منتديات الصمود الحر الشريف
زيارتكم تسرنا * ومشاركتكم لنا بالتسجيل والمساهمة في منتدياتنا تسعدنا * حللتم أهلا ونزلتم سهلا في منتدياتكم الصامدة الحرة الشريفة
منتديات الصمود الحر الشريف
زيارتكم تسرنا * ومشاركتكم لنا بالتسجيل والمساهمة في منتدياتنا تسعدنا * حللتم أهلا ونزلتم سهلا في منتدياتكم الصامدة الحرة الشريفة
منتديات الصمود الحر الشريف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الصمود الحر الشريف

هذه المنتديات تجمع الشرفاء والشريفات الذين يناضلون من أجل القضايا العادلة في فلسطين والعالمين العربي والإسلامي والعالم بأسره بالوسائل التعبيرية الشريفة والشرعية - لا تتحمل إدارة المنتديات مسؤولية ما ينشر فيها مما لا يعبر عن رأيها بالضرورة
 
الرئيسيةجديد اليوم*أحدث الصورالتسجيلدخول

وضع الأمريكان دستور العراق ........................... وضع الروس الآن دستور سوريا ..................... ربما هذا يعني أن سوريا من نصيب روسيا في مشروع الشرق الأوسط الجديد .............. لقد بدأ العد العكسي لزوال الدول العربية نهائيا من خريطة العالم

 

 المعارضة السورية ومشكلة القياد .. يزيد صايغ ج2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد المالك حمروش
المدير العام
المدير العام
عبد المالك حمروش


عدد المساهمات : 5782
تاريخ التسجيل : 26/02/2010
الموقع : https://elsoumoudelcharif.ahlamontada.com

المعارضة السورية ومشكلة القياد .. يزيد صايغ ج2 Empty
مُساهمةموضوع: المعارضة السورية ومشكلة القياد .. يزيد صايغ ج2   المعارضة السورية ومشكلة القياد .. يزيد صايغ ج2 I_icon_minitimeالسبت أبريل 06, 2013 12:34 pm

المعارضة السورية ومشكلة القياد .. يزيد صايغ ج2


(تابع)


المعارضة السورية ومشكلة القياد .. يزيد صايغ ج2 Sayigh_color_medium3
يزيد صايغ


الائتلاف الوطني: فاصل قصير؟

نشر سيف اقتراحه في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2012، ولكنه كان قد ناقشه مع المقربين والمسؤولين الأميركيين منذ أوائل آب/أغسطس. قدم اقتراحه إلى المكتب التنفيذي في المجلس الوطني في أيلول/سبتمبر، بيد أن انقساماً حادّاً حدث بين زملائه فتمّ تأجيل اتّخاذ قرار. كان امتناعهم معقولاً، إذ لم تكن المبادرة الوطنية السورية تتميز في الواقع عن المجلس الوطني السوري في أغراضها وأهدافها السياسية وهياكلها وعضويتها المقترحة. وقد استنسخ "الائتلاف الوطني"، وهو الهيئة التي كانت المبادرة الوطنية السبب في إنشائها، الديناميات السياسية والتنظيمية للمجلس الوطني.

سياسياً، لم يتضمّن اتفاق الإطار المكوّن من إحدى عشرة نقطة والذي أسفر عن تأسيس الائتلاف الوطني أي مفاجآت. إذ تعهّد بالعمل على إسقاط نظام الأسد بشكل كامل، ورفض الحوار أو التفاوض معه، وأعاد التأكيد على البرنامج السياسي الذي صدر عن المعارضة في اجتماع القاهرة يوم 3 تموز/يوليو. وعد الائتلاف الوطني بتشكيل حكومة مؤقّتة بمجرّد حصوله على اعتراف دولي، وهذا قد يفسح المجال، بعد سقوط النظام، أمام تشكيل حكومة انتقالية يجري اختيارها بواسطة "مؤتمر وطني عام". لم تكن وثيقة التأسيس تتميز عن "المبادرة الوطنية" الأخرى التي كان المجلس العام للمجلس الوطني قد وافق عليها قبل أربعة أيام، إلا في بعض التفاصيل الصغيرة.

تنظيمياً، كانت أوجه التشابه بين المجلس الوطني والائتلاف الوطني قوية كذلك. فقد شكّل الائتلاف الوطني مكتباً رئاسياً وهيئة عامة وهيئة سياسية وسيطة بينهما، وهو مايعدّ صورة طبق الأصل عن هيكلية المجلس الوطني. كان من المفترض أن يكون للائتلاف ثلاثة مكاتب رئيسة – مكتب الإغاثة الإنسانية والمكتب العسكري ومكتب الشؤون القضائية - وثلاث عشرة من اللجان الفنية والمختصّة، تُماثِل المكاتب التنفيذية في المجلس الوطني. وكما هو حال المجلس، ظلت معظم مكاتب ولجان الائتلاف الوطني عموماً مجرد حبر على ورق، باستثناء وحدة تنسيق المساعدات لدولية، وبدرجة أقلّ، لجنتَي الإغاثة ومجالس المحافظات. وعبر تشكيل سبع لجان "طارئة" لمعالجة المهام الدبلوماسية والسياسية واللوجستية الملحّة في 21 كانون الثاني/يناير 2013، استنسخ الائتلاف أيضاً توجّه المجلس الوطني للعمل من خلال لجان ارتجالية بدلاً من تفعيل أجهزته الرسمية تفعيلاً كاملاً.

