الرسالة
في ص 173 ينتقل مالك بن نبي إ لى موضوع جديد هو أحد موضوعين رئيسيين في كتاب الظاهرة القرآنية هما الرسول والرسالة والباقي كله على أهميته فرع من أحدهما دائما فالهم الأكبر هو حسم موضوع الرسول والرسالة لأنهما معا محور الصراع بين المسلمين وغيرهم وعلى رأسهم الغرب الاستعماري ومفكريه العنصريين المضللين واتباعهم وتلاميذهم من العرب والمسلمين خاصة منهم بعض الدارسين في جامعات الغرب المستلبين الضالين المضللين والعياذ باالله.
موضوع سهرتنا الليلة إذن هو الرسالة بعد انتهينا مع المؤلف من موضوع الرسول الذي تم حسمه مع الخصم منطقيا وعقليا وعلميا ولم يبق فيه ما يقال فمحمد رسول الله ولا أحد يمكن أن يجادل في ذلك بعد أن أنهى مالك بن نبي الموضوع بكل ما فيه وبتفرعاته وتشعباته وكل ما ورد حوله من أقوال مشككة أو نافية أو مدعية دعاوى باطلة لا أساس لها فضحها مالك وبين تهافتها وكونها بلا أساس ترتكز على الشر والحسد والغيرة والبغضاء والعنصرية والطمع في ما لدى المسلمين من خيرات بشرية وطبيعية هائلة.
يشرع مالك بن نبي في موضوعه الجديد بالتنبيه إلى سحر الكلمات للعقول أو بعض العقول ذات التكوين الديكارتي كما قال. خاصة في هذا العصر الذي احتل فيه الأسلوب العلمي مجال الدين. فهناك كلمات مختفية وراء أقنعة عرفت السياسة بعضها لكن العلم عرف منها الأكثر حتى أنه لا أحد يتصور حجم الخطأ الضخم الذي تخفيه هذه الأقنعة، عندما تتسرب هذه الكلمات المقنعة من قلم كاتب كبير فتنطلق من كتبه أشباح تتردد في كثير من عقول المتعالين فتزيدها سخافة. هؤلاء المتعالون المتعجرفون المتعالمون الذين طالما نبه إلى خطورتهم المؤلف معتبرا جهلهم مركبا وهو بذلك أخطر من جهل عامة الناس بكثير لأنه غير قابل للعلاج كالأول الذي يعترف صاحبه به ويتقبل النصح والنقد والتعلم.
وهكذا صار شائعا في أوساطنا العلمية - يقول ماىلك بن نبي - أن ينسب الباحثون في الدراسات الإسلامية التي يقوم بها كتاب تعلقوا بالكتابة في كل شيء - يلاحظ مالك - الذين يضعون كلمات مكان حقيقة غابت عنهم أو لم يجتهدوا في إدراكها أصلا.
وهكذ نجد أن (ذاتا ثانية) تتدخل في تفسيرهم للظاهرة النبوية لا سيما عند (أرمياء) هي أكثر من مجردة ولا هي حسية فضلا عن كونها بعيدة عن الاحتمال, يحسبونها ظنا منهم مصدرا لحقيقة الذات الأصلية أي يعتمدون على وهم لا أساس له من الصحة. يقول مالك بن نبي : (هذه الفكرة الشاذة تذكرنا من قريب بفكرة عزيزة لدى المنجمين هي فكرة المثل "المثل الفلكي").(1)
هذه الكلمات الساحرة لها تأثير كبير على بعض العقول شبيه بتأثير الرسوم والصور على الأطفال. بهذا ينهي مالك بن نبي ص173.
________________________________________________________________________________
(1) المثل الفلكي مأخوذ من فكرة أفلاطون عن عالم المثل وعالم الصور, ولكن بصورة أخرى تناسب أفكار المنجمين الفلكيين
__________________
في ص 174
ومن الطبيعي يقول مالك بن نبي أن المتأثر كثيرا بهؤلاء الكتاب لا يعير كبير اهتمام بقيمة الكلمات المستخدمة في تعبيرهم عن فكرة معينة. لكن عند بحثنا عن معنى هذا المصطلح في علم النفس الذي يعتمدونه نجده في منتهى الغموض فلا معنى محدد له كما هي مصطلحات الإرادة والتذكر مثلا.
