تداعيات دولة بوتفليقة .. الدكتور عبد العزيز بوباكير

تداعيات
دولة بوتفليقة

بقلم الدكتور عبد العزيز بوباكير

Boubakir Abdelaziz
12 h ·
نُشر هذا المقال في 29 نوفمبر 2000
تداعيات
دولة بوتفليقة
المجتمع ليس الدولة، والدولة ليست إلا مسيّرة لمجتمع مجهول التزمت بخدمته، لكنها في الواقع تقوم باستغلاله. -بيير روفردي - .
بعد أن صاح بوتفليقة غاضبا "الدولة مريضة"، وكرّرها ثلاث مرات، ها هو يدشّن ورشته الكبرى لإصلاح ما أفسد الدهر منها .
بوتفليقة يريد إصلاح دولة أصابها الوهن في كيانها، ونخرها الفساد حتى النخاع، وتجمّدت أنساغ التجديد في أوصالها، وتقطّعت سبل التواصل بينها وبين المواطن، وكادت أن تعصف بها الأزمات مرتين، المرة الأولى في خريف 1988، حين دخلت في مواجهة مكشوفة مع المجتمع، وكاد "صخب" أطفال أكتوبر أن يُطيح بها. والمرة الثانية سنة 1991 حين وقفت على كفّ عفريت تتأرجح فوق هاوية لا أحد كان يدرى منتهاها.
بوتفليقة يريد تهذيب ممارسات الدولة عن طريق بعثها من جديد على أساس سليم مستجيب مع التطور المؤسساتي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، أي أنه يريد ببساطة دولة مواطنين بعد أن تحوّلت الجزائر إلى دولة بلا مواطنين. وما اقترحه في ورشته هو نموذج للدولة الحارسة Etat Gendarmeالتي تقصر وظيفتها على سنّ قواعد ووضع ميكانيزمات لحفظ النظام في المجتمع، وتطرح كبديل يتجاوز دولة الرفاهية Etat Providenceالتي تهتم بحفظ الأمن والنظام وضمان رفاهية المواطن وتأكيد الحضور الكلّي للحكومة التي لا تعترف بالمجتمع المدني، بل تسعى إلى تقزيمه.
بوتفليقة يريد إصلاح الدولة بعد أن آمن في شبابه بالدولة الاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية، التي بشّر بها بيان أول نوفمبر، ثم اختصم الخلق جراّها، ولم ينجحوا في التوفيق بين مضمونها الاجتماعي وإطارها الإسلامي.
بوتفليقة يريد إصلاح الدولة بعد أن كان، رغم أفكاره الليبرالية، الرمز الثاني للدولة الاشتراكية البومدينية، التي حادت عن نهجها وتحوّلت إلى ما يشبه الدولة الإنكشارية، التي استلهمت أساليب التسيير البايليكية من الدولة العثمانية في الجزائر، التي لا همّ لها سوى نهب البلاد والعباد وجباية الضرائب وقطع الرقاب .
ما يريده بوتفليقة شيء جميل... وورشته أجمل، غير أنه يجب الاعتراف أن مسألة إصلاح الدولة هي مطلب الجميع، وليست حكرا على جماعة مستحوذة على الحكم، أو من اختصاص لجنة أو نزوة فردية تطمح إلى تحويل الدولة إلى صورة طبق الأصل للنموذج النابوليوني الذي جسده صاحبه بقوله "هذا لي، وليحذر من يقترب منه"، مشيرا إلى رمز الدولة: "الكرسي".
بوتفليقة يريد أن يكون على رأس هذه الدولة النابوليونية بحكم الانتخاب، وقاضيها الأول بحكم الدستور، وقائد قواتها المسلحة بحكم العرف، ورئيس حكومتها لأنه لا يحب المادة 79 من الدستور، ووزير خارجيتها بحكم حنينه المتولد لماضيه، وسفير سفرائها لأنه لم يملّ بعد السفر، ووالي ولاتها بحكم أن الوالي هو الممثل الأول للدولة في إقليم الولاية، ورئيس رؤساء كل الأحزاب لأنه لا يريد من الأحزاب إلا مناضليها في الحملات الانتخابية، ورئيس تحرير وسائل الإعلام العمومية لشدّة حرصه على تلميع صورته، يعيّن كل المسؤولين وغير المسؤولين في مناصبهم وفي غير مناصبهم، من عمداء الجامعات ورؤساء الدوائر ورؤساء البلديات ومديري التربية والأمناء العامين الخ... وربّما سيصل الأمر إلى تعيين مواطنين لهذه الدولة.
بوتفليقة يفعل ذلك لأنه يريد إصلاح ما أفسده الدهر من الدولة. هو يفعل ذلك لأنه يمثل النموذج النابوليوني لمفهوم الدولة والذي جسده ذات مرة أنور السادات في ردّه على صهره محمود أبو وافية بعد أن عرض عليه ترأس منبر له في الإتحاد الاشتراكي حين قال له: "لا يا محمود، إحنا موش بتوع منابر، إحنا فوق المنابر، إحنا حُكم يا محمود ".
بوتفليقة إذن حُكم... هو دولة ... لذلك نصبّ لجنة لإصلاح ما أفسده الدهر من هذه الدولة.. لكن يبدو لي أن في رأس بوتفليقة نموذج واحد للدولة، وفي رؤوس من يسيّرون معه الدولة كل نماذج الدولة، من دولة حارسة، ودولة رفاهية، ودولة انكشارية، ودولة ديمقراطية، ودولة إسلامية لأنهم تعاقبوا على كل هذه النماذج منذ 1962، وفي رؤوس أعضاء اللجنة السبعين 70 نموذجا للدولة، وفي رأس الجزائريين أكثر ثلاثين مليون نمط للدولة، لهذا لن نستطيع إصلاح ما أفسده الدهر من الدولة إلا بقدرة قادر أو معجزة إلهية، خاصة إذا كان المكلّفون بأمر إصلاحها هم سبب خرابها وإفسادها.
عبد العزيز بوباكير

تداعيات دولة بوتفليقة .. الدكتور عبد العزيز بوباكير 40393550_496855600831428_26576136641183744_n

تداعيات دولة بوتفليقة .. الدكتور عبد العزيز بوباكير 40393550_496855600831428_26576136641183744_n

» بعد منع فيلم "بن مهيدي "...الموت غدرا مرّة ثانية... .. ترجمة عبد العزيز بوباكير
» حاربوا الشاذلي بالنكت .. لأنه أزاح بارونات الفساد .. عبد العزيز بوباكير
» تداعيات الرد على عتاب من كاتب صحافي على عسكري فار خارج الوطن
» من تداعيات أسطول الحرية والفداء الأسطوري
» هل الثورة في الجزائر حقا ضد بوتفليقة ؟