الائتلاف الوطني ليس مجرّد نسخة عن المجلس الوطني، لكنه نسخ فعلياً لعبة التمثيل التي مارسها المجلس الوطني ومجموعة أصدقاء سورية خلال السنة المنصرمة. تمثّلت إحدى النقاط الرئيسة في نقد كلينتون للمجلس الوطني السوري في أنه لايمثّل معارضي نظام الأسد بالشكل الكافي. ويدّعي الائتلاف الوطني أنه يمثّل المعارضة السورية بشكل أوسع من المجلس الوطني، لكن في ذلك الادّعاء بعض المبالغة.

فيشكّل الأعضاء الحاليون أو السابقون في المجلس الوطني والمقرّبون منه مايصل إلى نصف أعضاء الائتلاف الوطني، من دون احتساب المنشقّين عنه مثل المالح وسيف. إلا أن المجلس الوطني لم يذُب في الائتلاف الجديد. فهو لايزال موجوداً بالتوازي معه. وبقيت عناصر أخرى من المعارضة الرسمية، مثل هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي وتيار بناء الدولة السورية، خارج الائتلاف الجديد أيضاً. وقد مارست الأطر الرئيسة في المعارضة باستمرار لعبة تبديل الكراسي، حيث أعادت تنظيم عضويتها من دون تغيير دينامياتها الداخلية. وحضر نحو 85 في المئة من أعضاء الائتلاف الوطني معظم اجتماعات المعارضة الكبرى، إن لم يكن كلها، منذ حزيران/يونيو 2011.

فضلاً عن ذلك، لايمثّل الائتلاف الوطني المعارضة داخل سورية بدرجة أكبر بكثير مما كان يمثّلها المجلس الوطني. يشغل الحراك الشعبي 35 في المئة من المقاعد الـ41 في هيئة القيادة الوسيطة في المجلس الوطني، أي الأمانة العامة، مقارنة بنحو 20 في المئة من المقاعد في هيئة صنع القرار المقابلة في الائتلاف الوطني، أي الهيئة العامة.

قيل الكثير عن تخصيص أربعة عشر مقعداً في الائتلاف الوطني لمجالس المحافظات في سورية، لكن جميع ممثّليه باستثناء اثنين موجودون في المنفى، بمَن فيهم رئيس الائتلاف، معاذ الخطيب. ويُقال إن اثنتين من أهم شبكات الحراك الثوري المدني، أي لجان التنسيق المحلية والهيئة العامة للثورة السورية، اللتان انضمّتا إلى الائتلاف الوطني في تشرين الثاني/نوفمبر، اعترضتا خطياً لدى المكتب التنفيذي للائتلاف بشأن الاختيار غير المتوازن لممثّلي المحافظات.24

وقد سار الائتلاف الوطني أيضاً على خطى المجلس الوطني في عدم تمثيل أحزاب المعارضة السورية الكردية. فقد اتّسعت الفجوة بين جناحي المعارضة بعد أن قطع المجلس الوطني الكردي في سورية محادثات الوحدة مع المجلس الوطني السوري في نيسان/أبريل 2012. وأدّى ذلك إلى انضمام المجلس الوطني الكردي إلى مجلس شعب غربي كردستان في تشكيل المجلس الكردي الأعلى كإطار كردي منفصل في 11 حزيران/يونيو. وكان مجلس شعب غربي كردستان واجهة لحزب الاتحاد الديمقراطي، أكبر حركة كردية في سورية، والذي يرتبط بعلاقات تاريخية وثيقة مع حزب العمال الكردستاني في تركيا، ويجدر الذكر أن حزب الاتحاد عضو في الائتلاف المنافس للمجلس الوطني السوري داخل سورية، هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي. وعلى الرغم من انضمام ثلاثة أحزاب صغيرة في المجلس الوطني الكردي إلى الائتلاف الوطني في تشرين الثاني/نوفمبر، فقد بقيت أغلبية الأحزاب داخل المجلس الكردي الأعلى. في كانون الأول/ديسمبر، أعلن الائتلاف إنشاء منصب النائب الثالث للرئيس لتمثيل المعارضة الكردية، لكن المنصب ظل شاغراً. وكان تعيين رئيس مجلس القبائل السورية، سالم المسلط، في المنصب في 20 آذار/مارس 2013، بمثابة مؤشّر على أن الائتلاف الوطني، على غرار المجلس الوطني قبله، قد تخلّى عن الأمل في إدخال التحالفات الكردية في إطار سياسي مشترك.

سرعان ما اضطلع المجلس الوطني وفصيله الأساسي، جماعة الإخوان المسلمين، بدور قيادي في شؤون الائتلاف الوطني، وتبعه التجمع الرئيس الآخر في المجلس الوطني، الكتلة الوطنية. وقد أبرز ذلك عدم الكفاءة السياسية والضعف التنظيمي لغالبية أعضاء الائتلاف الآخرين. فعندما اجتمعت الهيئة العامة للائتلاف في القاهرة، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر، لتفعيل لجانه التنفيذية والإدارية واعتماد نظامه الأساسي، على سبيل المثال، بلغت نسبة أعضاء المجلس الوطني والمقرّبين منه 60 في المئة من الحضور. وقد مثلوا الائتلاف الوطني في إعداد ورش العمل الخاصة بالمرحلة الانتقالية، وفي المناقشات حول المسألة الكردية، وفي اللجنة التي قادت المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار بين الجيش السوري الحر والميليشيات الكردية التي تقاتل للسيطرة على بلدة رأس العين الحدودية الاستراتيجية في شباط/فبراير 2013. وعندما عيّن الائتلاف الوطني لجنة للتشاور مع مجموعة أصدقاء سورية بشأن تشكيل حكومة مؤقّتة في 21 كانون الثاني/يناير، كان أربعة من أعضائها الخمسة من المكتب التنفيذي للمجلس الوطني.

لذلك، كان ثمّة قدر كبير من التظاهر عندما منحت مجموعة أصدقاء سورية صفة الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري للائتلاف الوطني في 12 كانون الأول/ديسمبر 2012، بعد أن حرمت المجلس الوطني السوري منها في السابق.

