربية ، ويعملون على إشاعة مبادئها
ومقاييسها الفنية كالواقعية الغربية والواقعية الماركسية والوجودية والبنيوية .
4 ــ إزاء موجة التأثر بالمناهج الغربية في الأدب والنقد ، وارتباط بعضها بمبادئ تخالف الإسلام
ظهر اتجاه نقدي إسلامي ، يهتم بمضمون العمل الأدبي إضافة إلى القيم الفنية ، ويحرص على أن
يخدم الأدب الشخصية الإسلامية وتراثها العريق ، وينمي الذوق السليم ، ويتصدى للأعمال الأدبية
الهدامة والنقد المرتبط بالماركسية والفلسفات الأخرى المنحرفة ، ومن نقاد هذا الاتجاه : محمد قطب
وعماد الدين خليل وعبد الرحمن رأفت الباشا ، وعبد الله الحامد ، وأبو عبد الرحمن بن عقيل ,
وغيرهم ممن ينحو هذا المنحى .
منقول للفائده