وهكذا فنظرية (اللاشعور) التي لا زالت في طور النشأة استخدموها في تفسير الظاهرة القرآنية بطريقة موضوعية كما يزعمون
ولهذا يصعب تفهم كون هؤلاء الباحثين قد بذلوا الحد الأدنى من المجهود لفهم الظاهرة هذه.
فلا ريب أن الذات البشرية تحتوي على مجال معين تتكون فيه "الظواهر النفسية الغامضة" التي لا تظهر في الشعور مثل الأحلام.
هذا المجال المظلم الذي تبهت فيه الحياة الشعورية يمكن اسميته "باللاشعور".. الذي له علاقات واضحة بالشعور لأن كل الحالات النفسية كالأفكار والوقائع التي تنشط فيه كانت قد مرت في وقت ما بالشعور ثم وقع تحويرها لتصبح في حالة نفسية مختلفة تقع في مجال اللاشعور. (فيمتص اللاشعور هذه العناصر الشعورية, ويودعها مخيلته لكي يقلبها غالبا إلى رموز, إلى أحلام, إلى حديث تفسي, إلى إلهام, ولكن هذه الرموز تحتفظ بمعالم الفكرة أو الواقع الذي تولدت عنه).
لا شك - يقول مالك بن نبي - أن هذه العلاقة تتفاوت في غموضها, لكن التحليل قد يكشف عنها, حيث يمكن اكتشاف الطريقة التي اتبعها اللاشعور في (نهاية ص174) صياغة رمزه بالرجوع إلى حادث سابق تسبب فيه. إنه حساسية خاطفة أو ذكرى قاسية أو ربما مصدره عسر الهضم أو يسره الخ..
وفي تأثر واضح بتكوينه في هندسة الكهرباء واستثماره له في التحليل يقول: (فاللاشعور يعمل هنا عمل المستقبل الكهربي بالنسبة للمولد الكهربي الذي هو الشعور, وعليه ففي هذا المجال الأخير يجب أن نلتمس دائما صدور العمليات النفسية التي يصفونها باللاشعورية).
وبيت القصيد الذي يصل إليه مالك بن نبي ليحسم تخرصات الخصم المغرض المكيد العدواني هو أنه عندما يتضح أن فكرة لا تنتمي مطلقا للذات الشعورية فمن الضروري أنها أجنبية عن هذه الذات وبالتالي لا مكان لها في اللاشعور, ويختم مالك بن نبي استنتاجه المنطقي الكبير والمنهجي للجدل العقيم في هذه المسألة قائلا: (هذا هو المبدأ النقدي الذي نريد أن نتخذه هنا اساسا لدراسة الوحي القرآني). نهاية ص 175 .. ما لا يوجد في الشعور لا مكان له في اللاشعور وإذن فالظاهرة القرآنية التي لا مجال لها في شعور الإنسان يستحيل أن تكون بطبيعة علم النفس في مجال اللاشعور وبما أن الدارسين الغربيين وأتباعهم اعتمدوا على نسبة الوحي إلى اللاشعور فهم كمن يحرث في البحر يتحدثون عن أوهام لا توجد سوى في عقولهم المغرضة الذاتية التي لا علاقة لها بموضوع اللاشعور وبالتالي علم النفس الشعور منه واللاشعور .. فمن أين للإنسان بالوحي وهو خال منه نفسيا وعقليا؟ وكيف يمكن نسبته للا شعور وهو غريب عن الشعور مصدر الحوادث اللاشعورية كل الغرابة؟ لقد أنهى مالك بن نبي الموضوع ولم يبق فيه أي مجال للجدل العقيم الذي أصبح بعد هذا الحسم هو عبارة عن هلوسة لا معنى لها ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
معاينة صفحة البيانات الشخصي للعضو ارسل رسالة ارسل البريد الإلكتروني http://benabbimalek.forumalgerie.net متصل
القراءة التحليلية في كتاب "الظاهرة القرآنية " لمالك بن نبي ** عبد المالك حمروش ** الحلقة (24) استعرض الموضوع السابق استعرض الموضوع التالي الرجوع الى أعلى الصفحة
صفحة 1 من اصل 1
توقف عن مُراقبة هذا الموضوع