مواجهة التحدّيات

تتوقّف استمرارية الائتلاف الوطني كمنافس على القيادة على قدرته على تولّي إدارة ردّ المعارضة على ثلاثة تحديات رئيسة، إذ يتعيّن عليه أن يقرّر فيما إذا ومتى وكيف ينقل المعركة إلى المدن السورية الرئيسة أو المراكز السكانية الأخرى. وعليه أن يثبت قدرته على توفير الإغاثة الإنسانية والإدارة المدنية في المناطق التي يسيطر عليها الثوار. ويجب عليه التعامل مع المبادرات الدبلوماسية أو المقترحات السياسية التي قد تنتج أشكالاً من الحكم الانتقالي أو تقاسم السلطة التي لاترقى إلى تغيير النظام بصورة كاملة.

لقد أخفق المجلس الوطني السوري في التغلّب على هذه التحديات. فهو لم يلعب أي دور في نقل المعركة إلى المدن، ولم يُولِ جهود الإغاثة العناية الكافية، كما أن فكرة التعامل مع النظام أم مع الجماعات الموالية له وضعته في موقف دفاعي واضح. وإذا لم يثبت الائتلاف الوطني قدراً أكبر من النجاح في مواجهة هذه التحديات، فإن قيادة الانتفاضة الشعبية والتمرّد المسلح ستنتقل إلى مجموعة متنوّعة من الجهات الفاعلة الأخرى داخل سورية. لكن من غير الواضح ما إذا كانت عصا القيادة ستنتقل إلى هيكل موحّد أو تبقى القيادة موزّعة في ميدان مشرذم.
نقل الحرب إلى المدن
إن قرار الشروع في معركة كبيرة، وخاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، ليس قراراً عسكرياً أو تكتيكياً بحتاً، وإنما هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، وله تبعات أخلاقية كبيرة. فالقتال في المناطق الحضرية يؤدّي حتماً إلى حدوث أضرار مادية شديدة، وتفكّك اقتصادي، وتشريد جماعي. ويثقل كواهل المقاتلين بوجوب توفير مقوّمات الإدارة الأساسية والإمداد الغذائي لأعداد كبيرة من المدنيين، ويولّد مشاعر الاستياء عندما يفشلون في الارتقاء إلى مستوى التوقّعات. النظام السوري بدأ بلا شك أعمال العنف على نطاق واسع، مادفع المعارضة لحمل السلاح لحماية المتظاهرين السلميين. لكن، كما يعترف بعض الناشطين، "صحيح أن خيار التسليح لم يكن خيارنا، ولكن الحدّ من نتائجه السلبية مسؤوليتنا الأخلاقية".25

بدأت هجمات المعارضة في تموز/يوليو 2012، بيد أنه لم يتم اتّخاذ قرار بنقل الحرب إلى قلب المدن السورية من جانب أي إطار مظلة سياسي في المعارضة، بل اتُّخِذ القرار مراراً من جانب مجموعات مسلحة متباينة، أغلبها يدين بالولاء الإسمي فحسب للجيش السوري الحر، ناهيك عن للائتلاف الوطني أو المجلس الوطني. ويعتبر هجوم الثوار في حلب، الذي بدأ يوم 20 تموز/يوليو، مثالاً على ذلك. فقد عارض رئيس المجلس العسكري المحلي، العقيد في الجيش السوري الحر عبدالجبار العكيدي، بدء معركة كبيرة في المدينة، التي يبلغ عدد سكانها 2.5 ملايين نسمة، وهي المحرّك للاقتصاد السوري.26 لكن العكيدي شعر بأنه غير قادر على اعتراض طريق لواء التوحيد، وهو جماعة إسلامية مسلّحة شُكِّلَت قبل ثمانية أيام فقط، الذي أصرّ على شنّ الهجوم. غير أن مشاركة الجيش السوري الحر في المعركة بعد بدئها كان يعني تنازله عن زمام المبادرة إلى لواء التوحيد وغيره من الجماعات المسلّحة، غالباً الإسلامية، التي تبعته في وقت لاحق، مثل جبهة النصرة الجهادية. وتسيطر هذه المجموعات مجتمعة على العديد من المناطق المحرّرة في المدينة.

أفاد مَن زار حلب حتى أواخر تشرين الثاني/نوفمبر بأن المنطقة الصناعية الكبيرة في المدينة نجت من عمليات القصف التي قام بها النظام، ولكن تم تجريد مصانع بأكملها أو تفكيكها عندما اجتاحتها مجموعات الثوار بعد ذلك. ووفقاً لتقييم تم تقديمه إلى وزارة الخارجية الأميركية من مصادر سورية تعمل مع الجيش السوري الحر، لم يذكر اسمها، في مطلع كانون الثاني/يناير 2013، فإن "هناك المئات من المجموعات الصغيرة (تضم مابين 10 و20 مقاتلاً) تنتشر في جميع أنحاء منطقة حلب... لقد تحوّل الجيش السوري الحر إلى جماعات متمردة غير منظمة، تخترقها أعداد كبيرة من المجرمين". وأوضح التقييم أن "انتهاكات المتمردين أصبحت ظاهرة طبيعية يومية، وخاصة ضد المدنيين، بما في ذلك نهب المصانع العامة والخاصة والمستودعات والمنازل والسيارات".27

من المُسلَّم به على نطاق واسع في أوساط المعارضة أن الثوار يرتكبون انتهاكات من هذا النوع. فقد اعترضت جبهة علماء حلب، في كانون الثاني/يناير 2013، على "الاستيلاء على المخزون الاستراتيجي من القمح والسكر والقطن والنفط والاحتياجات الأساسية للناس"، الذي بيع جزء منه عبر الحدود في تركيا بأسعار بخسة.28 من ناحية أخرى، وصفت مركز فكر معارض الكثير من عمليات نهب المنشآت الصناعية وتدمير البنية التحتية العامة بأنها "تدمير من أجل التدمير".29

بحلول كانون الثاني/يناير 2013، عزا بعض الناشطين المحليين نزوح المدنيين من مناطق محررة معينة إلى أعمال السرقة وفرض الخوّة وانتزاع الأرباح الاستغلالية من جانب الثوار، لا إلى الأعمال القتالية أو الظروف الإنسانية الصعبة.30 وكان قادة الجيش السوري الحر على بيّنة من تأثير ذلك على التأييد الشعبي، وخاصة بين سكان المدن. وفي مقابلة أجريت في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2012، اعترف العقيد قاسم سعدالدين، رئيس المجلس العسكري في حمص، بأسى بأن "الناس في حلب يشعرون بنقمةٍ تجاه الجيش السوري الحر، كما هو حال أهل حمص [المدينة]".31

كان واضحاً أنه لا المجلس الوطني ولا الائتلاف الوطني ولا الجيش السوري الحر يمكنه السيطرة على المجموعات المسلّحة المختلفة. وترك ذلك عملية اتخاذ القرار حول كيفية خوض المعركة كلياً في أيدي الثوار المحليين، الذين عملوا وفق خليط من الدوافع ذات النتائج العكسية في كثير من الأحيان. كان أحد هذه الدوافع هو أن الكثير من المدنيين الذين حملوا السلاح والذين جاءوا أساساً من المناطق الريفية المحيطة كانوا يعتبرون أن سكان المدن أبطأوا في الانضمام إلى الانتفاضة. وقد كان هذا مبنياً على مشاعر الغبن السابقة إزاء المكاسب التي حقّقها رجال الأعمال والطبقات الوسطى الحضرية خلال العقد السابق من تحرير الاقتصاد. وبالمثل، دفع الاعتقاد بوجوب أن تتحمّل كل المناطق عبء محاربة النظام على قدم المساواة بتحالف للثوار الإسلاميين لبدء العمليات القتالية في محافظة الرقة في أواخر تشرين الأول/أكتوبر2012. ولأن الرقة كانت هادئة نسبياً، فقد لجأت أعداد كبيرة من المدنيين الذين شرّدهم العنف في حلب إلى هناك، وقدّرت وحدة تنسيق المساعدات الدولية في الائتلاف الوطني عددهم بأكثر من 900 ألف بحلول كانون الثاني/يناير 2013. لذلك هدّد فتح الجبهة الجديدة – والاستيلاء في نهاية المطاف على عاصمة المحافظة في أوائل آذار/مارس - بتهجير النازحين مرة أخرى وزاد من صعوبة إيصال مواد الإغاثة.

لكن على الرغم من التبعات المصاحبة لهذه الأعمال، فشل المجلس الوطني السوري، وفيما بعده الائتلاف الوطني، في صياغة موقف واضح من نقل المعركة إلى المدن السورية. كما لم يؤكد المجلس أو الائتلاف زعامتهما السياسية في مايتعلق بالاشتباكات بين ثوار المعارضة والمقاتلين الأكراد في حلب في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2012، والاشتباكات المتكرّرة في بلدة رأس العين الحدودية بين تشرين الثاني/نوفمبر وشباط/فبراير 2013، بالرغم من أن هذه الاشتباكات كانت تشكّل تهديداً مباشراً لتحالفات المعارضة السياسية.32

ولعلّ الأمر الخطر بالنسبة إلى المسار المستقبلي للصراع هو فقدان القيادة الاستراتيجية في المعركة المقبلة العاصمة السورية. فمعركة "بركان دمشق"، التي شُنَّت في منتصف تموز/يوليو 2012، كانت عملاً مرتجلاً أطلقته جماعات محلية تنتمي بصورة هلامية فقط إلى الجيش السوري الحر، وأسفرت عن خسائر جسيمة في صفوف الثوار. واتَّبعت "معركة دمشق" التي تصاعدت منذ أواخر تشرين الأول/أكتوبر، نمطاً مماثلاً. فقد أخذ الثوار المحليون وفي طليعتهم كتائب أحرار الشام الجهادية، زمام المبادرة، لكنهم تلاشوا في نهاية الأمر عندما ألحقت قوات النظام بهم خسائر فادحة واستعادت السيطرة في منتصف كانون الثاني/يناير 2013.

تشكّل دمشق تحدّياً خاصاً بالنسبة للائتلاف الوطني. فإذا لم يتمكّن من فرض سيطرته على توقيت ووتيرة وإدارة معركة العاصمة - إذا ماقرّر خوضها أصلاً - فمن المؤكد عندها أنه لن يكون سوى واحد من بين العديد من المتنافسين على السيطرة السياسية في أعقاب هزيمة النظام أو انسحابه من المدينة. بيد أنه ليست هناك أدلّة تذكر على أي قدرة أو إرادة لدى الائتلاف الوطني لممارسة مثل هذه السلطة، ولا وعي حتى لديه بأن ثمّة حاجة إلى ذلك. في الواقع، عندما اشتدّ القتال في دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2012، بادرت لجان التنسيق المحلية، لا الائتلاف الوطني، إلى دعوة مقاتلي المعارضة إلى ضمان تجنيب العاصمة المصير المدمّر "في جميع المدن السورية الأخرى".33


الإغاثة الإنسانية

تواجه الحركات الثورية المسلحة دائماً تحدّيا كبيراً في توفير الإدارة المدنية الفعّالة والإمداد الموثوق من السلع الأساسية كالغذاء والوقود والدواء للسكان المدنيين الخاضعين إلى سيطرتها. ويكون مصير الحركات التي تفشل في توفير ذلك الانعتاق حتماً. وهذا يتطلّب جهداً وتنظيماً لاينقطعان، مثلما هو الحال بالنسبة لإيصال المساعدات الدولية، الأمر الذي يتطلب أيضاً إدارة وشبكات توزيع فعّالة.

كانت مجموعات الثوار الإسلامية أو المستقلة في سورية هي الأسرع حتى الآن في كثير من الأحيان من الائتلاف أو المجلس الوطني في التعرّف على الاحتياجات وتلبيتها. وكان لواء التوحيد السلفي أول من عالج الحاجة إلى إيجاد أجهزة أمنية ونظام قضائي فاعل في حلب، على سبيل المثال. وقادت جبهة النصرة الجهادية الجهود، منذ أواخر العام 2012، لتوفير الغذاء والوقود، والفصل في المنازعات، ومنع النهب في أحياء مدينة حلب والقرى الواقعة تحت سيطرتها. وفي 10 آذار/مارس 2013، شكّلت الجماعات الإسلامية، بما فيها جبهة النصرة، "هيئة شرعية في المنطقة الشرقية في سورية" لإدارة شؤون الحياة اليومية في دير الزور، تضم مكاتب خاصة بأعمال الإغاثة الإنسانية والخدمات والمصالحة وتسوية المنازعات، وكذلك الدعوة الدينية والفتاوى إضافة إلى قوة شرطة تنفيذية.

في المقابل، لم يكرّس المجلس الوطني السوري نفسه بما فيه الكفاية للقيام بهذه المهمة. فقد وفّر بعضاً مما لديه من تمويل لأفراد أو لجان داخل سورية لاستخدامه في عمليات الإغاثة، لكن المجلس فشل، كما أشار ناشطون بمرارة، في إنشاء قاعدة دعم لوجستي مهمة في جنوب شرق تركيا. كانت الفرصة سانحة للقيام بذلك. فقد كان المجلس الوطني السوري يتمتّع بعلاقات عمل جيدة مع السلطات التركية، والتي سمحت بالانتقال إلى سورية من دون قيود تقريباً منذ أن انتزع الثوار السيطرة على المعابر الحدودية في تموز/يوليو 2012. ومع ذلك، بحلول تشرين الثاني/نوفمبر، أي بعد مرور ثمانية عشر شهراً من نزوح الموجة الأولى من اللاجئين من مدينة جسر الشغور في شمال غرب سورية، لم يكن المجلس الوطني السوري قد أنشأ بعد مكاتب دائمة للمعونة أو نظام إمداد لإيصال أهم المواد الضرورية إلى المناطق المحرّرة، كوقود تشغيل مولدات الكهرباء للمستشفيات الميدانية والمخابز ومضخات المياه والتدفئة. كذلك، لم يحاول القيام بعملية مسح منظّمة للاحتياجات وجمع البيانات.

جاهد الائتلاف الوطني للإمساك بالأمور منذ تشكيله في تشرين الثاني/نوفمبر 2012. فقد تم تسليط الضوء على حجم التحدي وتعقيداته السياسية عندما أَذِنَت الحكومة السورية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في منتصف كانون الثاني/يناير 2013 بالعمل مع المنظمات غير الحكومية المحلية لتوزيع معونات غذائية بقيمة 519 مليون دولار. كان البرنامج يقدم المساعدات بالفعل لما يصل إلى 1.5 ملايين سوري شهرياً عن طريق الهلال الأحمر العربي السوري الخاضع لسيطرة الحكومة، لكن الاتفاق الجديد سمح له بالوصول إلى مليون شخص إضافي من السوريين المحتاجين. احتجّ الائتلاف الوطني بقوة على تقديم المساعدة، معتبراً أنه لا "يعقل أن يقوم النظام بتهديم المدن وقصف المستشفيات والمخابز وتهجير السكان ثم تقدَّم له المساعدات ليعالج بها ما اقترفت يداه".34 وقدّمت وحدة تنسيق المساعدات الدولية في الائتلاف نفسها على أنها بديل أكثر فعّالية وإنصافاً لتوزيع المساعدات، مشيرةً إلى "أن مايزيد عن عشرة ملايين مواطن يقطنون هذه المناطق [المحرّرة]، أي مايقرب من نصف عدد سكان سورية"، ولكن تتلقى هذه المناطق 10 في المئة فقط من حاجتها.35

يقرّ الناشطون السوريون بأن مجموعة أصدقاء سورية لاتثق في القدرة العمليانية للائتلاف الوطني لتوزيع المساعدات الدولية على نطاق واسع، وهم يشعرون بالاستياء من ذلك. وتشكّل قدرة الائتلاف على توفير الأمن مصدر قلق إضافياً، حيث تعرّضت قوافل الغذاء والوقود التابعة للأمم المتحدة أحياناً إلى الهجوم من جانب الثوار. في أواخر شهر كانون الثاني/يناير، أقرّ رئيس الائتلاف الوطني الخطيب بأن "كثيراً من مواد الإغاثة قد سُرِقَت أو نُهِبَت من قبل عصابات تستغل الانفلات الأمني".36

ونتيجة لذلك، ظلت المساعدات المباشرة المقدمة للائتلاف الوطني ضئيلة. وقد تم تخصيص كل المساعدات الإنسانية الدولية حتى منتصف شباط/فبراير - بما في ذلك مبلغ 230 مليون دولار و477 مليون دولار من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على التوالي، بحلول بداية العام 2013، والتزامات جديدة تبلغ 1.5 مليارات دولار تم التعهد بها في مؤتمر المانحين في الكويت في كانون الثاني/يناير – كي يتم صرفها من خلال الأمم المتحدة ووكالاتها. وحتى يوم 19 كانون الثاني/يناير، لم يكن الائتلاف الوطني قد تلقّى سوى مبلغ 8 ملايين دولار من قطر، وزّعه على مجالس المحافظات الأربع عشرة في سورية، ومبالغ أصغر من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لإغاثة اللاجئين.

لكن وحدة تنسيق المساعدات في الائتلاف الوطني تلقّت مساعدة مالية وفنية من المملكة المتحدة ومنظمات دولية غير حكومية مكّنتها من إنجاز أول دراسة مفصّلة للاحتياجات الإنسانية في كل منطقة شمال سورية في أوائل العام 2013. بدا إعلان قطر في 20 شباط/فبراير بأنها ساهمت بمبلغ 100 مليون دولار لمساعدة وحدة التنسيق وكأنّه مؤشّر على حدوث تحوّل كبير، مع أن أعضاء بارزين في الائتلاف نفوا أن يكون قد تم استلام شيء من ذلك بحلول منتصف آذار/مارس. وأعقب ذلك تعهّد الولايات المتحدة، في اجتماع أصدقاء سورية في 28 شباط/فبراير، بتقديم ماقيمته 60 مليون دولار من المساعدات المدنية للمعارضة، إلى جانب زيادة المساعدات الإنسانية.

زعم الائتلاف الوطني مراراً وتكراراً، على غرار المجلس الوطني قبله، أن في وسعه أن يكون أكثر فعّالية من الناحية العمليانية، ويمكن أن يثبت قدرته على القيادة، إذا ماقدمت له الجهات المانحة مساعدات كبيرة. لقد قدمت الزيادة في مساعدات أصدقاء سورية بُشرى جيدة، غير أنها أكّدت في الوقت نفسه على الحاجة إلى البُنى المدنية المحلية المُمكَّنة والقادرة على إدارة المساعدات واستخدامها بشكل فعّال. والائتلاف الوطني يواجه مهمّة شاقّة في هذا المجال.
التحدّيات السياسية
من المرجّح أن تواجه المعارضة السورية احتمال التعاطي مع بعض أعضاء النظام. وكان ميشال كيلو، الكاتب المستقل وأحد مؤسّسي المنبر الديمقراطي السوري، من بين مَن أدركوا حاجة الائتلاف الوطني إلى أن يخطّط لحلٍّ عبر التفاوض، لكي يكون في موقع أفضل لفرض شروطه، "وإلا وجدت [المعارضة] نفسها مجبرة على الاستسلام لما يُعرَض عليها من الخارج".37

من غير المحتمل أن يشبه انهيار النظام القائم هروب الدبلوماسيين ومشاة البحرية الأميركيين على عجل عند سقوط العاصمة سايغون في يد القوات الفيتنامية في نيسان/أبريل 1975، فلن يهرب آخر مستشار روسي من دمشق وهو يتعلق بمزالق طائرة هليكوبتر تقلع من سطح السفارة. بل الأرجح هو أن تتم عملية إعادة اصطفاف وترتيب داخل النظام - عندما لايعود في وسع الرئيس السوري الحيلولة دون حدوث ذلك أو ردعه - بحيث تدفع قطاعات مهمة من جهاز الدولة وحزب البعث والجيش باتجاه تحوّل حاسم للتوصّل إلى حلٍّ تفاوضي للصراع.

أشار نائب الرئيس السوري فاروق الشرع إلى وجود "قوة ثالثة" من هذا النوع خلال مقابلة أجريت معه في منتصف كانون الاأول/ديسمبر 2012، قال فيها إن "كثيرين في الحزب [البعث] والجبهة [الوطنية الحاكمة] والقوات المسلحة يعتقدون منذ بداية الأزمة وحتى الآن أنه لابديل عن الحل السياسي، ولاعودة إلى الوراء".38 وقد يمكن لمثل هذه "القوة الثالثة" تامين استقرار العملية الانتقالية من خلال إدارة البلاد وضبط الأسلحة الكيماوية، وقطع الطريق أمام مزيد من النمو للجناح الجهادي في الثورة المسلّحة.

معظم الحكومات التي لديها مصلحة في نتيجة الصراع السوري- وخاصة الولايات المتحدة وروسيا، ولكن أيضاً القوى الإقليمية بما فيها إيران - سترحّب بمثل هذا التطوّر. وسوف تضغط على الائتلاف الوطني للتعامل بشكل كامل مع القوة الثالثة، ماسيُلقي بعبء كبير على تماسك جسم المعارضة ووحدتها.

وحتى لو لم تظهر قوة ثالثة أو تأخذ زمام المبادرة، لايزال الائتلاف الوطني يواجه المسألة الشائكة المتعلقة بكيفية إقناع قطاعات كبيرة من الموظفين المدنيين الذين يتراوح عددهم بين 1 و1.5 ملايين، وأعضاء حزب البعث الحاكم البالغ عددهم 2-2.5 ملايين، والطائفة العلوية البالغة 2.5-3 ملايين، الذين يشكّلون العمود الفقري للأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، بالتخلّي عن نظام الأسد. وكما قال أحد نشطاء المعارضة في نهاية شباط/فبراير 2013، فإن على الائتلاف الوطني:

"مخاطبة شريحة كبيرة من المجتمع السوري لاتزال تنضوي في مؤسّسات الدولة، ويتساءل أفرادها ببساطة عمّا سيكون مصيرهم ومصير مؤسّساتهم. وينطبق الأمر على شرائح في الجيش، وحزب البعث، والنقابات، والاتحادات... إلخ. كل هذا يأتي ضمن برنامج سياسي هادف لتفكيك النظام عبر تقسيم صفوفه وعزله عن سنده الاجتماعي، وعزل الدولة ومؤسساتها عنه".39

تهرّب المجلس الوطني السوري في السابق من مواجهة هذا التحدي، ولم يواجهه الائتلاف الوطني بشكل مباشر إلى الآن. وضعت المعارضة خطط "اليوم التالي" الجديرة بالثناء لإعادة الخدمات الأساسية والمؤسسات الحكومية، وتوفير العدالة الانتقالية، وبناء نظام ديمقراطي حين يسقط النظام. ولكنها فشلت في وضع استراتيجية سياسية لهزيمة النظام أولاً.

قيادة بديلة على الأرض؟

أثار فشل المعارضة الرسمية في توفير قيادة قوية للانتفاضة إمكانية أن يوفّرها الناشطون والثوار داخل سورية. فكانت مجالس بدائية للمعارضة ولجان قاعدية بدأت في بعض المدن السورية، بحلول آذار/مارس 2012، بمواجهة التحدّيات اليومية المتمثّلة في توفير الإغاثة الإنسانية، وتنظيم الخدمات الأساسية، والردّ على عنف النظام. وظهر المزيد من الهيئات على مستوى المدن والمحافظات والبلدات والقرى في الأشهر التالية. وقد وفّرت هذه الهيئات على الرغم من تفاوتها في كفاءتها وتماسكها، وسيلة لتطوير بنية تنظيمية موازية في المناطق المحرّرة وبرهنت على إمكانية بناء هيئات قيادية على الأرض.

تم تحقيق نجاحات ملحوظة، لكن تطوُّر هياكل القيادة المحلية لايزال متفاوتاً وغير منتظم، وتباطأ جزئياً جرّاء قدرة النظام القمعية. وبالقدر نفسه من الأهمية كان نقص الاستثمار المتواصل من جانب أطر المعارضة في الخارج لتقدم نموذجاً واضحاً، ولتمنح السلطة والموارد بلا مواربة لمقاربات وسياسات معيّنة. لقد كافحت المجالس المدنية على مستوى المحافظات والمدن والبلدات والقرى أيضاً لتفرض سلطة جادّة على المجموعات المسلّحة التي تعمل في مناطقها، والتي غالباً ماتقدم خدماتها الخاصة الموازية للمجتمعات المحلية.

القيادة السياسية المتردّدة على الأرض

تنحو الهيئات المحلية لاكتساب قدر أكبر من البروز السياسي ببطء فقط، ولكن من شبه الحتمي أنها ستعبّر أكثر فأكثر عن تفضيلاتها على صعيد السياسات وتسعى إلى صياغة أجندة المعارضة. فقد أظهرت لجان التنسيق المحلية، والتي يُنظَر إليه عادة باعتبارها شبكة الحراك الشعبي الأوسع انتشاراً داخل سورية، مؤشرات على استقلاليتها السياسية منذ وقت مبكر، فخطّطت سراً، في أيار/مايو 2012، لتنظيم انتخابات لاختيار برلمان معارض وقيادة سرّيين داخل سورية. بيد أن التصعيد الحاد في وتيرة العنف في وقت لاحق من ذلك الشهر أحبط هذه المبادرة، ولكن المحاولة كانت تدلّ على وجود إمكانيات كبيرة للعمل المستقلّ. ففي منتصف شهر أيار/مايو احتجّت لجان التنسيق المحلية علناً على إعادة انتخاب برهان غليون رئيساً للمجلس الوطني السوري وهدّدت بالانسحاب من المجلس بسبب "احتكار" السلطة من جانب قيادته خارج سورية.

تراجعت أهمية لجان التنسيق المحلية في الأشهر التالية بعدما تصاعدت أعمال العنف وتسارعت وتيرة عسكرة المعارضة، ماشجّع بعض ناشطيها على الانسحاب وشجّع آخرين على الانضمام إلى العمل المسلح. لكن اللجان استمرت في ممارسة تأثير مهم، فأدّت دوراً رئيساً في صياغة مدونة السلوك الأخلاقي للثوار، التي أعلن عنها في مطلع آب/أغسطس، وألزمتهم بمراعاة مبادئ حقوق الإنسان.

وأظهر بعض قادة الثوار مؤشّرات على استقلالهم السياسي أيضاً. فإن رئيس المجلس العسكري في حمص قاسم سعد الدين هو الذي أعلن عن مدونة السلوك الأخلاقي للثوار، وحثّ المجالس العسكرية والكتائب الأخرى على التوقيع عليها. وفي 20 آب/أغسطس، اقترح أيضاً "ميثاقاً داخلياً" يلزم المجموعات المسلّحة بعدم الانضمام إلى الفصائل السياسية أو الدينية أو الانخراط في الميدان السياسي في سورية مابعد الأسد. وفي هذه الأثناء، نشر خطة "مشروع الإنقاذ الوطني" لحكم سورية في المرحلة الانتقالية بعد الأسد. اقترحت الخطة تشكيل مجلس أعلى للدفاع يتألف من رؤساء المجالس العسكرية وممثّلي المعارضة المدنية وشبكات الحراك القاعدي، يقوم بإنشاء مجلس رئاسي يتكوّن من ستة قادة عسكريين ومدنيين لإدارة الدولة في المرحلة الانتقالية.

كان مشروع الإنقاذ الوطني أجرأ محاولة تقوم بها أي شخصية أو هيئة معارضة سياسية أو عسكرية أو مدنية داخل سورية. لكن لم يكن المجلس الوطني السوري مستعداً لتشكيل حكومة انتقالية.

فقدان الإطار الإداري

أدرك ناشطو الحراك الثوري أمثال علي الأمين سويد، عضو الهيئة العامة للثورة السورية، في وقت مبكر من صيف العام 2012 أن الدولة "صمّمت لترتبط وجودياً بآل الأسد، فما أن يسقط الأسد حتى تسقط دولته".40 استلزم ذلك بناء هياكل ثورية مؤقّتة تحلّ محلّ هياكل الدولة التي تفكّكت، إلى أن يُعاد تأسيس دولة سورية مشروعة. ومضى سويد إلى اقتراح هيكل يتكوّن من ثمانية مكاتب - يرأسها مكتب تنفيذي وتُعنى بالمسؤوليات المالية والإغاثية والأمنية والبلدية والطبية والقانونية والعسكرية- يمكن استنساخها في كل جهة محلّية.

وفّر هذا المقترح ونماذج مماثلة قدّمها ناشطون آخرون في الأشهر التالية إطاراً بديلاً للتنظيم والقيادة السياسيين. ومع ذلك، فإن المجالس الإدارية التي بدأت بالظهور في المناطق المتنازع عليها في البلاد مثل مدينة حمص في أوائل العام 2012 تطوّرت بطرق متباينة مع اتساع رقعة المناطق التي يسيطر عليها الثوار ابتداءً من تموز/يوليو. لم يتم بناء إطار سياسي فعّال وشامل يمكنه توفير قدر أكبر من التماسك وتقليل تكاليف التعلّم من خلال التجربة والخطأ. كان المجلس الوطني في وضع يمكّنه من تشجيع وتعميق عملية التكامل الإداري، مايساعد على استنساخ نماذج وتجارب إيجابية ويساعد في عملية التعلّم. إلا أنه لم يجعل من ذلك أولوية له.

في الممارسة العملية، اختلفت كيفية تعامل المجتمعات المحلية مع التحدي بشكل واسع من قرية إلى أخرى أو من حي إلى آخر. فتبنّى بعضها نماذج إسلامية سلفية، فيما خضع العديد منها فعلياً للإدارة العسكرية من جانب كتيبة أو أخرى من الكتائب المسلّحة. بحلول أيلول/سبتمبر، كانت بعض الدول الغربية تعمل أيضاً على تعزيز نموذج مدني متميّز للإدارة المحلية. وتولّى "مكتب دعم المعارضة السورية"، الذي تموّله الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تدريب عدد متواضع من الناشطين المدنيين في إسطنبول، ووزع عملاء الاستخبارات الفرنسية المبالغ النقدية على قرى في المناطق المحررة لشراء المعدّات وتوفير الخدمات العامة وتطوير الإدارة المدنية.

حفّز دعم الجهات المانحة حكماً على تجدّد المنافسة بين الشبكات والمنظمات غير الحكومية التابعة للمعارضة والممثّلة في تركيا. لكن نموذج التدريب المدني الذي تموّله الجهات المانحة الغربية حقّق بعض النجاحات، بالرغم من ذلك، فذاع صيت قرية خربة الجوز في شمال سورية في تشرين الأول/أكتوبر باعتبارها نموذجاً أشرف فيه مجلس مدني منتخب على ورش العمل التدريبية واهتم بالاحتياجات العامة. ووصفه النشطاء السوريون بأنه نموذج رائع للمجالس المحلية التي تمارس السلطة المدنية الكاملة على كتائب الثوار المحلية من خلال ضباط اتصال مدنيين منتدبين.

في الواقع، ثبت أن تطبيق النموذج كان متعرِّجاً وقابلاً للانعكاس. وتؤكّد روايات من الميدان أن المجالس المحلية المدنية ظلت متباينة بشكل واسع في قدراتها واستقلاليتها بحلول آذار/مارس 2013. وفي كثير من الأماكن، احتفظت المجموعات المسلّحة المحلية بالسلطة الحاسمة. ففي بلدة تل أبيض الحدودية، استقطب انتخاب مجلس مدني محلي في تشرين الأول/أكتوبر 2012 اهتماماً إعلامياً كبيراً، لكن ما أن مرّ أسبوع حتى أضرب أعضاء المجلس احتجاجاً على خسارتهم السلطة الحقيقية لصالح القائد العسكري في المنطقة. وجاهدت المجالس المدنية لتأكيد سلطة جادّة على المجموعات المسلّحة التي تعمل في مناطقها، والتي غالباً ماتقدّم خدماتها للمجتمعات المحلية. وفي كثير من الأحيان، انقلبت العلاقة المدنية–العسكرية المرجوّة رأساً على عقب، عندما أنشأت المجموعات المسلّحة هيئات التضامن المدني والدعم الإعلامي الخاصة بها.41 وفي بعض الحالات انهارت البرامج المدنية التي تموّلها الجهات المانحة "لأن القادة المحليين لايمكنهم الاتفاق".42 وحتى في مدن مثل تل أبيض، أصبحت جبهة النصرة و"الهيئة الشرعية" تمارس تأثيراً مهيمناً بحلول آذار/مارس 2013.

قصة نجاح آخذة في الظهور؟

(يتبع)

http://www.carnegie-mec.org/2013/04/04/المعارضة-السورية-ومشكلة-القيادة/fxc6
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elsoumoudelcharif.ahlamontada.com
 
المعارضة السورية ومشكلة القياد .. يزيد صايغ ج2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المعارضة السورية ومشكلة القيادة .. يزيد صايغ .. ج1
» المعارضة السورية ومشكلة القيادة - يزيد صايغ .. ج3
» متحدث باسم المعارضة: أمريكا بدأت تقديم بعض الاسلحة الفتاكة لمقاتلي المعارضة السورية
» المعارضة السورية تتفق حول "ائتلاف" موحد
» واقع المعارضة السورية والتحديات الراهنة والمستقبلية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الصمود الحر الشريف :: Votre 1ère catégorie :: نافذة على سوريا-
انتقل الى: